إعلان
إعلان

كتبت د فتون عبدالله الصعيدي: ماذا تجيب ابنك عندما يسألك لماذا ينبغي عليّ تعلم ودراسة كل هذه المعلومات في المدرسة؟

#سفيربرس

إعلان

اليوم لاحظت أثناء مذاكرة ابنتي – التي هي في الصف السادس – ودراستها للقصائد الشعرية وقواعد النحو علامات غضب وعدم ارتياح بادية على وجهها وبينما كنت أنظر إليها، فجأة صرخت: أمي لماذا يتوجب عليّ حفظ كل هذا ؟
ما الفائدة من التعب في حفظ كلمات قصيدة لن استخدمها ابداً في حياتي ؟
أما القواعد فلا يعنيني لماذا يُرفع الفاعل وينصب المفعول به، ولا زمن الفعل إن كان ماضٍ أو حاضر
كل هذا لا يهمني يا أمي ..
أجبتها بكل هدوء: إن لم نتعلم النحو يا ابنتي فكيف سنعرف كيف تتكون الجملة؟ انظري يا حبيبتي : نوعان للجملة ؛ أسمية وفعلية الأولى تتكون من مبتدأ وخبر والثانية فعل وفاعل
هذا أبسط مثال للقواعد، اختصر عليك نصف اللغة….
فإن كنتِ من أصحاب الموهبة في تأليف القصص كيف ستكتبينها بالشكل الصحيح؟ وكيف ستعرفين كيف تُكتب الجملة أصلاً ومن أين تبدأي؟
ردت علي بالقول: ولكنني لست من أصحاب الموهبة في تأليف القصص، أريد أن أصبح طبيبة، قلت لها ولكن غيرك المئات من الأطفال يملكون تلك المواهب وتعلمهم للقواعد يفتح لديهم موهبتهم ويضع أمامهم لبنات البناء الأساسية، وبالنسبة للشعر عندما يقرأون الكثير من القصائد سوف تتنمى لديهم ولديكِ الذائقة الشعرية
تمعني بالقصيدة التي بين يديكِ
شطران للبيت الشعري، ينتهي البيت الشعري بقافية تتكون من الحرفين الأخيرين من كل كلمة، نحن يا ابنتي إذا أردنا التعبير عن إعجابنا بشيء جميل ماذا نقول ؟ بكل بساطة
بالعامية “يا الله شو حلو”!
أما بالفصحى كم جميل هذا الشيء!
صمتت و علت على وجهها ابتسامة الرضا وقالت لي: سأحاول أن أؤلف بيت شعريّ، فألقت بكل سلاسة الشطر الأول ثم أردفت قراءة شطر أخر تقريباً موزون وله قافية.
وبعدها لاحظتُ أن مزاجها قد تغير ، وشغفها ازداد مما أعطاها حماس لإكمال ما بدأته ومللته من حفظ
ثم فكرت.. حوار قصير بيننا أحدث كل هذا التحول، لكن للأسف الكثير من طلابنا لا يعرف لماذا يتعلم وربما لا يبالي في ذلك، ولقد عانيت من هذا السؤال في سنوات دراستي الإبتدائية وما بعدها من مراحل دون تحديد أهداف تذكر، وكان من الصعب عليّ الربط بين ما أتعلمه وأهدافي في الحياة بطريقة صحيحة وسريعة.
لذا كان التساؤل لماذا ندرس و نتعلم؟ هو سؤال مهم في حياة أطفالنا، وذلك لأن الهدف المراد تحقيقه من التعلم سواء لهم، أو لمجتمعهم، أو لأهداف سامية أخرى كإعلاء قيمة الأمة، هو الذي سيعطيهم الدافع وسيحدد ويرفع من وسائل التمكين في رحلة التعلم لديهم، ورحلة الحياة.
يقول علماء النفس إن التعلم يحدث من خلال عملية ذهنية يتفاعل فيها الإدراك الحسي للأمور بالتوقعات مع الخبرة المتراكمة ومستوى وطبيعة الذكاء المتوفر وقدرة التعلم لدى الفرد لتحقيق هدف معين وبدوافع مقصودة أو غير مقصودة.
كما يحدث التعلم عندما نشعر بقدرتنا العالية على الالتزام وتتشكل لدينا الرغبة والإرادة التي تصنع التصور الجديد لمعنى دورنا في الحياة.
وقد يحدث التعلم حينما نصل لمرحلة الاستبصار بطبيعة المشكلة أو بطبيعة الحلول مما يحقق فهماً أفضل وقدرة أعلى على الإدراك وتنظيم المعلومات.
تكمن قيمة التعلم على مدى الحياة في حقيقة أن المعرفة المكتسبة في المدرسة تشكل جزءاً صغيراً من ما يحتاجه الانسان في حين أن الجزء الرئيسي من المعرفة يتم الحصول عليه من خلال الممارسة وأنشطة التعلم المستمر.
كما أن التعلم يقوم على جهدين: خارجي وذاتي، أما الذاتي فيسيطر على الخارجي، لأنه ببساطة يتعلق بالاعتراف والتواضع في الحاجة للمزيد من التعلم، ويوفر روح المبادرة والدافعية في الوصول إلى التعلم وتحقيق العائد منه.
يجب أن يدرك أبناؤنا أن التعلم رحلة وليست مرحلة، والأصل أن ننشغل برحلة التعلم وليس بمرحلة التعلم فقط، لأنهم في مراحل محددة من حياتهم يكونون منشغلين ومنغمسين أكثر بالتعلم كالمرحلة المدرسية مثلاً، وهذا يجب أن لا يعزلهم عن التعلم من الظروف الأخرى التي تتطلبها المرحلة العمرية فلا يجب أن يهملوا وسائل التعلم من الحياة ويكتفون فقط بالكتب والمواد حتى في حياتهم الجامعية، ولكي تؤطر المعرفة المتراكمة والراكزة لديهم يجب أن يقرنوا كل تعلم بالتطبيق، لتتحول المعاناة والغضب غير المفيد إلى عمل ذي قيمة مضافة يرفع به الطالب شأن مجتمعه ووطنه، لذا فعندما يشعر بالمعاناة والآلام فكل ما يمكن أن يفعله هو أن يفكر ويوسع فهمه وإحساسه بالأشياء فينشغل بالتعلم الذي يريد أن يعكسه في الرحلة وليس بالمرحلة، هذا مايجب أن يفهمه طلابنا
فمصطلح أو كلمة طالب بحد ذاتها تختصر كل ذلك..

#سفيربرس _ بقلم:  د. فتون عبدالله الصعيدي 

إعلان
إعلان

رئيس التحرير

محمود أحمد الجدوع: رئيس تحرير صحيفة سفير برس. صحيفة سورية إلكترونية، يديرها ويحررها فريق متطوع يضم نخبة من المثقفين العاملين في مجال الإعلام على مختلف أطيافه, وعلى امتداد مساحة الوطن العربي والعالم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *