إعلان
إعلان

الحنينُ إلى الكسل . بقلم : د. عصام تكروري

سفيربرس

إعلان

في الأيامِ الهاربةِ من الربيع لا تذهبْ إلى عملك، انظرْ إلى السماء وتصرف كما لو أنّه اليوم الأخير للإنسانية، ارتدي الملابس التي تًحبْ، ضعْ عطراً بلونِ حنينك للضوء، وبعدها توجّه لقضاء اليوم مع شخصٍ استثنائي، وإلا فرافق قلبك في نزهة إلى سهوبِ الذكريات، درّبه أن يلاحق الأجملَ منها، لا لكي يصطادها بل حتى يعيش متعةَ لسعها فأجمل الذكريات تلك التي يتجاورُ فيها النحلُ والعسلُ في سبيكة واحدة اسمها الكسل، الكسلُ بوصفه بضاعة العاطلين إلا عن الأمل، الكسل بوصفه حنيناً إلى الفطرة الأولى حيثُ لم يكنْ على الأرضِ إلا نارٌ وكهفٌ وأنثى لديها ترفُ الوقتِ لتقضمَ مع شريكها تفاحَ المسّرة، إنّه الحنين إلى الكسل.

طالما كان الكسلُ موضوعاً شغلَ العديدَ من المفكرين بدءاً من “بول لافارغ” (1842ـ 1911) وكرّاسه «الحق في الكسل»، مروراً “ببرتراند راسل” (1872ـ 1970) وكتابه “في مديح الكسل” وصولا إلى “رولان بارت” (1915ـ 1980) وحواراته حول الكسل.

برأيي، كانَ موقفُ “لافارغ” من الكسل يحمل بُعد الإضرابِ عن العمل نكايةً بالرأسمالية، بوصفها المستفيد الجشع من مردود العمل، بينما كان موقف كل من “راسل” و”بارت” يحمل بُعداً نوستالجياً لكونهما لم يتذوقا طيلة حياتهما نعمة الكسل.

بالنسبة لي، فقد عرفتُ نعمةَ الكسلِ من اليوم الذي روتْ فيه معلمة الابتدائي حكاية ” الجُندب والنملة”، وازددتُ تعصباً له حينما عرفتُ أنَّ معلمتنا تنعتُ الجُندب بالصرصور في محاولة أكثر من ناجحةٍ لإثارة الاشمئزاز ضد الكسالى الذين يحبّون موسيقى الجُندب أكثرَ من قمح النملة، وهذا كان موقفي الذي شرحتهُ لها ساعةَ استدعتْ والدتي لتطلبَ منها أنْ تجد حلاً “لأفكاري الهدّامة” التي بات يعتنقها أكثر تلامذة الصف بشكلٍ عرّضها لتأنيب “المُفتش”، يومها قلتُ لها بأنني الوحيد على وجه الأرض الذي يعرفُ وصيةَ الجندب الذي ماتَ على عتبة النملة البخيلة، حينها قال لها :

“أختاه، يا التي أُكنُّ لها عميقَ الأنهارْ، ما جئتك لحبَّة قمحْ، فقط… قولي لأحفادي ألا يحنثوا بالورود ، قولي لهمْ… أنَّ مفتاح صول أمانةٌ في أعناقهم كي تبقى الحقول خضراء، وتزداد مؤونتك الشتوية، مباركٌ هو دأبكِ… أختاه”.

وبعدها صمتَ… لتبدأ روحُه بالصعود إلى بارئها على درجاتِ السلَّم الموسيقي مُشيعةً بسنابل راقصَ حباتها في الصيفْ، وبشهقاتِ نملٍ مفجوعٍ بقمحِه النامي في عزّ الشتاءْ.

إنَّه الكسل، الأب الشرعي للإبداع الملّون وللحق بالكلام… اليوم وغدا وإلى آخر الأيام.

سفيربرس _عصام تكروري _ الأيام


إعلان
إعلان

رئيس التحرير

محمود أحمد الجدوع: رئيس تحرير صحيفة سفير برس. صحيفة سورية إلكترونية، يديرها ويحررها فريق متطوع يضم نخبة من المثقفين العاملين في مجال الإعلام على مختلف أطيافه, وعلى امتداد مساحة الوطن العربي والعالم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *