إعلان
إعلان

الإسلاموفوبيا ..بقلم : د. عبير الحيّالي

سفيربرس

إعلان

“الإسلاموفوبيا” وهو ما يمكن ترجمته إلى “رهاب الإسلام”، وهو مفهوم عنصري بالدرجة الأولى يلخص الخوف الجماعي المرضي من الإسلام والمسلمين، مما يولّد مجموعة من الأفعال العدائية ضدهم. وربما كانت أحداث ١١ سبتمبر في عام ٢٠٠١ التي وقعت في الولايات المتحدة الأمريكية سبباً قوياً في ازدهار هذا المفهوم وانتشاره، وشكلت تغييراً حقيقياً في طريقة التعامل مع الفكر الإسلامي والمسلمين، اللذين طالما ألصقت بهم تهمة الإرهاب والكراهية، وكان هذا نتيجة للشوائب والتشوهات التي تم إلصاقها بالدين عن طريق أفعال المتطرفين اللذين ألحقوا الضرر بالإسلام والمسلمين في أصقاع الأرض. إلاّ أن حرباً إرهابية جديدة ومختلفة عن تلك التي اعتدناها خلال الأعوام الماضية تنطوي حول هذا المفهوم، يبدو أنها قد بدأت، ويمكن تحديد ملامحها من خلال العملية المنظمة للإرهابي قاتل المصلين في مسجدي نيوزيلندا.

هذه المعادلة الصعبة “الوافد والمقيم” تحولت إلى مجزرة في مدينة “كرايس تشيرش” النيوزيلندية في الأسبوع الماضي على يد استرالي يحمل أفكاراً يمينية متطرفة ومعادية للمهاجرين، هذه العملية كان قد خطط لها منذ عامين وقرر تنفيذها منذ ثلاث أشهر، كما كان قد نشر بياناً مطولاً من ٧٣ صفحة على الانترنت واصفاً به هؤلاء الضحايا بالغزاة مدّعياً أنه يمثل الملايين من الأوربيين! وهي النقطة التي تستحق التوقف عندها والتدقيق في مدى دقتها، وهو ما لم تتجرأ الحكومات الأوربية على التصريح به أو التحقق من صحته!

هذه القضية التي لا يمكن اختصارها بخبر عاجل يظهر على شاشات التلفاز، وبعض التنديد والشجب والجنازات الجماعية وخطابات التعاطف مع المجتمع الإسلامي من قبل السياسيين. حيث أن هناك اتفاقا على أن العملية هي عملية إرهابية منظمة بشكل دقيق لقتل مجموعة كبيرة من المسلمين وإظهار حقيقة أنّ هناك كرها واضحا تحمله فئة اجتماعية موجودة في هذه الدول ولابد من تصنيفها كجماعات إرهابية. والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن دائما، هو لماذا يتم قصر وصف “إرهابي” ليكون تحديدا مرتبطا بالفرد المسلم، ولا يعمم على سواه من الديانات الأخرى!، أوليس هذا العمل الإجرامي الذي يحمل بصمات اليمين المتطرف يحمل كل صفات الإرهاب من حيث التخطيط والتنفيذ؟

لم تحصل ظاهرة اليمين الراديكالي على تعريف واضح لها، ولكنها تشترك بمجموعة من الأهداف العدائية كمعاداة الأجانب، ونفورها من الطبقة السياسية التقليدية وهو ما يعني رفضها للنظام الديمقراطي الذي تقوم عليه هذه الدول، ورفض مبادىء التعددية الثقافية، والحد من الهجرة الذي تحوّل إلى واحد من أهم شعاراتهم في في سباقاتهم الانتخابية. كما أن لهم موقفا موحدا عدائيا ومشتركا ضد المسلمين، وصل بهم إلى حد المطالبة بمنع المسلمين من الهجرة إلى أوربا، متحججين بعدم قدرة المسلمين على الاندماج وبأنهم يحملون جذوراً تميل إلى العنف مستمدة من ديانتهم، ملصقين بهم صفة “الإرهاب”. ولكن اليمين الراديكالي المتطرف بدأ يسجل حضوراً واضحاً على الخريطة السياسية في الدول الغربية خلال السنوات القليلة الماضية على حساب الأحزاب المعتدلة، كما أن التصعيد السياسي والإعلامي عمل على تغذية الكراهية والعداء للمهاجرين وخصوصاً المسلمين مما أدّى إلى زيادة شعبية اليمين المتطرف ونموه بشكل ملحوظ داخل المجتمعات والحكومات الأوربية.

ومن جهة أخرى، لا شك في أن الجماعات الإسلامية المتطرفة التي تحولت إلى كابوس يقضّ نوم السلام العالمي ساهمت وبقوة في تأجيج الخوف من الإسلام والمسلمين، عن طريق استهداف العواصم والمدن الأوربية بضربات إرهابية خلال الأعوام الماضية. كما أن وسائل التواصل الاجتماعي التي سهلت عمليه التواصل البشرية من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب، قد سهلت عملية استقطاب المزيد من المؤيدين والمتعاطفين مع هذه الجماعات من المسلمين المقيمين في الغرب، وأدّت في نهاية الأمر إلى ارتفاع كبير في عدد المتخوفين من التواجد الإسلامي في الغرب، وبالتالي انتشار كبير لأفكار ومبادىء اليمين الراديكالي المتطرف الذي يسعى إلى القضاء عليهم. وأعتقد أن ما حدث في نيوزيلندا يشير إلى تأثر الإرهاب “اليميني” بالفكر الإسلامي المتشدد، فالإرهابي هنا استخدم بشكل ما استراتيجية تم استخدامها وبقوة من قبل الإسلاميين المتشددين وهي تصوير العملية ونشرها على وسائل التواصل الاجتماعي مما يؤدي إلى نشر الرعب في المجتمع الإسلامي بسبب فكرة التغول الديني ضدهم وبالمقابل يدفع الجهة الأخرى أي اليمين المتطرف ومؤيدوه إلى القيام بأعمال مشابهة وتشجيعهم على الاستمرار في هذا المنهج وبأنه سيؤتي ثماره ولو بعد حين.
من أهم الدروس التي قدمها إلينا القرآن الكريم هو عدم الوقوع في خطيئة التعميم، وهو غني جداً بالأمثلة التي تدعو إلى وجوب التعامل مع الآخر، ليس على أنه مختلف في الدين والعرق، ولكن التعامل معه على أسس إنسانية. وانطلاقا من هذه التعاليم، لابد من التوجه إلى تعليم أجيالنا القادمة حب الآخر، والتعامل معه بعيداً عن الحواجز الدينية. ولابد من تعليم أجيالنا القادمة أن المحبة تولّد المحبة، إن كنا مأمورين بكره شيء ما فهو كره التعصب والكراهية والفعل الخاطيء. كما أنه لابد من العمل الجماعي كأفراد ومؤسسات ومنظمات لتعزيز قيم التسامح والعمل على تصدير الإسلام بشكله الصحيح، إسلام النور والتسامح وليس إسلام “داعش”. كما يجب تظافر الجهود الدولية والعمل على سن القوانين الدولية التي تجرّم، وخلق القوانين التي تحميهم كما حمت أقليات أخرى كقانون معاداة الساميّة.

سفيربرس. بقلم: د.عبير الحيّالي

باحثه في العلوم السياسية والعلاقات الدولية- لندن

إعلان
إعلان

رئيس التحرير

محمود أحمد الجدوع: رئيس تحرير صحيفة سفير برس. صحيفة سورية إلكترونية، يديرها ويحررها فريق متطوع يضم نخبة من المثقفين العاملين في مجال الإعلام على مختلف أطيافه, وعلى امتداد مساحة الوطن العربي والعالم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *