معايير الجمال … بقلم : غالية اسعيد
#سفيربرس

خرافة الجمال وإسطورته الأزلية التي ستبقى عالقة في أذهان الجميع وبالأخص النساء، ما هو ذاك السر الذي يجعلنا نميل للجمال بهذه القوة، ويجعل العين تعشق ما ترى وتتمنى القرب منه والحصول عليه؟ وهل الجمال كان حديثاً ثرياً في كل العصور والأزمنة؟ وهل كان شرطاً أساسياً بكل الحالات حتى يتم القبول؟ وماهي معايير الجمال نفسياً واجتماعياً؟
رافقني عزيزي القارئ بين هذه السطور في رحلة بتاريخ الجمال علنا نجد شيئاً تتوضح فيه الصورة لنا ….
الفرضية الأساسية لخرافة الجمال هي أنه كلما زادت السلطة الاجتماعية ومكانة المرأة، كذلك زاد الضغط للتقيد بمعايير اجتماعية غير واقعية للجمال الجسدي، نتيجة التأثيرات التجارية على وسائل الإعلام. هذا الضغط يؤدي إلى اتخاذ النساء سلوكيات غير صحية وانشغال كلا الجنسين بالمظهر، مما يقلل قدرة المرأة على أن تصبح فعالة ومُتقبلة من المجتمع.
الجمال: ويُقصد به العلم المتعلِّق بالإحساس أو علم التعرّف على الأشياء من خلال الحواس، ويعرف باسم (الإستاطيقا) وكذلك باسم فلسفة الفن، وقد عَرَّف (هيربرت ريد) الجمال بأنه “وحدة العلاقات الشكليَّة بين الأشياء التي تدركها حواسنا”، ومن التعريفات الجميلة حول الجمال ما قاله (هيجل) عنه بأنه “الجنّي الأنيس الذي نصادفه في كل مكان”، وقديماً كان الجمال أحد فروع الفلسفة، إلى أن جاء الفيلسوف (بومجارتن)، وفرّق بين علم الجمال وباقي المعارف.
أذكر أنني كنتُ في جلسة مصارحة مع بعض الفتيات، فأذهلني كثيراً اعتراف بعض الجميلات منهن أنهن قد زرن طبيب جراحة تجميلية !!، ومصدر عجبي أنهن كن من ذوات الدخل المحدود هذا أولًا، أما ثانياً فلأنهن كن جميلات كفاية، فعلامَ العبث؟! فكانت إجابات إحداهن أنها تحس أن أذنيها كبيرتان مقارنة بوجهها، أما الأخرى فكانت نحيفة بشكل كبير وقد ذهبت لكي تحاول أن تقنع الدكتور بأنها تشتكي من تكدس الشحوم على جنبيها، وأمور عبثية أخرى لا داعي لذكرها. !!..
ماذا جرى، كيف حصل هذا السقوط الرهيب، كيف استطاعوا من إحياء اضطرابات نفسية ساكنة كاضطراب تشوه شكل الجسم أو ما يعرف بهوس الكمال الجسدي، كيف انصب اهتمامنا بالقشور دون اللباب، من أقنعنا بأن الجمال نسخة مكررة من فنان هنا أو مغنية هناك، من شوه مفهوم الجمال الناقص الذي كان يقدسه الرومان واليونان وصنعوا له تماثيل خالدة؟
فهل صحيح أن الجمال مجرد معايير نتربى عليها أم أنها راسخة لا تتغير بمرور الأجيال !؟ من المؤكد أن اختلاف العصور والثقافات يولد اختلافاً في النظرة إلى ماهية الجمال، فهناك من يظن بأنه لا يوجد معيار للجمال، وأنه يختلف مفهومه ومقوماته من شخص لآخر، من مكان لمكان ومن زمان لزمان لذلك لا يمكن تطبيق قاعده أو تعميمها على مقياس الجمال لكن يبقى الجمال الثابت الذي لا اختلاف فيه جمال الخلق، إليك أحد أمثلة القياس (أي أن يكون
الجَمَال… فإدراكه نسبىّ، يختلف من شخص لآخر فيختلف الإحساس بالجمال من شخص لآخر فهناك أشياء لا يختلف اثنان على جمالها وهناك أشياء جمالها نسبي في عين من يراها وهناك من يراها جميلة جداً وهناك من يراها عادية وهناك من لا يراها مطلقاً …. فما هو الجمال؟
هل بإمكان أحد منا أن يُعرف الجمال؟
هل من الممكن أن يتفق اثنان على مفهوم واحد للجمال؟
فما أراه أنا جميلاً قد يراه غيري عادياً ، وقد يراه شخص آخر منفراً، قد لا يتفق اثنان على الإعجاب بشيء ما لكن أغلبنا يتفق معي إذا قلت أن الجمال مفهوم شخصي، أو كما يقول المثل الشهير “الجمال في عين ناظره” وناظره فقط دوناً عن البقية قد يرى ما يراه جميلاً.
ولا يختلف منظور الجمال من شخص لآخر فقط ، بل يتغير من ثقافة إلى أخرى ومن بلد إلى آخر، كما تغير مفهوم الجمال تغيراً كبيراً جداً عبر العصور، ومازال يتغير شأنه شأن كل مجالات الحياة يتغير ويتطور مع الزمن وتماشياً مع العصر، حيث أننا لا نستطيع الحديث عن معايير الجمال في حقبة معينة دون ربطها بالمكان الذي نشأت منه والثقافة التي كانت سائدة آنذاك، ففلسفة الجمال قديماَ ارتبطت بنظريّات الكون والإلهيّات، إلا أنّها اقتربت من نظريات المعرفة والأخلاق عبر التاريخ ، كما أن فلسفة الفن والجمال نشأت بنشوء الفلسفة مع فلاسفتها القدماء من اليونان، وهي لا تنفصل عنها، إذ تستمدُّ أُصولها من المذاهب الفلسفية، ويُعتبر علم الجمال هو علمٌ حديث النشأة، إذ انبثق بعد تاريخ طويل من الفكر التأمليِّ الفلسفيِّ، أي إنّه يُعدّ علماً قديماً حديثاً، فلم يكن اليونانيون يعرفونه لذاته ، لكنَّهم اهتمّوا به من حيث أنّه دالٌ على الخير والحقيقة.
هناك جمال الخَلق وهناك جمال الخُلق ولكل منهما مراتب ودرجات واختلاف الأذواق يرجع إما لاختلاف مرجعيات الحكم فهذا يطغى على حكمه الجانب الخَلقي وآخر يطغى عليه الجانب الخُلقي فاختلاف الأحكام هنا لا يتعلق بالجمال كوحدة وإنما يتعلق بالحكم على متباينين الخَلق والخُلق ولهذا تختلف الأحكام .
وقد يتعلق الحكم على الجمال أيضا بدرجة فهم هذا الجمال، فلو أخذنا مثلا لوحة لأحد الرسامين المشهورين مجمع على جمالها من قبل المختصين وعرضناها على شخص لم يفهم موضوع الرسمة فالمؤكد أنه لن يراها جميلة فالنسبية هنا لا تتعلق بجمال الرسمة فهي جميلة بإطلاق لكل من فهم الرسمة وجهل البعض هنا هو المؤدي لاختلاف الحكم وليس الجهل بالحجة المعتمدة للقدح في جمال ما هو جميل، وعلى ذلك فقس جمال خلق الله الذي يُحصل بالتدبر في دقة هذا الخلق وما يعرف لدى المختصين بالتناسق والنسبة الذهبية في الهندسة وغيرها.
لذا فالجمال نسبي ويختلف تقييمه وتسميته من شخص لآخر ، لكن الجمال موجود وتعريفه ( انجذاب عقلي ونظري لمظهر مرئي معين يثير الأحاسيس ويفرز هرمونات المتعة واللذة.
يفترض الباحثون في دراسات المرأة أن خرافة الجمال قوة فعالة تجعل النساء تركزن على صورة الجسد ومشتتات بها، وأنه يتيح لكلًا من الرجال و النساء وسيلة للحكم على النساء وتقيديهن بسبب مظهرهن الجسدي، وتَعتبِر هذه الفرضية المجلات والملصقات والإعلانات التليفزيونية ووسائل التواصل الاجتماعي احدى العديد من المنصات الحالية لترسيخ معايير الجمال عند كلا الرجال و النساء، وغالبًا ما تعطي النساء لخسارة الوزن أهمية أكبر من الحفاظ على متوسط وزن صحي، ومن الشائع أن تَقُمن بتضحيات مادية و جسدية عظيمة لتحقيق هذه الأهداف، و مع ذلك، فإن الفشل في تجسيد هذه المثاليات يجعل النساء عرضة للنقد و التدقيق الاجتماعي .
وأخيراً وإن لم تستطع أن تشارك بصنع الجمال عليك على الأقل أن تحتفي به، لأنني أشعر باستمرار بأني معرّض لكمين من الجمال الساذج، وعلى أن احتاط من مكر الطبيعة، فالأشياء الأكثر جمالاً في العالم لا يمكنك رؤيتها أو حتى لمسها، يجب أن تشعر بها بقلبك، الوجه الجميل لا ينوب عند عاشقه عن الوجه الجميل، ولو اشتركا معاً في صفة الجمال، فصوت الجمال همساً يتكلم إنه لا يتسلل إلا إلى الأرواح اليقظة.
#سفيربرس. _ بقلم : غالية اسعيد