دخول أشباه المعلمين لميدان التعليم أدى إلى تخريج أشباه المتعلمين من طلابنا وأفقد المهنة هيبتها. بقلم : فتون الصعيدي
#سفيربرس

إن التعليم رسالة وليس مجرد مهنة، ومن خلال هذه الرسالة يعي المعلم دوره ويتحرك بدافع ذاتي فهو المعلم المعطاء، الذي يشبه الشمعة التي تحرق نفسها لتنير الدرب لغيرها، وزمان كان للمعلم هيبته واحترامه، حيث كان التعليم كمهنة لها اعتبارها وهي لاتقل مكانةً اجتماعيةً عن الطب وغيره من المهن ذات الاعتبار والشأن حاليًا، فكانت حلم الطلاب وكان بالمقابل لها معايير تتناسب مع مستوى المجتمع التعليمي والثقافي، أما في عصرنا الحالي هل يعقل أن يمارس التعليم مثلًا من يحمل شهادة بكالوريا؟ فما قيمتها الأكاديمية في عصر تفجر المعلومات والثورة المعلوماتية، وماخبرة خريجيها الحديثين بالتدريس ؟ إن خريج التربية اختصاص معلم صف يحتاج إلى المزيد من التأهيل والتدريب فما بالكم بغيره؟
صدفت من سنتين فتاة في إحدى المدارس لم تتجاوز ال ١٩ عام تُدّرس طلاب الصف الخامس بحجة عدم توفر كوادر!
للأسف مهنة التعليم الآن لم تعد حلم الأجيال، ولا طموح الأكفاء، ولا غاية المتعلمين، فقدت بريقها وزهد الناس فيها وقل الانتماء إليها.
إن شعور المعلمين بالدونية أفقدهم انتماءهم للمهنة وانعكس على أدائهم، فهم يرون أنها لم تعد حكرًا على الصفوة أو خريجي الاختصاص بل مرتعًا ووظيفة لكل عاطل ولكل متكاسل عن إكمال تعليمه فكيف يعيش المعلمون الأكفاء في بيئة غير صحية أصبحوا فيها كالغرباء.
فلقد ساهمت مسابقات التعيين السابقة بوظيفة معلم من الفئة الثانية، لحملة الشهادة الثانوية العامة أو ما يعادلها في دخول غير المؤهلين للمهنة،
أيضا ما أفقد المهنة هيبتها هو بعض الإدارات المدرسية الأنانية وعدم تغييرها لإعطاء الفرص لكفاءات أكثر تعاونًا وتواضعًا وأنشط باستلام الإدارة، إضافة لضعف الراتب والعدد الكبير للطلاب في الصفوف مع عدم تحديد العلاقة بين المعلم والطالب عبر قوانين صريحة، وتعلم استخدام أساليب العقاب التربوية الحديثة، حتى إن ضعف تأهيل بعض المعلمين تربويًا أدى إلى عدم فهمهم لأسباب منع تعنيف الطالب ولعدم فهمهم قرار منع التمييز بين الطلاب فأصبحوا يرونها إجحافًا في حقهم وتقييدًا لدورهم وسلبًا لميزاتهم فاسمعوا قول إحدى المعلمات في هذا الصدد: حتى ابناءنا لاتريدون أن نميزهم عن ابناءكم ماذا تركتم لنا؟!
وهذا القول تردد كثيرًا للأسف ؛ المضحك المبكي ما سمعته من أقوال ومارأيته من تعليقات، بالمختصر … الجهل واتباع نهجٍ تقليدي ولأن هذه القرارات أيضًا لم تشرح لهم ولم تبين الأهداف التي وضعت من أجلها، ومن أهمها تغيير الفكر التقليدي الخاطئ البالي الذي أثبتت الدراسات التربوية والنفسية سلبيته، ونظرتهم القاصرة للتربية عندما اختاروا العنف أسلوبًا لهم في التوجيه، ولأنهم اعتادوا ان يكون ابن المعلم او المدير أو غيره من أبناء الأطر التعليمية مميز عن غيره من الطلاب دون أن يدركوا حجم التأثيرات السلبية الخطيرة لهذا التصرف، فاجتثاث هذا الفكر يحتاج بالفعل إلى قوة وإرادة، وبالمقابل من حق المعلم علينا أن نحترمه ونجله، مثلما من حق الطالب أن نحافظ عليه في البيئة المدرسية ونرعاه تربويًا ونفسيًا وجسديًا من أشباه المعلمين، ولا نسمح لأحد ــ حتى المعلم ــ أن يتعدى على طفولته أو ينتقص من إنسانيته، فإن أردنا أن نحدد العلاقة وفقا لهذا المبدأ فعلينا أن نبين للمعلمين الأسباب المبطنة لسن قوانين منع العنف والتمييز واستخدام الأساليب التربوية الصحيحة بهذا الشكل الذي يتذمرون منه الآن، وعلينا أن نشركهم في صياغتها، ونبين لهم أضرار العنف والتمييز على الأطفال وكيفية احترامهم وتقديس أدميتهم، وأن نعيد المكانة الاجتماعية لمهنة التعليم عن طريق توظيف المعلم الكفء المؤهل وعلى المعلم أن يبني ذاته بطريقة يحترم فيها مهنته، فإن فعلًا استطاع أن يفرض احترامه على طلابه، ظهرت القوانين جامدة بالنسبة له ولم يعد تبيان العلاقة وتوضيحها بالحاجة الملحة، هذه أهم الأسباب التي أراها قد أدت إلى قلة انتماء المعلم لمهنته وعدم ولائه للتدريس، وينبغي على الجهات المعنية دراستها بعناية واقتراح الحلول المناسبة حتى نعيد لمهنة المعلم هيبتها واحترامها ونعيد للمعلم حبه وانتماءه للمهنة وولاءه للمدرسة.
فدون المعلم الكفء تزداد عتمة المستقبل ودون التعليم السليم يصبح الواقع اليوم أكثر مرارة ودونه يتحول أطفالنا إما إلى جماعات واسعة من المستهلكين (عالات المجتمع) أو إلى مشاريع ريش في مهب الريح ويصبح الشاب أو الشابة عرضة للإحباط وانحطاط الأخلاق والقيم والجريمة والانتحار، انظروا إلى طلابنا ونظرتهم إلى المعلم و المدرسة و المواد الدراسية، انظروا إليهم في الباحات وأثناء الانصراف انتبهوا إلى العنف المتزايد، نريد أجيال مثقفة واعية فعالة لبناء الوطن، لانريد أجيال جاهلة فالجاهل عدو نفسه قبل أن يكون عدو مجتمعه أو عدو الآخر.
وبالنهاية بعد الظروف الصعبة التي مرت بها البلاد نقدر ونحترم كل شخص من المعنين بالتربية الذين يسعون للتحسين عبر حل المشكلات والتطوير والتحديث، الآن يكون النقد بناء لأننا نرى مدى الجدية في العمل للوصول إلى الأفضل ويعزز ذلك شعارنا الأمل بالعمل فلا يأس مع نوايا تصدقها الأفعال.
#سفيربرس _ بقلم : أ .فتون الصعيدي _ باحثة واخصائية تربوية