الطفولة المعذّبة ـ بقلم :الصحفية بتول حج موسى
#سفيربرس

وأنا في زيارتي إلى مركز قرى الأيتام وضمن نشاط كنت اقوم به مع الأطفال أردت أن التقط صورة معهم فلفت نظري طفلٌ لم تحتويه معاني الطفولة السعيدة بشيء، طفل ..فتكت الحرب برائته وقتلت طفولته في مهدها .. يحب الحياة بقوة ويكرهها بعنف ويحزن بشدة ولايزال يتسائل ماهو الفرح ؟منتظراً ذلك الليل المختلف عن ليالي الدنيا ليأتي اليه بوجهٍ اخر مليئ بالأحلام البيضاء كبياض ثوبه الذي أحاكته له أمه ودنسه غبار الحرب بدم القتل والدمار.
محمد ..الطفل الوحيد في مجتمع يفوق الآلاف من البشر، لكن مَن منَّا يا تُرى يشعر به في أعماقه ويغتّم لها ويتكدّر؟ إننا بكلّ أسفٍ لا نستطيع أن ندرك حجم هذا الالم .. انه مدرك تماما أن قاع الالم والحرمان قد تغمده منذ الصغر حتى فقد جميع ما يملكونه الاطفال وهو الابتسامة المشاغبة البريئة، حتى أنه لم يركض ليتصور معنا كما فعل رفاقه الايتام فتسائلت في نفسي وذهبت أبحث عن الإجابة التي وجدتها مكتوبة على جبينه ويلمع أثرها في قلبي مع لمعة عينيه التي أبدتها خطوط اشعة الشمس وهو ينظر الي وجسدي يخطو اليه وكأنه ينادي انظروا الي من بعيد انا ذلك الحزن الذي عبّرت عنه جميع الاحزان في الحياة وأراد مسكناً في ذاتي ،فقلت له: تعال يامحمد لتأخذ معنا صورة جميلة ألم تحبني ..انا أحببتك على الفور!!!
اذنه الفت جميع اصواتنا ونحن نناديه “تعال يا محمد وتصور معنا” ولكن محمد اصطبغت حواسه مع قلبه الصغير بالحزن والبؤس وكأنما يقول لنا ” يكفي نداء انني كبرت كثيرا” لقد أدرك قلبي حجم ندائه الذي تجاوز حدود مسامعي فسألته: يا محمد مابك لاتلعب معنا ولاتسارع الينا إن صمتك لم يعجبني حدثني ؟؟ فقال لي: لقد رحلت عائلتي إلى السماء ولم يأخذاني معهم وبقيت وحيداً ..دمعت عيناي وحدثت نفسي كثيراً عنه وأجبتها:
محمد.. لم يكبر ابدا ولكن قاع الحزن كبر في داخله لم تكن في يده مجرفة أو معول ليخرج منه فاتخذ من يديه مخلبًا ليحاول الخروج، وظل يكابد ويقاسي حتى شقّ تجويفين في ناحيتي القاع الحالك ليضع عليهما قدميه، ويخرج رغم الظلمات التي توالت عليه واحاطت به بفقده والده وموت والدته واخوته ..
تمنيت لو أني استطيع اعادة صياغة ذلك القاع الحالك قصرا جميلا بأسلوب تخطه الحياة رفقاً وسلاماً وفرحاً له ولكن للأسف تلك الحرب عندما قتلت عائلته كانت تنظر اليه نظرة وحشية أشبه بنظرة جندي يهودي اسرائيلي وجعلت عيناه تطفح برعبٍ تارةً وألمٍ تارة اخرى
أكد لي عقل محمد أنه كان يختزن الكثير من صور الفرح والضحكات الناعمة كالفراشة ،الكثير من اللعب والحركة والسخط والغضب التي رآها امامه عندما رفاقه كانت تلعب ولكن لم تمنحه الحياة فرصةً ليعيش شيئاً منها على هذه الارض التي تجمدت تحت قدميه وجعلت جسده النحيل بارداً.. هي الحرب تشعل نارها حقدا بدل أن تعطي الأطفال دفئاً و محمد كان من ضحاياها ،الطفل البريء الذي جعله قاعه المظلم يعيش طفولته بلعبةٍ من حرب قذرة بدل ان يلعب بلعبته التي أهدته اياها امه في ميلاده المقتول .
#سفيربرس ـ بقلم : الصحفية بتول حج موسى