كتب الإعلامي عدي سلطان … رسالة إلى مجلس الوزراء
#سفيربرس

لست أدري ما الذي دفعني لكتابة هذه الرسالة إليكم… أهو الإحباط الذي أثقل كاهل الكثيرين من أبناء الوطن .. أم هما التطوران الاقتصاديان السلبيان اللذين يشهدهما بلدنا الحبيب، الأول: متعلق بالتراجع الهائل لمستوى النمو الاقتصادي الذ أصبح مسلسلاً مكسيكياً مملاً في حلقاته التي طال أمدها، وثانيها كورونا وما سيتبعه من عواقب اقتصادية تحتاج لاستراتيجية جدية دقيقة (فوق العادة) بعيداً عن الأزمة والعقوبات ومتطلبات الصمود التي صرت أسمعها في منامي ..
هذه المرة لن أكتب كإعلامي …وإنما كباحث في الاقتصاد المالي والنقدي، وكي أخرج عن منطق التنظير لمن يحاول أن يتهمني بالتنظير، فإنني أجيبه سلفاً بأن لدينا ما يمكن أن نقدمه كباحثين وأكاديميين في الجامعات -ولنا ثقة بها وبقوتها- من استراتيجيات وخطط عمل واضحة لحل مشكلاتنا الاقتصادية، مع آليات دقيقة وجداول زمنية للتنفيذ، هذا لمن يريد قطع الطريق، وسنقدمها حالما طلبت منا.
أول ما أود أن أسأل مجلسكم الكريم، ما هو شكل اقتصادنا السوري؟؟
أجل.. ما هو شكل اقتصادنا ..حتى نعرف أين نضع أقدامنا ..وليس عيباً أن نعترف أن اقتصادنا أصبح اقتصاداً رأسمالياً بامتياز، تكون فيه اللعبة للسوق، لكن يا ليته كذلك، بل مع إضافة أخرى، وهي سيطرة طبقة من محثي النعمة الذين أضافوا نكهة خاصة من العفونة إلى قساوة هذا الشكل من أشكال الاقتصاد.
وأود أن أقول لكم بأنه لم ولن ولم تتبع دولة في العالم على مر التاريخ (اقتصاد الخلطة)، حيث تتدخل الدولة هنا، ولا تتدخل هناك في الاقتصاد.
لعل الإجابة على هذا السؤال من مجلسكم الموقر، ستساعدنا في إزالة الغشاوة التي تلف المشهد الاقتصادي الذي يلعب بنا كموج المحيط الهائج، فلا رقابة تردع، ولا ضمير ينفع!!
قد يقول قائل إن الوباء العالمي الذي يمر به العالم قد اثر سلباً على القطاعات الاقتصادية، نعم ..صحيح
لكن هذا الوباء كان له فوائد كثيرة، فقد بين مدى قدرة مؤسساتنا على التعامل مع مثل هذا النوع من الكوارث، إضافة للخلل الشديد في العديد من القطاعات الحيوية الهامة .. وأقصد (الأساسية)..
لو استعرضنا عدد القرارات والتعاميم والإجراءات التي صدرت خلال الفترة القليلة الماضية، لنعرف إن كانت ناجعة أما لا، لوجدنا ما يلي:
– غياب واضح لسياسات التسعير في الأسواق، أما الرقابة فحدث ولا حرج، وهنا أود أن أشير إلى أن كثرة الاجتماعات والتعاميم والقرارات التي لا تسمن ولا تغني من جوع، أضحى لدى تجار الأزمات (مناعة) منها، كالمضادات الحيوية التي تعتاد عليه الفيروسات فلا يعود لها أي نفع، ومثال بسيط لسيادتكم: ما الذي يفسر فرق السعر بين سلعتين متماثلتين بنفس تاريخ الإنتاج، المحل الأول يبيعها ب 2700 ليرة والثاني يبيعها ب 1500، ماذا يجري بحق السماء ؟؟؟!!!
– المؤسسة السورية للتجارة، أظن مجلسكم الكريم على اطلاع واضح بما يجري كل صباح من تدافع وتزاحم بين المواطنين (كرمال كيلو سكر وجرة زيت…إلخ)، ولا زال المواطنون ينتظرون فرجاً من السماء، أنا مقتنع بهذا الإجراء الذكي وبطاقته التي لم أحصل عليها حتى الآن، ولكن هل أقنعتم ملايين المواطنين بأن هذه البطاقة قد أسهمت في الحل، أم زادت الطين بلة، بل ربما ستجعل كورونا لعنة اللعنات .. لا سمح الله!
– دوام بالحد الأدنى!! وتعطيل المؤسسات العامة صباحاً، وسؤالي هنا، إذا أجريتم مقارنة بسيطة بما يشهده سوق باب سريجة لوحده، لعادل ضعفي ما تشهده كل مؤسساتنا العامة من ازدحام، فهل يستثني كورونا باب سريجة، ويذهب فقط إلى مؤسساتنا؟؟؟، ولست أفهم إن كان هذا الفيروس اللعين قد اخذ من جنس الخفاش، فيغيب في النهار، ويظهر في الليل.
– أخشى ما أخشاه أن يشكل هذا الفيروس اللعين فرصة لضعاف النفوس والفاسدين، لتمرير عقود تهدر المال العام (تحت بند الضرورة)، وهنا نكون في وباء آخر لا يقل خطورة عن كورونا بحد ذاته.
– لا أحد في سورية كلها ضد “الإجراءات الاحترازية”، وأتمنى من الله أنها ستجدي نفعاً، لكن علينا التفكير منذ اللحظة بما بعد كورونا، بتعويض الفاقد التعليمي لأبنائنا، وضرورة سد العجز الذي سيحصل في الموازنة العامة للدولة، والضرر الاقتصادي للقطاعات التنموية، وعلاج الصدمات العنيفة التي يتعرض لها ذوو الدخل المحدود، وعلاج البطالة التي أصبحت شبحاً يلاحق الفقراء.
– الحديث يطول لمجلسكم الموقر، لكنني أود أن اشير على نقطة أخيرة، وهي أن العلاقة بين السلطتين الثانية والرابعة، هي دائماً في تنازع، أقصد هنا السلطة التنفيذية والإعلام، وهذا من طبيعة عملهما، ويثور الاستغراب الشديد عندما يكون هناك غزل بينهما، (يعني لا تزعلوا من النقد الإعلامي إن حصل)، ولو أن هذا الموضوع يحتاج لمجلدات من الكتابة، فعندما تمر في ذهني كلمة “إعلام”، أشعر بالخجل، ولست أظن الوقت مناسباً لفتح هذا الموضوع، لأنني سأحتاج الكثير من حبوب البانادول (إكسترا)، وبصراحة ما بدي وجع راس، وميزانيتي لا تسمح بشراء الكثير منها.
– اعذروني إن أطلت في رسالتي ، لكن الحديث ذو شجون، فقد أنسانا الفيروس اللعين، أحلامنا الوردية في مكافحة الفساد والمحسوبية، وتحسين الإدارة العامة، والحكومة الالكترونية، واقتصاد المعرفة، على الأقل كنا نتحدث عنها كأحلام !!
أذكر مجلسكم الكريم بقول قائد الوطن: ” الشعب بجميع فئاته صبر وضحى، وفي المقدمة القوات المسلحة وكل من وقف معها، ومن حق كل من صبر وقدم أن يرى نتائج هذا الصبر، فهؤلاء ضحوا من أجل ثمن كبير هو الوطن الأفضل، ومن حق هؤلاء أن يروا الأفضل، ومن واجبنا أن نجعلهم يروا هذه النتائج وفي مقدمتها مكافحة الفساد ”
#سفيربرس بقلم: عدي سلطان
إعلامي وباحث الاقتصادي
دمشق – 8-4-2020