الماضي والشعور بالندم _ بقلم : د. غالية اسعيّد
#سفيربرس

لو بدأنا معركة بين الماضي والحاضر، فسوف نجد أننا خسرنا المستقبل..
مقولة استوقفتني بشدة عارمة لدرجة جعلتني أقف حائرة بين كلماتها، لما تحمل من كوكبة كبيرة من الأسئلة والحوارات المفتوحة التي قد لا تصلنا إلى النهاية.
فمن منا لم يغرق في مرحلة من مراحل حياته بين أمواج الماضي، وبقي فيها عالقاً متخبطاً وقتاً لا يستهان به، ومنا مازال إلى الآن لم يستطع الخروج، ومن خرج ناجياً بذاته كان لابد من ترك بعض الندبات على جدار روحه.
قد يكون ماضينا أطلق سرحنا بأقل الخسائر، وقد يكون قد راهن على غيرنا بكثير من العمر والأيام ومازال يشاركهم بها إلى الآن، ومنا من خرج بوسام الندم وبقي إلى الآن أسير ذاك الإحساس.
أنا لست أحد هؤلاء الأشخاص الذين يمكنهم القول بفخر أنهم لا يشعرون بالندم..
لا أبداً، لقد قمتُ أيضاً ببعض الخيارات السيئة في حياتي، وقد أكون نادمة على بعضها بعض تلك الأشياء يمكن أن نسامح أنفسنا عليها ونتركها، لكن هناك أشياء أخرى من الممكن أنها مازالت تعيش معنا لبقية حياتنا لأننا نتذكرها باستمرار في الوقت الحاضر وغالياً عندما تقرأ هذه السطور أيضاً.
كانت حقيقة واضحة لا عيب فيها بأن عُقد الماضي ليست إلا أعباء ثقيلة، يشق عليك حملها فوق ظهرك، فسارع في إخراجها من حقيبة سفرك وتخلص منها.
من منا لم يواجه صعوبة في التعامل مع ماضيه؟
من منا لم يقف حائراً في ساحات حياته بين ما كان وما هو الآن؟
من منا لم يدخل دوامة الأسف والاعتذار من ذاته بين ماضيه وحاضره؟
نحن نأسف على الأشياء التي فعلناها وعلى الأشياء التي لم نفعلها، نأسفُ على الفرص التي لم نستغلها وعلى مواقف جعلتنا نشعُر بالغباء، نأسفُ لعدم إخبار أحبائنا أننا أحببناهم قبل موتهم، ونأسفُ للوقت الذي أضعناه في العلاقات الخاطئة.
نحن نواجه صعوبة في التعامل مع الأسف لأنه يُشبه الاعتراف بأننا أخطأنا.
لدينا غالباً فكرة في رؤوسنا عن كيفية حدوث كل شيء، الأشياء التي كان يجبُ علينا القيام بها وكيف كان من الممكن أن تكون حياتنا مختلفة لو فعلنا ذلك فقط، نعتقد أنَّه كان علينا اختيار شريكٍ أفضل، والاهتمام بأنفسنا بشكلٍ أفضل، نعتقد أنه كان بإمكاننا القيام بعملٍ أفضل
فقط بعد اتخاذ منعطفٍ خاطئ والضياع، نفهم أنه كان يجب علينا الانتباه إلى العلامات نحن نأسفُ لخياراتنا لأننا لم نفعل ذلك بكل إخلاص، كنا منقسمين جزءٌ منا لم يكن واثقاً في قراراتنا، وجزء منا كان يخبرنا بأن الوجود الآن هو أفضل ما عليك فعله.
الندم ذاك المصطلح الذي يصبح معركة مع أصوات رأسك الداخلية، يأتيك الندم عندما لا تتخلى نفسك عن حقيقة أنك تجاهلت الإشارات ولم تنتبه، قد يستمر لساعات وأيام وسنوات حيث نعيدُ عرض السيناريوهات مراراً وتكراراً في رؤوسنا، وكيف كان يجب أن نتعامل مع الموقف بشكلٍ أفضل.
لهذا السبب، فإننا ننظر إلى الندم على أنه عاطفة سلبية وبالتالي حالة ذهنية سلبية، وبطريقة ما، إنها العيش في الماضي وهذه الحالة الذهنية لا تتماشى مع مفهوم اليقظة والوعي الذاتي.
لكن الندم هو طريقة عقولنا لإخبارنا بالتفكير في خياراتنا وإشارة إلى أن أيّ اختيار أو فعل خاطئ قد يؤدِي إلى عواقب سلبية وسيئة، دعنا لا ننكر أن الندم يساعدنا على اكتساب نظرة ثاقبة للمواقف، وتجنب الإجراءات السلبية المستقبلية، وفهم العالم بمنظور جديد، وكسر حاجز الماضي والخوف منه.
في بعض الأحيان يكون للأشياء التي فعلناها في الماضي عواقب، لكي تكون هناك نتيجة، يجب أن يكون هناك فعلٌ خاطئ، عندما تقول إنك لا تشعرُ بالندم ولكنك تتعايشُ مع عواقب أفعالك، يبدو الأمر كما لو كنت تقول إنك لا تهتم بما يحدث في حياتك.
إذا كنت لا تهتم برد الفعل، فمن المحتمل أن تكرر الإجراء ذاته.
التعايش مع النتيجة هو قبول العقوبة فقط حتى تتمكن من تجاوزها، وليس أن تصبح تلك العقوبة نمطاً ومنهجاً لحياتنا، إنه مثل قول آسف دون أن أشعُر بالأسف حقًا.
إن إعلان أننا لا نأسف ولا نتقبل عواقبنا لا يترك لنا مجالاً كبيراً للتعلم من أخطائنا
حدث الماضي، أصبح في الماضي وليس هناك ما يمكن فعلهُ الآن حيال ذلك، مواجهتك لماضيك والاعتراف به واحتضانه وقبوله والتعلم منه هي المرساة الوحيدة التي ستجعل سفينة حاضرك تطفو.
لن يكون للماضي أي قوة بعد الآن لأنك رأيته، لقد اعترفت بذلك وأنت تقرأ هذه السطور، أنت تعلم أنه هناك وانتهى، يبدو أنك تعلم الآن كيف تعيش مع الماضي لأنك بدأت تتفهمه.
وتذكر بأن ليس الماضي إلا كنزاً من المهارات والخبرات والتجارب، بدونها يتخبط الإنسان في الظلام.
#سفيربرس _ بقلم : الدكتورة : غالية اسعيّد