الاحتراق النفسي….. بقلم : الأستاذة. غالية اسعيد
#سفيربرس

إحساسك الدائم أنك واقع تحت الضغط النفسي، حالة تعبك المتناغمة بالجسدية والنفسية، التأثير الذي أصبح جلياً على أفعالك وتصرفاتك من عدم التركيز وسرعة الانفعال وضيق الصدر وعدم الراحة الداخلية، كلها أحداث وتداخلات لا يُستهان بها وتريد منك الوقوف لديها والاستفسار عن حالها وسببها أليس كذلك؟
قد تراودك الآن جميع هذه الأفكار وتقول في حديث سرك، أجل أنا أشعر بتلك المشاعر والإحساسات وبشكل كبير وقريب ومتكرر، ولكن لا أعرف ما الذي يحصل؟ ولا كيف؟ ولا أعرف كيف أخرج من هذه الدوامة النفسية المؤلمة؟ ومن المحتمل أني لا أعرف توصيف هذا الإحساس أصلاً.
حسناً عزيزي أتوقع عند نهاية مشوارك بين هذه السطور أن تتعرف على هذه الحالة النفسية التي تسمى حسب علم النفس (بالاحتراق النفسي) أو (الاحتراق الذاتي) رافقني لنتعرف عليها عن كثب.
عرفه العلم قائلاً: أنه حالةٌ من الإجهاد العاطفي والعقلي والجسدي، تنجُم عن الضغطِ المُفرط والمستمر لفتراتٍ طويلةٍ، تحدثُ عندما تشعر بالإرهاق وتفقدُ قدرتك على أداء مهامك المطلوبة … إنه الاحتراق النفسي.
والآن أصبح هذا الوصف أو الحالة تُطلق على كُل من يمر بها في أيٍ من اتجاهات الحياة المُختلفة حتى أصبح يطلق عليها البعض (الموت المهني)، والمثير للدهشة أنه لا يوجد تشخيصٌ دقيق لهذه الحالة، كما تُظهر الإحصائيات والأرقام المختلفة في الدراسات النفسية، أي أنه لا يوجد بيانات علمية موثوقة إلى الآن …
مما لا شك به أن نمط الحياة المُرهق يضع الناس تحت الإجهاد دائماً والضغط الشديد حتى يشعروا باستنفاذ طاقتهم، وأنهم غير قادرين على التعامل مع الآخرين، خاصة فيما يخص الإرهاق في العمل.
إذاً كيف أعرف أن لدي بوادر أو استعداد لتلك المندوبة من الاحتراق النفسي؟
وهل كل إحساسٍ بتلك الدوامة يعتبر حالة من بداية حفلة الشواء تلك؟ أم قد يكون مجرد ضغطٍ نفسي مثل أي من هذه الضغوطات التي تعترضنا كل دقية في دوامة الحياة؟
أظن أنه حصل عليي لبسٌ بين تلك المصطلحات والكلمات، ساعدني أكثر بالشرح.
حقيقة مصطلح متلازمة (الاحتراق النفسي) تم صياغته من قبل عالم النفس الأمريكي (هيربرت فريودنبرغ) في السبعينات، وذلك لوصف عواقب الإجهاد النفسي الشديد، كذلك الذي يتعرض له الأطباء والممرضات بسبب مساعدتهم للآخرين، لدرجة أنه كما نصفُ أحياناً (يكون شمعة تحترق من أجل الآخرين).
الإرهاق هنا يكون رد فعل طبيعي بسبب الإجهاد وليس علامة على المرض، لكن هل يمكن إطلاق متلازمة الاحتراق النفسي أو الموت المهني على الأعراض التي تعبر عن أكثر من مجرد إرهاق؟ وكيف تختلف عن المشاكل التي تتعلق بالصحة العقلية الأخرى؟
ترى ماهي أسباب الشعور بالإرهاق وصولاً إلى الاحتراق؟
الشعور بالإفراط في العمل تحت التحديات.
العمل تحت ضغط الوقت.
وجود صراعات مع زملاء العمل.
أيضا الالتزام الشديد الذي يأتي على حساب رغباتك، قد يكون له دور في ذلك.
كيف يتم تشخيص متلازمة الاحتراق النفسي؟
لا توجد طرق محددة ومدروسة لتشخيص الإرهاق أو الاحتراق النفسي، كما ولا توجد استبيانات مختلفة للتقييم.
ولكن أثبتت بعض الدراسات قليلاً من المؤشرات علها تنبه المحترف نفسياً لمداركة الوقت قبل فوات الأوان إليك بعضها:
مؤشرات جسدية: مثل الشعور بالتعب والاستنزاف معظم الوقت، المناعة المنخفضة والأمراض المتكررة، صداع متكرر أو آلام في العضلات، التغيير في عادات الشهية أو النوم.
مؤشرات عاطفية: مثل الشعور بالفشل والشك في النفس، الشعور بالعجز والانهزام، العزلة والشعور بالوحدة في العالم، فقدان الدوافع، النظرة السلبية للأمور وعدم الشعور بالرضا.
مؤشرات سلوكية: مثل الانسحاب من المسؤوليات، المماطلة واستغراق وقت أطول لإنجاز المهام، إخراج إحباطك على الآخرين، التغيب عن العمل أو الوصول في وقت متأخر وتركه في وقت مبكر.
ويمكننا تصنيف بعض الأسباب التي تساهم في زيادة قابلية شخص للإصابة بالاحتراق النفسي في ثلاثة تصنيفات:
1-أسباب متعلقة بالعمل: مثل الشعور بفقدان السيطرة على مهام العمل، وعدم الشعور بالتقدير على العمل الجيد، توقعات العمل غير واضحة أو مفرطة الطلب، القيام بالأعمال الرتيبة أو غير المجدية، العمل في بيئة فوضوية أو عالية الضغط.
2-أسباب تتعلق بنمط الحياة: مثل العمل كثيرا بدون الحصول على قسط كافٍ من الراحة وقضاء وقت كافٍ مع الأصدقاء أو الأهل، افتقاد العلاقات الداعمة الوثيقة، القيام بمهام ومسؤوليات متعددة دون الحصول على مساعدة كافية من الآخرين، عدم الحصول على ساعات نوم كافية. 3-أسباب 3-3-تتعلق بالسمات الشخصية: مثل النزعة المثالية حيث يبدو كل شيء غير جيد بما يكفي، تكوين وجهات نظر متشائمة عن النفس والعالم، الحاجة إلى السيطرة، التردد في تفويض الآخرين.
كيف نتعامل مع الاحتراق النفسي؟
طُرح ذلك السؤال على المشاركين في مركز “Great-West Life” للصحة النفسية بشأن التعافي من الاحتراق النفسي، حيث كان جميع المشاركين قد تعرضوا لتجربة الاحتراق النفسي، فما تلك الاستراتيجيات التي ساعدتهم على التعافي؟
استغرق التعافي عند معظمهم من 6 أسابيع إلى سنتين، بمتوسط 6 إلى 9 أشهر، ويصف معظمهم التعافي على أنه رحلة تستمر مدى الحياة، استفاد العديد من الأشخاص من العلاج النفسي عن طريق التحدث، كما قام معظمهم بتغييرات كبيرة في أنماط حياتهم مثل كيفية الاعتناء بأنفسهم، وآلية التفكير، وكيف ينفذون أعمالهم بسلاسة، وتحسين التفاعل في العلاقات الإنسانية.
وهذه بعض استراتيجياتهم في تحقيق التعافي:
تحسين استراتيجيات العناية بالذات مثل: تقليل تناول الكافيين والكحول، تطوير خطة للتغذية الصحية، ممارسة التمارين الرياضية، قضاء بعض الوقت في الطبيعة، ممارسة بعض الهوايات الإبداعية مثل الرسم أو الأعمال اليدوية.
مع تغيير بعض أنماط التفكير والحياة مثل: التركيز على الإنجازات اليومية، تجنب نقد الذات دون داع، الحفاظ على نظام ونظافة بيئة العمل الخاصة، إنشاء مساحة في المنزل توفر لك الشعور بالراحة والسلام النفسي، اكتب قائمة امتنان يومية تساعدك على التركيز على الإيجابيات الموجودة في حياتك، ولا تنس العناية بروحك من خلال أداء الصلوات وممارسة التأمل.
كذلك تغيير الطريقة التي تنظر وتفعل من خلالها مهام عملك مثل: تجنب أداء المهام المتعددة والتركيز على مهمة واحدة في المرة الواحدة، تقسيم المشاريع الكبيرة إلى مهام صغيرة يسهل تنفيذها، تجنب قضاء وقت زائد بعد انتهاء أوقات العمل، الحصول على استراحات قصيرة خلال أوقات العمل، تجنب الاتصال بالعمل في الإجازات.
وأخيرا تحسين العلاقات الاجتماعية: من خلال الحرص على إنشاء حدود لنفسك مثل ما ترغب أن تفعله أو ما لا تود فعله، تعلّم أن تقول براحة: “لا أعرف”، وفّر وقتا أكثر لمقابلة الأهل والأصدقاء.
عزيزي القارئ: لا تستهن أبداً بحالة جسدك النفسية ولا تتردد في سماع الإنذارات التي يطلقها عقلك وتأكدها روحك أن هناك خللاً قد أصاب جهازك النفسي، فهو شيء لا يستهان به وألمه لا ينقص عن أي ألم جسدي آخر.
#سفيربرس بقلم: الأستاذة . غالية اسعّيد