الخُرافات بين الحقيقّة والواقع ـ بقلم : غالية اسعيد
سفيربرس

ببين القيل والقال وكثرة السؤال، والمزح والهزال، وحقيقةٍ مشكوك بصحتها ومدى أصولها ومراجعها، تُخلق تلك الروايات مصحوبة بمشاعرنا وأحاسيسنا ومعتقداتنا وربما أفكارنا؟ من يدري كيف كان حال الراوي في تلك المرحلة؟ ولماذا سمح لخياله بإطلاق تلك التُرهات؟ وما مدى مصداقيتها وارتباطها بالواقع وحالاتنا النفسية؟ .
توضيحاً لما سبق عرضه، كلمةٌ مثيرة (الخُرافات) … مصطلح مليء بالغموض والسحر، مكون من الخيال وقليلٌ من العلم، جمع معرفة جيلٍ قديم قد يكون مشكوك بأمرها وقد تكون فعلاً حاصلة عن تجربة حقيقة، من يدري ؟؟ ولكنها وللحق تتمتع بشعبيةٍ كبيرة ومهمة ، تلك الخُرافات أثبتت جدارتها إلى قرننا الحالي ، وجالت بين أيامنا وأفكارنا وعقولنا حرة اليدين ، طليقة التصرف في بعض الأحيان ، جاعلةٍ بذلك لها دوراً مهماً في مدار عقولنا ، إلى أن جاء العلم المُنقذ وحاول ومازال يحاول الإضاءة على تلك الخُرافات والحد من تغُللها وعبثتيها في حياتنا، ومنا من استجاب ولبى النداء وأوقف تلك الخرافات عند مجال المداعبة ولطف الحديث فقط ، ومنا من لم ولن يقبل أبداً ، بل على العكس جعلها مرجعاً مهماً لا يُستهان به في بعض مواقف وتجارب الحياة .
رافقني عزيزي القارئ بين تلك السطور لنعرف تلك الحالات الغريبة وكيف يراها العلم والمجتمع. الخرافات: هي كلمة متداولة بين الناس وبين طيات أحاديثهم العادية، تشير إلى الكذب أو الخيال أو البعد عن الواقع، ترتبط دوماً لدينا بأحاديث الجدّات، والقصص الجذابة التي كانوا يرونها لنّا قبل النوم، وغالباً ما يُصاحب كلمة “خرافة” في أذهاننا أي شيء كاذب يخلو من الصحة، وقد يوصف شخص ما بأنه مُخرِف ويقصد من هذا أنه يهذي وأنه لا يصح أن يؤخذ قوله على محمل الجد.
فالخرافة : الخرافة هي الاعتقاد أو الفكرة القائمة على مجرد تخيلات دون وجود سبب عقلي أو منطقي مبني على العلم والمعرفة، وترتبط الخرافات بفلكلور الشعوب ، حيث أنها عادة ما تمثل إرثًا تاريخيًا تتناقله الأجيال، أي تعني أي معتقد غير عقلاني أو ممارسة لا عقلانية يقوم بها الأشخاص ، إذاً هي ما يشترك فيه أفراد مجتمع ما أو جماعات ذات ثقافة فرعية في نطاق المجتمع العام ، إن تربة عقولنا وللأسف مرشوشة بسموم الُخرافات منذ زمنٍ طويل ، فكيف يمكن للنبتة أن تنمو ، وللزهرة أن تتفتح قبل أن يتم حرثُ الأرض وتقليبها وتعريضها لشمس الحقيقة كي تتطهر؟ تتعدد الخرافات التي آمن بها العرب على مدى العصور، واعتقد أهلها بأنها صواب وتناقلتها الألسن بشغف، اختلفت هذه الخرافات من بلد إلى آخر لكنها تبقى تحمل ذلك المضمون الغريب المريب للشكوك. تعال صديقي لنرى بعض هذه الخرافات عند العرب مثلاً وما أكثرها:
رمي الملح أو رشقه فوق الكتف الأيسر، للتخلص من الحظ السيئ وذلك راجع إلى الأسطورة التي تؤمن بأن الشيطان يقف دائماً مباشرة خلف الأشخاص ورمي الملح في عينه يلهيه عن التسبب في مشاكل، أو إيقاع الشخص في الخطيئة ويقوم البعض أيضاً برميه في هذه الأيام، اعتقاداً منهم في التخلص من الحظ أو سلوك سيئ. تعليق حدوةِ الحصان، أو نجمة بحر، أو حذاء طفل، ونجد الأخير كثيراً في السيارات. ولا نعلم لماذا؟ أما حدوة الحصان فترجع إلى الرومان حيث كانوا يقدسون الخيل، وبالتالي اتخذوا الحدوة رمزاً للتفاؤل، قد تضحك الآن وأنت تقرأ معك كل الحق ولكن لا تحتسب أن الخرافات وتأثيرها طال فقد العرب، فهناك الكثير من الشعوب الغربية تؤمن أيضاً بتلك الخرافات، هيا بنا لإطلعك على بعضها.
يعتقد الألمان مثلاً أن تحطيم الأواني البالية أو الأطباق في الزفاف أنّها تجلب الحظ أو تحطيمها عند عتبة باب العروسين يجلب لهما الحظ، وفي فرنسا هناك خرافةٌ لا تختلف كثيراً عن سابقتها ولكنها أكثر غرابةً ، وهى أن دعس قدمك اليسرى على مخلفات الكلب يعني السعادة ، أما بقدمك اليمنى فيعنى سوء الحظ وحدوث مصيبة ! ، وفي اليونان، الصبار الشائك يمنع أي شيء سيء عنك ، وفي الصين، هناك خرافةُ تعتقد في أن الشعيرية والنودلز الطويلة ترمز إلى طول العمر والحياة المزدهرة ، لذلك فعليك أن تحافظ عليها طويلة وألا تقطعها … شيء مضحك وغريب في آن واحد أليس كذلك ؟ ومازال في جعبةِ المجتمع وعقول بعض الأشخاص أكثر من ذلك بكثير. قد تسأل الآن ما هو سبب تلك الخرافات وكيف تكونت ولماذا مع وجود كل هذا العلم والتقدم والتطور مازال وجودها منافسٌ قوي؟ دعني أشبع فضولك المعرفي وأوضح لك بعضاَ مما قاله العلم. كيف تنشأ الخرافات والأفكار والمغلوطة، التي لا بد أن يحيط بها التفكير النقدي العلمي.
تناقل الأحاديث: دائما ما نخلط بين شيوع حديث أو عبارة ما وصحة هذا الحديث. الرغبة في الأجوبة السهلة: الحياة اليومية ليست سهلة، والتأقلم معها صعب، «وليس غريبا أن نتشبّث بالأساليب التي توفر لنا وعودًا قاطعة بالتغيير» الكثير من الناس تكون تصوراتهم ومواقفهم مبنية على تناقل أو تواتر الأحاديث أليس كذلك؟ الإدراك الانتقائي والذاكرة الانتقائية: «نحن نادراً ما ندرك الحقيقة كما هي تمامًا، فنحن نراها من خلال مجموعة عدساتنا التي تشوّه الرؤيا» أي أننا نميل، مثلا، إلى التركيز على «الأحداث الشائقة» وننسى «الأحداث التافهة»، ما يؤدي إلى الارتباط الوهمي، أي نتخيل وجود مجموعة من الارتباطات لا وجود لها علمياً. المنطق «إذا وقع حدثان متتاليان»، فالحدث التالي يكون بسبب الحدث الأول: ليس بالضرورة أن يكون الحدث (أ) سبباً في وقوع الحدث (ب) لمجرد أنه وقع أولاً فكر بها.
التفكير بمنطق درجة التمثيل: غالبا ما نقيم تشابهاً بين شيئين على أساس التماثُل الظاهر، أي أن للخيال والصور المرئية في ذاكرنا هنا دوراً مهماً جداً. التهويل في التعبير عن جوهر الحقائق: بعض خرافات علم النفس، وربما أغلب الخرافات، ليست خاطئة تمامًا، لكنها تكون مبالغات في ادعاءات تحتوي قدرًا ضئيلًا من الحقيقة. الخلط في المصطلحات: الخلط بين المصطلح والمفهوم سائدٌ جداً في مجتمعنا لأسباب عديدة، ودائماً ما نسمع عن «حاجتنا لضبط المفاهيم والمصطلحات»، وعندما نقرأ مقالاً أو نسمع رأياً سندخل بين طيات تلك الدوامة. في نهاية تلك السطور نجد أن الخرافات كانت ومازلت سبباً لطيفاً مدغدغاً للعقل، محفزاً للتفكير تارة، ومغرقاً للعتمة والانقياد تارة أخرى، فلا تطفئ قنديل عقلك في عاصفة تلك الخرافات وتذكر دائماً أنك رائع بكل ما فيك .
سفيربرس ـ بقلم: غالية اسعيد