ضحى أحمد تحلّق في سماء ثامنة… بقلم : الشاعر محي الدين محمد
# سفيربرس

يقال تاريخيا في حياة الفن من إبراهيم إلى داود تشكل أربعة عشر جزيلا، ومن داود إلى سبي بابل أيضا أربعة عشر جزيلا، ومن سبي بابل إلى عهد المسيح (ع) أربعة عشر جيلا.
وهذا يعني أن الحياة العربية من الناحية الثقافية تشكل زمنا ثالثا، ولابد أن يكون المستقبل هو الحكم الفيصل في الأسباب والنتائج..
بهذا المعنى قرأت نقديا في الروائع الإبداعية على اختلاف أنواعها، وهي التي يجب أن تتصالح فيها الأشياء مع بعضها لخدمة القضايا المتنوعة، ومنها الوطنية والإنسانية، ومعها يكون الفنان الحقيقي ابن ذاكرته وبيئته التي خرج منها سواء كان شاعرا، ام كاتب قصة ورواية، أو أي لون فني آخر كالرسم، وصولا إلى التمثيل على خشبة المسرح..
من هنا يمكن القول بأن عملية بناء القصة التي حملت عنوانا هو (سماء ثامنة) لمؤلفتها (ضحى أحمد)
وكانت قد رسمت أحداثا متنوعة عبر نسيج فني متكامل الأبعاد في اللغة والحوار الداخلي والوصف الذي ربطت فيه المضمون الفكري للقصة بالحبكة لأداء وظيفة فنية مثيرة.
اعتمدت الكاتبة في سردها المحدث على عنصر المفاجأة منذ بداية القصة، والتناغم المكثف في الوسط، والاختبار في المعادلة الأقرب إلى التعبير الحسي العفوي في نهاية القصة داخل فضاء السرد الذي كانت فيه القصص القصيرة تشبه مقاطع من قصيدة النثر ولكنها بعيدة عن التقليد والمحاكاة، فكانت العناوين ذات وظيفة ايحائية، كما في قصصها ذات العناوين (رسائل إلى الله، الصوت الظل، بين سروتين وسماء ثامنة)
ففي قصة بين سروتين وفي ظل عالم تتصارع فيه المصالح وتقوده المواقف المختلفة، بدت ضحى احمد كاتبة ملتزمة بقضاياها الاجتماعية والوطنية، وكانت صورة الطفولة هدفها الذي نقلت فيه تقنيات المؤسسة التربوية نظرا لأهميتها في الوقائع الاجتماعية وهذا ما اطلعت عليه في قصتها (أسئلة إلى الله) حيث تقول “حينها أدرك بحدس الطفل، وكأنه ومض واثب في فضاء مدلهم بالغرائب، أن الله سلم أختامه وأعطى سلطته لأمه و أبيه فهما ظله على الأرض”
بهذا الاسلوب الذي يكرس فكرا يختبر فيه الأطفال سلوك أهلهم تجاه القوى الإلهية.
وقد كثفت فيه اللغة، وظهرت الشخصية بالقصة مستقلة رغم علاقتها بسير الحدث، لكن وصفها لم يكن لمجرد الوصف بل هو عامل مساعد على تطور الحدث داخل محدودية الحركة الفنية، وكأنها جزء من الواقع اليومي المعاش الذي يشتغل عليه المربون وفق طرائق تعلموها ومازالت تلازم سلوكهم في حياتهم التربوية…
وما يلفت الانتباه في القصص التي زاد عددها عن خمس عشرة قصة هو ذلك الاختزال اللغوي واللمسات الجاذبة في ربط الحدث بعملية التقنيات المتوفرة بحيث تتصالح الأشياء.
حتى في قصصها التي كتبت بأسطر قليلة كما في (رسائل إلى الله)
وهذا يعني أن الحامل اللغوي لابد منه عند الربط بين الحدث والحبكة من الحاجة إلى ابتكار فكرة مقابل فكرة أخرى مماثلة كما في قصتها (سماء ثامنة) في عملية التماهي مع الأصوات الدرامية التي نقلتنا إليها قصة(خارج السرب) و (بين رصاصتين).
مما يدل على أنها فنانة شرقية مرتبطة بفنها وخدمة قضاياها الاجتماعية بردائها الإنساني في زمن الردة العربي الجديد.
تقول في نهاية قصتها (سماء ثامنة) مايلي “سأفتح الباب،. سأقول لهم :أكره هذا العيد فأنا لست أما ويتيمة، يزداد الرنين ويشتعل فتيل الحرب بين قلبي وعقلي”
وتدعم موقفها بأغنية من مخيلة الحياة يضيء فيها الحزن جدران الأماسي بالأمثلة
“جرح في ضهر الحصان تحت السرج متداري..
لا الحصان يقول آه ولا الخيال داري”
وهكذا تمضي ضحى احمد في سرد قصصها لتقف من خلالها على إدارة القضايا العالقة في وجدانها. وأهمها القضايا الإنسانية والوطنية ومنها الأزمة المركبة في الزمن الكوني المختلف عما سبقه من أزمنة.
# سفيربرس _ بقلم : الشاعر محي الدين محمد
رئيس فرع اتحاد الكتاب العرب في طرطوس