إعلان
إعلان

حلم السلطنة وعقدة لوزان ـ بقلم : فراس علي

#سفيربرس

إعلان

بعد الهزيمة التي طالت دول المحور في الحرب العالمية الأولى فرض الحلفاء معاهدة سيفر 1920 على الأتراك والتي وقعها محمد السادس أخر السلاطين، لكن حكومة أنقرة بقيادة مصطفى كمال رفضوا هذه الاتفاقية المذلة التي تضمنت شروطاً قاسية ومجحفة بحق الدولة العثمانية، إذ أُجبرت على التخلي عن جميع أراضيها التي يقطنها غير الناطقين بالتركية إضافة إلى استيلاء قوات الحلفاء على مساحات واسعة من الأراضي التركية. فشنت حكومة أنقرة حرب استقلال حتى عام 1922 وأسفرت الانتصارات التي حققها الجيش التركي إلى تخلي الحلفاء عن معاهدة سيفر والتفاوض من جديد في مدينة لوزان السويسرية، وبعد أشهر من التفاوض تم التوصل إلى اتفاقية جديدة هي لوزان الثانية 24/7/1923 (تمييزاً لها عن معاهدة لوزان الأولى بين إيطاليا والدولة العثمانية 1912).

المعاهدة موقعة بين تركيا من جهة وكل من بريطانيا فرنسا إيطاليا اليابان اليونان رومانيا بلغاريا البرتغال بلجيكا يوغسلافيا من جهة أخرى، تضمنت المعاهدة 143 مادة موزعة على 17 وثيقة قانونية، ألغت الخلافة العثمانية رسمياً ودشنت قيام جمهورية تركيا كما حددت أهم ترتيبات الصلح بين الأطراف الموقعة على المعاهدة وإجراءات إعادة تأسيس العلاقات الدبلوماسية فيما بينها وفق القانون الدولي.
ويمكن تلخيص أهم النقاط في المعاهدة بما يلي:[1]

  • ترتيبات الصلح بين الأطراف الموقعة على المعاهدة وإعادة تأسيس العلاقات الدبلوماسية بينها وفق المبادئ العامة للقانون الدولي.
  • وضعت قوانين لاستخدام المضائق المائية التركية وقواعد المرور والملاحة فيها زمن الحرب والسلم، وشروط الإقامة والتجارة والقضاء في تركيا، وإعادة النظر بوضعية الدولة العثمانية ومآل الأراضي التي كانت تابعة لها قبل هزيمتها في الحرب العالمية الأولى.
  • إبطال معاهدة سيفر وبنودها المجحفة بحق الدولة العثمانية والتأسيس للجمهورية التركية العلمانية بعد إلغاء نظام الخلافة.
  • ترسيم حدود اليونان وبلغاريا مع تركيا التي حافظت على ضم إسطنبول وتراقيا الشرقية (الجزء الأوروبي من تركيا).
  • تبادل السكان بين اليونان وتركيا، وتقسيط ديون الدولة العثمانية.
  • تحديد أوضاع الجزر والحدود في بحر إيجة والتخلي عن السيادة على قبرص.
  • تخلت تركيا رسمياً عن الجغرافية العربية التي كانت تحتلها، وعن حقوقها السياسية والمالية والامتيازات في مصر والسودان وليبيا، وإدراج بنود اتفاقية أنقرة 1921 الموقعة بين تركيا وفرنسا المنتدبة على سوريا ضمن معاهدة لوزان (اتفاقية انقرة التي سلخت الولايات الشمالية من سوريا وإعطائها لتركيا).
  • استقلال الجمهورية التركية وحماية الأقليات العرقية والدينية، ومنع إقامة دولة كردية كما جاء في معاهدة سيفر.
  • إحالة ملف الموصل إلى عصبة الأمم.

يرى الكثير من الأتراك وعلى رأسهم أردوغان أن معاهدة لوزان مجحفة بحقهم ويتطلعون إلى التخلص من كل الآثار السلبية لهذه الاتفاقية وتتزايد هذه المشاعر مع اقتراب مرور مئة عام على الاتفاقية بحلول عام 2023.

الحديث عن تركيا 2023 بدأ عام 2011 عندما أعلن أردوغان ما أسماه رؤية 2023 والتي تتزامن مع مرور مئة عام على توقيع معاهدة لوزان، ومنذ هذا التاريخ بدأ الحديث التركي العلني عن الأطماع في الأراضي العربية ودول الجوار العربي والأوروبي وخاصة مع موجة ما سمي الربيع العربي وخصصت تركيا بنداً في ميزانيتها لمحافظة الموصل والتي يطلق عليها الليرة الموصلية تمهيداً لعودة الموصل وكركوك لتبعيتها.

في كلمته أمام اجتماع المخاتير 2016 انتقد أردوغان معاهدة لوزان مطالباً بمراجعة الاتفاقية ، وقال أردوغان “إن خصوم تركيا أجبروها على توقيع معاهدة سيفر 1920 وتوقيع معاهدة لوزان 1923، لقد سلمنا جزراً قريبة منا إلى حد أننا لو نادينا على سكانها من أراضينا لسمعونا، والعجيب أنها صورت على أنها انتصار للجمهورية التركية”
وقال “لقد هددونا بمعاهدة سفر وأقنعونا بقبول لوزان هددونا بالموت لنقبل العاهة، نحن لازلنا نناضل من أجل الاتفاق على حدودنا البحرية وحتى مجالنا الجوي وأراضينا، ذلك لأن من مثلوا تركيا في لوزان ظلمونا ونحن نحصد ما فعلوه الآن”. وطبعاً هذه التصريحات من الطبيعي أن تثير حفيظة اليونان بشكل خاص.
وقال أردوغان حين كان في زيارة إلى اليونان 2017 إن معاهدة لوزان تحتاج إلى تحديث كما أشار إلى أن لتركيا مساجد ومقدسات في اليونان.
وقد أظهر مقطع فيديو أردوغان وهو يتحدث عن أحلامه بالعودة إلى احتلال دول الشرق الأوسط التي كانت تحت الاحتلال العثماني بقوله “إنه يوجد هناك (في تلك الدول) الكثيرون الذين ينتظرون عودتنا منذ 100 عام”.

الآلة الإعلامية لأردوغان نسجت شبكة من الأوهام حول معاهدة لوزان

  • الغرب يريد اسقاط تركيا قبل 2023 وهذا سبب الانقلاب 2016
  • كمال أتاتورك الذي أسس الجمهورية التركية الحديثة بعد اسقاطه الخلافة العثمانية تنازل عن أملاك الإمبراطورية العثمانية في ثلاث قارات بموجب معاهدة لوزان وتنتهي هذه المعاهدة في عام 2023
  • تم إبرام المعاهدة مع الحلفاء المنتصرين في الحرب العالمية الأولى الذين كانوا لا يزالون يحتلون أجزاء كبيرة من تركيا
  • معاهدة لوزان تمنع تركيا من التنقيب عن النفط وتحصيل رسوم للمضائق
  • سينتهي العمل بهذه المعاهدة 2023 ويكون قد مر عليها مئة عام ومن هنا تصريحات أردوغان المتتالية بأنه بحلول 2023 ستنتهي تركيا القديمة ولن يكون منها شيء وستسرع تركيا في التنقيب عن النفط وحفر قناة مائية جديدة تربط بين البحرين الأسود ومرمرة تمهيداً للبدء بتحصيل الرسوم من السفن المارة.

تم التركيز على أكذوبة أن معاهدة لوزان تنتهي بعد مئة عام وبالتالي يحق لتركيا استرداد كل الأراضي التي فقدتها بموجب المعاهدة. إن معاهدة لوزان مثل أي معاهدة دولية أخرى هي أبدية ما لم تتضمن بنداً يحدد صلاحيتها، ومعاهدة لوزان ليس فيها تاريخ انتهاء صلاحية، كما أنه لا يوجد في القانون الدولي ما يحدد عمر المعاهدات بمئة سنة.

مقولة أن معاهدة لوزان تمنع تركيا من التنقيب على النفط تتنافى تماماً مع الحقيقة فتركيا يوجد بها حقول نفط كما أنه في عام 2014 تناقلت وسائل الإعلام التركية خبراً عنوانه اكتشاف حقول نفط جديدة جنوب شرق تركيا ليصل عدد الحقول إلى 14، كما أنهم وصفوا عام 2015 بأنه العام الذهبي للبترول في تركيا، إذاً لا يوجد ما يمنعهم من التنقيب عن النفط براً وبحراً إلا أن تركيا لا تمتلك حقول نفط في البحر.

أما بالنسبة للمضائق فإن معاهدة (مونترو) حول نظام المضائق 1936 التي كانت مكملة لمعاهدة لوزان أعطت تركيا السيطرة والإدارة الكاملة على المضائق وتنظيم انتقال السفن وسمحت لتركيا بإعادة تسليح المضائق بعد أن كانت منزوعة السلاح، وما يؤكد سيطرة تركيا على المضائق هو الخبر الذي نشر عام 2011 القائل بأن تركيا تدرس زيادة الرسوم على النقل البحري في مضيق البوسفور والخبر نشرته وكالة الأنباء الكويتية الرسمية.

مع بداية ما سمي الربيع العربي كان لأردوغان دوراً أساسياً في الخراب الذي حل بسوريا والعراق، من خلال فتح حدود تركيا لآلاف الإرهابيين والمرتزقة للعبور إلى هذين البلدين وتوفير كل وسائل الدعم لهم، كما حاول مد يده باتجاه مصر وتونس وليبيا من خلال دعم جماعة الإخوان المسلمين والجماعات الإرهابية الأخرى كي يتمكن من تحقيق حلمه السلطاني واستعادة الدولة العثمانية.
قادة حزب العدالة والتنمية كانوا يتحدثون علناً عن ضرورة إحياء الدولة العثمانية ولم يخفوا أطماعهم بشمال سوريا والعراق ويعتبرونها جزءاً من الدولة العثمانية، لذلك كان انخراط تركيا في تدمير الدول العربية جزء أساسي من هذا المخطط والذي مازالت تعمل على تحقيقه ولم تجد حرجاً في التعامل مع جماعات إرهابية مثل جبهة النصرة وغيرها حتى أنها دفعت بقواتها العسكرية داخل الأراضي السورية والعراقية وأقامت قواعد عسكرية ثابتة تتولى إدارة هذه الجماعات وتوجيهها.

تركيا تحاول العودة إلى الأراضي والمناطق التي انسحبت منها منذ توقيع معاهدة لوزان من خلال دفع قواتها بالإضافة إلى مرتزقتها عبر عمليات عسكرية أو اتفاقيات نشر قوات، فالقوات التركية موجودة في منطقة بعشيقة شمال الموصل منذ 2015، وفي سوريا من خلال عمليات درع الفرات 2017 وغصن الزيتون 2018 ونبع السلام 2019 بالإضافة إلى التواجد الحالي في إدلب، وحجة أردوغان لهذه التدخلات أمام الرأي العام التركي وحتى الخارجي أيضاً هي محاربة الإرهاب وحماية الأمن القومي التركي، لكن الحقيقة أن هذه الأراضي إرث عثماني أو أملاك عثمانية ولديه صك الملكية. ففي تقرير لوكالة الأناضول التركية تحدثت عن أن الأرشيف الرسمي يحتفظ بعشرات الآلاف من الوثائق عما أسمته بأملاك أصلية تعود لفترة الحكم العثماني في الموصل وكركوك وإدلب وحلب والرقة، فيما ذهبت مجلة جرتشيك حيات التابعة لمجموعة يني شفق التركية للقول إن تركيا لديها صك ملكية الشرق الأوسط. وإلى أبعد من ذلك فإن الاستخبارات التركية تخطط لتدخل واسع في اليمن تحت غطاء جمعية إنسانية غير حكومية بحسب ما جاء في موقع انتيلجينس أونلاين20/6/2020.
إذا كانت تركيا ترى أن من حقها المطالبة بالعودة إلى هذه المناطق بناءً على وثائق عمرها مئات السنين والتي لا يعترف بها القانون الدولي ولدولة لم تعد موجودة (الدولة العثمانية) فأولى أن تقوم أوروبا باحتلال تركيا والعودة إليها وإخراج الأتراك الذين احتلوها وأخرجوا البيزنطيين منها حين كانت تسمى بيزنطة ويعودون إلى أواسط أسيا التي جاءوا منها.

أما بالنسبة إلى توجه أردوغان إلى ليبيا، يقول أردوغان في كلمة له 1/2020 “إن البعض يرى ليبيا بعيدة عن تركيا لكنها بالنسبة لنا ليست كذلك، لقد كانت ليبيا جزء من الدولة العثمانية ولا يمكن أن ندير ظهرنا لمطلب مساعدة إخوتنا هناك، إن الانقلابي حفتر يريد أن يقضي على بقية الدولة العثمانية هناك قبيلة (كور أوغلو) ووظيفتنا أن نحمي أحفاد أجدادنا هناك”. وقد قال أيضاً بعد عودته من زيارة إلى تونس “ليبيا أمانة عثمانية”.

فتحرك أردوغان باتجاه ليبيا يأتي في إطار إحياء حلمه العثماني وبسط نفوذه في شمال أفريقيا على غرار تغلغله في سورية والعراق من خلال دعم مشروع الإخوان المسلمين في ليبيا (حكومة السراج). إضافة إلى رغبة أنقرة التواجد على الحدود الغربية لمصر ومزاحمتها على زعامة المنطقة خاصة بعد الموقف المعادي الذي اتخذته تركيا من مصر بعد ثورة 2013 التي أطاحت بنظام مرسي الإخواني المدعوم تركياً.
بالإضافة إلى ذلك يمكن القول إن التحالف التركي الليبي جاء رداً على اتفاقية شرق المتوسط المعروفة باسم (ايست ميد) بين اليونان وقبرص والكيان الإسرائيلي التي تهدف إلى تأمين إمدادات الغاز إلى أوروبا عبر خط أنابيب يبلغ طوله 2000 كم.
إضافةً إلى الأطماع والمصالح الاقتصادية التي ستحققها أنقرة، فالاستثمارات التركية في ليبيا تعود إلى سبعينيات القرن الماضي ونتيجة الإطاحة بنظام الراحل معمر القذافي والأحداث اللاحقة توقفت هذه الاستثمارات، فتركيا تعاني أزمة اقتصادية تريد حلها من خلال مشاركتها في مشاريع إعادة الإعمار واستثمارات مستقبلية أخرى والحفاظ على الشركات التركية في ليبيا وإعادة تشغيل المشاريع المتوقفة. فضلاً عن إمداد ليبيا بالسلاح متجاوزة قرار مجلس الأمن 1970 لعام 2011 الذي يحظر بيع أو توريد الأسلحة إلى ليبيا، كذلك تسعى تركيا إلى توفير مواردها من الطاقة.
ويمكن القول إن من بين أسباب تحالف أردوغان مع السراج هو التقارب الروسي مع حفتر وذلك بتشجيع أمريكا وبريطانيا وعقدة الغرب من روسيا وعدم الصدام المباشر مع روسيا. فتركيا في هذه الحالة دولة وظيفية يستخدمها المعسكر الغربي.

نهايةً يمكن التوصل إلى نتيجة مفادها أن معاهدة لوزان ليست سوى حجة أو شماعة ليبرر من خلالها أردوغان تدخلاته في المنطقة لتحقيق حلمه الشخصي السلطاني باستذكار الحكم العثماني في سوريا والعراق وليبيا وحتى الجزير العربية، وتحقيق حلمه الإخواني بتزعم العالم الإسلامي واستعادة الخلافة الإسلامية كما كانت الدولة العثمانية منازعاً بذلك السعودية.

فعقدة لوزان ليست عقدة للشعب التركي أو الرأي العام التركي بل هي عقدة أردوغان نفسه الذي يحاول جعلها عقدة لتركيا ككل لشحن الوعي التركي بذلك لتقويته حين يطالب رسمياً بإعادة النظر في بنود المعاهدة وضم المناطق التي احتلها إلى حدود الدولة التركية، فالتحدث عن لوزان وبنودها المجحفة وأن حدود لوزان ثقيلة على تركيا هي تبريرات فقط لضم الأراضي.

إن تركيا أردوغان تستغل الأوضاع العربية الراهنة وحالة الضعف والوهن والتخبط التي تصيب الجسد العربي لتحقيق أطماعها ومصالحها وهو أمر مؤقت لن يدوم.

#سفيربرس ـ ـ بقلم : فراس علي

إعلان
إعلان

رئيس التحرير

محمود أحمد الجدوع: رئيس تحرير صحيفة سفير برس. صحيفة سورية إلكترونية، يديرها ويحررها فريق متطوع يضم نخبة من المثقفين العاملين في مجال الإعلام على مختلف أطيافه, وعلى امتداد مساحة الوطن العربي والعالم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *