إعلان
إعلان

“لم يبق إلّا سارية السّواس لتغني على قلعة حلب” .بقلم : بيانكا ماضيّة

#سفيربرس

إعلان

“لم يبق إلا سارية السواس لتغني على قلعة حلب! ” هكذا يقول أحد سمّيعة المدينة، ممن اعتادت أذنه على سماع الطرب الأصيل، واعتادت عينه على رؤية سلاطين الغناء والطرب وأساطينه على مدرج القلعة. فعلى هذا المدرج غنى كبار المطربين من أمثال صباح فخري، ميادة حناوي، ماجدة الرومي، شادي جميل، نهاد نجار، صابر الرباعي، وغيرهم ممن تليق بهم القلاع ليظهروا على مسارحها.

ولكن يبدو أن الحرب أرخت سدولها أيضاً على مستوى الغناء والطرب، إذ تشهد المدينة هبوطاً وانحداراً فنيين، على حد قول شاعر حلب صفوح شغالة، مما حدا به لإطلاق صرخته لانتشال المدينة من هذا الهبوط.
ما إن تحرّرت المدينة حتى بدأت الحفلات تقام على هذا المدرج، ولكن النجوم تغيّروا والاستضافات تراوحت بين الغث والسمين. لايمكن لأبناء هذه المدينة الذين تشكّل القلعة بالنسبة لهم رمزاً من رموز القوة والصمود والتاريخ أن يتقبّلوا ظهور فنان عليها ما لم يكن له مكانة فنية مرموقة.
ويبدو أن باب القلعة الذي استهدفه الإرهابيون الهمج بقذيفة فشوّهوا ملامحه التاريخية، بات اليوم مستهدفاً من قبل البعض ليجتازه الحالمون بالنجوميّة، كما حصل في العام الماضي، إذ ألغيت حفلات كان من هدف معدّيها أن تقام على مسرح القلعة، ولكن في عُرف الحلبيين هو تشويه لمكانتها العظيمة إذ لطالما غنى على مسرحها كبار الفنانين، فلا يمكن القبول بأن يغني فيها سوى الكبار.

(تكّات) تستفز أهالي حلب
في الأمس استضافت القلعة مهرجان حلب الأصالة برعاية وزارة السياحة ولكن بإنتاج خاص، وما إن ظهرت فرقة (تكات) في اليوم الأخير، هذه الفرقة المشهورة التي أثبتت نجاحها من خلال الفيديوهات، على حد قول معجبيها، حتى كان مسرح القلعة هو المكان المقياس للنجاح من الفشل، وراح البعض يتساءل: هل مكان فرقة تكات في قلعة حلب؟! هل تم نجاح الحفل كما هو متوقع؟! هل مستوى الفرقة الذي تألقت وانطلقت على وسائل التواصل واليوتيوب استطاعت أن تكون بذات المستوى على مسرح القلعة؟! هذه الأسئلة الجوهرية التي تعنى بأصالة الغناء وبعمق الرمزية التاريخية لقلعة حلب، جدير بالتوقف عند أجوبتها، للحيلولة دون انتقاص هذه الرمزية.
الفنان غسان الدهبي، يشير إلى أنه “لأمر طبيعي أن هناك أناساً تعجبهم الفرقة وأناساً لاتعجبهم..ولكن في الحقيقة وبالنسبة لي، هي فرقة تكرر نفسها بدون أي جديد! بعد أول ربع ساعة لم يعد هناك جديد، وخاصة أنها تعتمد على البساطة واللون الغنائي نفسه ..المشكلة في تلك الفرق أنهم لايميزون أنفسهم بطريقة التقديم على المسرح، والفرق كبير مابين تتابعهم على السوشيال ميديا وبين أن يقدموا أنفسهم على المسرح، وخاصة مسرح كببر بحجم مسرح قلعة حلب …حفلتهم السابقة على مسرح النقابة كانت أكثر نجاحاً باعتقادي الشخصي ..المهم تبقى الفرقة أهم من مستوى فرق أخرى” ..
أما الزميلة آلاء أبوردن فقد أشارت عبر موقع التواصل الاجتماعي إلى ملاحظتها أن جميع المنشورات انتقدت وجود الفرقة على مسرح قلعة حلب، ولكن أصحابها لم يذكروا عمار الديك أو سهر أبو شروف، لتتساءل: “هل هؤلاء في مستوى أن يقفوا على مسرح القلعة لكي لايأتي ذكرهم؟! ففرقة تكات غنّت والجمهور تفاعل معها، غير أن عمار كان عبارة عن ممثل ولم يغن سوى كلمتين، هذا بالإضافة إلى سهر التي لم يسمع بها أحد”.

أيهما أهم؟!
لايمكن للحلبيين أن يقبلوا بفن دون المستوى اللائق بهذه القلعة، والمشكلة تكمن في أن يصبح هؤلاء الدخلاء على الفن فنانين؛ والمطلوب من القيّمين على حفلات كهذه إنتاج فن بكل معنى الكلمة، لا استسهال الأمر بحيث تبدو الغاية التجارية هي الأهم على حساب الفن، فعندما تتحكم هذه الرؤية التجارية بالفن فإلى أي حضيض يذهبون به؟!
الأستاذ عبد الحليم حريري رئيس فرع نقابة الفنانين بحلب يشير في منشور له بالقول: “أصدقائي عندما تتكلمون عن حفلات القلعة يجب أن تعلموا بأن تكاليف أي حفل هو أضعاف تكاليف أي حفل وكذلك تنظيمه أصعب من تنظيم أي حفل. لذلك فحفلاتها تحتاج لمخاطرة تجارية أو جهة رسمية تتحمل نفقات الحفل الباهظة . لذلك فمن يغني على مدرجها يجب أن يكون نجم شباك، أو أن جهة ما تدعوه وتتحمل النفقات”. مايعني أنه ليس من الضروري أن يكون الفنان كبيراً ليظهر على القلعة، يكفي أن تدر الحفلات أرباحاً ليكون لمنظميها مبرر لإقامتها هناك، فهدف هذه الحفلات هو الربح المادي بغض النظر عن مستوى الفنان الفني.
أحدهم كتب تعليقاً على ذلك: “وهل من الضروري إقامة حفلات على مسرح القلعة وخصوصا للناشئين. لدينا مسارح ومنصات كثيرة بحلب بإمكان للشباب الجدد أن يستخدموها لنشر فنهم. وابقوا مسرح القلعة للحفلات الكبرى، لأن الناس لايعرفون تكاليف الحفل، ثم إن مسرحاً كهذا المسرح يلزمه جمهوراً بالآلاف كي تنجح الحفلة، فليس من المعقول إقامة حفلة غنائية بحضور خمسمئة شخص لم يظهر عددهم على مدرج كهذا”.
صديق آخر يرد على الأستاذ حريري بالقول: “لا أوافق على طرحك إلا من الناحية التجارية وهذا ما أسقط الفن بشكل عام وهو موضوع الربح و الخسارة. برأيي إن مكاناً يحمل جزءاً مهماً من تاريخ سورية يجب أن يبقى تحت إشراف الدولة حصراً، وإقامة الفعاليات الفنية تحت إشراف لجنة مختصة مؤهلة بكل معنى الكلمة وألا يُطرح أبداً موضوع الربح والخسارة، بل بالعكس أن تكون قيمة الدخول رمزية كي يستطيع كل من يحب الموسيقا التوجه لهذا الصرح لعله يسهم في ترقية الذوق العام الذي بات علينا جميعاً أن نساهم وبلا حدود في ترقيته، فالجيل الجديد بحالة خطر (فني) وهذا الخطر له انعكاسات سلبية جداً وخطيرة على المجتمع بشكل عام وحتى تغذية حالة التطرف المضادة (برأي المتطرفين) لحالة (الميوعة) الفنية المفروضة على الجمهور، ولست أبدا مع مقولة (الجمهور عايز كده)”.

القلعة لقلاع الفن
أما القلعة فلها قيمة تاريخية لايمكن أن تتقبل هي الأخرى مايظهر على مسرحها إن لم يكن له قيمة فنية أيضاً، فكثيراً ما كشفت حقيقة الفن من عدمه لدى من قدم على مسرحها، أحد أبناء المدينة يقول: “القلعة أمانة غالية، وللأسف الآن من المعيب أن نرى هؤلاء المراهقين الفنيين والمتشبهين بالفن على مدرج القلعة، فهذا المدرج شرف للأسف منحتموه لمن لا يستحق”. فمن المسؤول عن النهوض بالفن إن لم تكن وزارتا الثقافة والسياحة؟!
هذه المشكلة التي بات هناك من يفتعلها، ربما، بشكل مقصود، تستوجب استنفار جميع الجهات المنوطة بها الحفاظ على أصالة القلعة، والمستوى الفني الذي يقدم عليها، ومنها جمعية أصدقاء القلعة، وغيرها من جهات مسؤولة، لا أن تكون القلعة ملاذاً لكل من هبّ ودبّ ليضع أقدامه على سلّم النجوميّة!.
يقول الفنان أحمد مكاراتي: “على مدرجها العظيم، حيث التاريخ بعنفوانه، يسقط الرث ويُخلد الحسن. قلعة حلب لا تعرف المجاملة، كثيراً مامنحت الشهرة للأصوات الشجيّة، ولكنها لم تهادن برفضها لتلك الأصوات الباحثة عن الانطلاق من خلالها، وهاهي اليوم ترفض التكّة بمجموعها بشموخ وشمم، وكنهد دافق، بقيت القلعة، وسقطت تكاتكم وصياح ديككم، إنها قلعة حلب”!.

#سفيربرس ـ بقلم: بيانكا ماضيّة  ـ الشهباء

إعلان
إعلان

رئيس التحرير

محمود أحمد الجدوع: رئيس تحرير صحيفة سفير برس. صحيفة سورية إلكترونية، يديرها ويحررها فريق متطوع يضم نخبة من المثقفين العاملين في مجال الإعلام على مختلف أطيافه, وعلى امتداد مساحة الوطن العربي والعالم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *