دمشق ياسمينة بقلب فارس . بقلم : :ضحى جهاد أحمد
# سفيربرس

“إن شعبا يقدر مهندسوه رسم صرح شبيه بخان أسعد باشا، وعماله قادرون على تنفيذه لا يموت”
هكذا وصف الشاعر الفرنسي لامارتين عبقرية العمران الدمشقي عندما زارها عام ١٨٣٣ م.
أزقة متعرجة بعيدة عن الرتابة والملل، بيوت متعانقة تعكس طبيعة ساكنيها لتختصر بذلك بعضا من صفات دمشق القديمة بكل ما تمتلكه من إرث حضاري وتاريخي وإنساني واسلوب عمارة بطرازه الفريد.
في هذه الأحياء ينتشر عبق التاريخ وتخفي الأبواب خلفها بيوتا تُعد تحفا معمارية أصيلة تميز بها البيت الدمشقي فبات رمزا معماريا يُحتذى به.
يقول شاعر دمشق وعاشقها ” نزار قباني ” (هل تعرفون مامعنى أن يسكن الإنسان في قارورة عطر؟ بيتنا كان تلك القارورة، فتلك الأزهار والرياحين والنباتات العطرية تجعل جوّه معطرا بروائح فواحة، ولأن هذا البيت يوفر كل ماتحتاجه النفس، فإن هذا البيت استحوذ على مشاعري وأفقدني شهية الخروج إلى الزقاق).
البيوت الدمشقية ذات الجدران العالية تسند أكتافها إلى بعضها بعضا بهندسة وتصميم فريد ناتج عن قرون من فن العمارة الإسلامية، فتدخل من باب صغير إلى عوالم السحر والضوء واللون.
تطالعك الزخارف من الرخام المشقف والزخارف الحجرية السوداء والبيضاء وفي وسط الفسحة السماوية تتربع “البحرة” المنفّذة من الآجرّ المشوي والمكسوة بالرخام أحيانا.
وللنباتات والأشجار حكاية خاصة حيث اهتم الدمشقيون براحة النفس والروائح الزكية المستدامة فلذلك زرعوا حديقة كاملة متكاملة داخل البيت من أشجار ونباتات شامية عريقة وزهور دمشقية نادرة أهمها (الياسمين والتوت والنارنج والكبّاد والليمون الحلو والحامض والبرتقال)
وتكتمل رحلة السحر مع الإبداعات المعمارية والتزينية من الخط العربي الذي نجده في الجدران والأسقف فنرى أبيات شعر أو حكمة أو وثيقة تؤرخ للمكان لتعكس هذه السمات التقاليد الاجتماعية والتكوين الأسري السائد في المدينة.
كما نلاحظ توزع الفراغات الذي يعطي إمكانية خدمية واجتماعية وإنسانية لوجود ثلاثة أجيال في الوقت نفسه.
كل ذلك جعل التنظيم العمراني في دمشق القديمة ملهما لمدن بأكملها حول العالم، مما يحتم علينا تطويره كإرث حضاري واعتماده نموذجا يعيد إرث الأجداد.
دمشق أكثر مدن الأرض عراقة و أكبرها سناً وأرسخها حضارة كانت عامرة قبل أن تولد بغداد والقاهرة وباريس ولندن لتكون أقدم عاصمة مأهولة في العالم للآن.
في دمشق فقط تسمع نداء (أخي – أختي) لغة خطاب جماعية لمن تعرفه ولا تعرفه.
هنا فقط تحضر (معوضين) عندما تدفع نقودك وإن كانت ضئيلة ثمن لحاجياتك اليومية.. تراه دعاء بالعوض أم أمنية ومحبة.
وتسرح في عطور صبايا يتدفقن إلى الجامعات بخفة أحلامهن وتخفق قلوبهن لرسائل عشق وحروف أسماء المحبين محفورة في قلب شجرة تعاند الحرب و تورق.
في دمشق إن تعثرت تجد ألف يد تمتد لتنتشلك داعية لك بالسلامة.
هنا تشرق الشمس من سبع بوابات للروح وتزهر إرادة الله في عزيمة رجال أشداء يهابهم الموت والعزّ يقبل جباههم.
في دمشق فقط تدخل كنيسة تشعل شمعة ثم تفتح يديك لتقرأ الفاتحة.
تطالعك عيون مختلفة الأشكال والألوان لكن بريقها واحد..
في دمشق لا تحتاج لمظلة حين تمطر فقلبك يحملك لسماء ثامنة في ملكوت إله رحيم.
هل سمعت يوما بمدينة تباغتها قذائف الحقد.. بعد لحظات تعود الحياة إلى المكان متحدية.. شامخة.. واثقة بأرضها وحب أبنائها حراس الشمس.
في دمشق تحمل إرث حضارة الحرف الأول والخصب الأول والحب الأول خلف النبض تحت ظل القلب..
الانتماء الأول فمهما حزنت حقائب السفر راغبا أم مضطرا لن يرويك إلا بردى ولن يرضيك إلا شموخ قاسيون.
هنا يطربك صوت الجواهري
دمشق صبرا على البلوى فكم صهرت
سبائك الذهب الغالي فما احترق.
هنا يورق دم الشهادة في عروق الولادة.
ويكتب التاريخ. “وعزّ الشرق أوله دمشق ”
هامش:دمشق سورية مصغرة.
# سفيربرس _ بقلم :ضحى جهاد أحمد
كاتبة واديبة سورية