ملامح التدريب في عصر الرقمنة.. بقلم: محمد عفيف القرفان
#سفيربرس _ الكويت

سمة من سمات التدريب أنه يتمتع بمرونة عالية في مواكبة التطور ويمتلك مساحة من الاستقلالية لا تتوفر لدى التعليم مثلاً، وتسمح له هذه المساحة بالحركة في جميع الاتجاهات بحثاً عن التحسين ومواكبة المتغيرات برشاقة. ولو انطلقنا من هذا التعريف وهو أن التدريب يقوم على: (تقديم الحلول لتطوير الاداء المؤسسي والفردي بما يتوافق مع متطلبات النمو، وتحويل هذه الحلول إلى ممارسات تنعكس على المستفيد من خلال أحدث الأدوات والوسائل والأساليب التدريبية)، لوجدنا أن جوهر التدريب هو التطوير المستمر. ثم أنه لا يمكن لأي جهود أن تقود العملية التنموية إذا لم تستند على قدرة عالية على التكيف ومواكبة التطور البشري المتسارع.
يعيش التدريب الآن المراحل الأخيرة من المخاض الثلاثي “الفوضى – كورونا – التجديد”، حيث دخل مجتمع التدريب مرحلة الفوضى، وهي المرحلة التي سبقت أزمة وباء كوفيد ١٩ ثم دخلنا في أتون أزمة الوباء ويتهيأ الآن لإعادة إنتاج نفسه بما يتناسب مع ما طرأ من مستجدات.
لقد تحدثت في مقالات سابقة عن الفوضى التي عاشها التدريب من سوء فهم وممارسات خطأ، وكذلك شرحت في كتابي “إعداد مدرب أونلاين” المعاناة التي واجهها التدريب أثناء الجائحة وكيفية التغلب عليها؛ وبقي أن نتحدث عن التجديد الذي يعيشه التدريب الآن لتتشكل الملامح التي ستحدد شكل التدريب في السنوات الخمس القادمة.
لا يخفى على المتابع للتدريب أن التحول الرقمي كان حاضراً بقوة في السنتين الماضيتين، بل ولا زلنا نقدم التدريب أونلاين حتى يومنا هذا ونحن في النصف الثاني من شهر مارس ٢٠٢٢ رغم عودة الحياة الطبيعية. ولكنني هنا لست بصدد التحدث عن التدريب أونلاين فقط، فالحديث سيكون عن ملامح التدريب عموماً خلال السنوات القادمة:
أولاً
التدريب المدمج Blended Training
وهو أن يتم الجمع بين مهارات التدريب الحضوري ومهارات التدريب الرقمي، وهنا سيكون على المدرب التقليدي أن يبدأ بتطوير مهارات التدريب الرقمي لديه لكي يواكب هذا التغيير. سيكون هذا النوع من التدريب حضورياً في القاعة التدريبية ولكن بحضور واضح للأدوات والوسائل الرقمية.
ثانياً
التدريب الرقمي المتزامن وغير المتزامن
Synchronous and Asynchronous Digital Training
– التدريب الرقمي المتزامن هو ذلك الذي يتم الكترونياً عن طريق منصات التدريب أونلاين مثل زووم وتيمز وغيرها من المنصات التي تقدم هذا النوع من التدريب الذي يحاكي التدريب الحضوري ولكنه يتم عن طريق منصات التدريب الافتراضية.
– التدريب الرقمي غير المتزامن هو ذلك الذي يسمى ب “التدريب المسَجَّل” حيث تقوم منصات متخصصة بهذا النوع من التدريب فتتفق مع المدربين ليقوموا بتسجيل دوراتهم عبر برامج أو استديوهات معينة وبدورها تقوم بحملات تسويقية لتقديم الدورات المسجلة للجمهور، أفراداً ومؤسسات.
ثالثاً
التروتشنغ Troaching
وهي الجمع بين مهارات التدريب ومهارات الكوتشنغ (Training & Coaching) في الدورة الواحدة، وليس العكس. وهنا يجب على المدرب أن يجيد مهارات الكوتشنغ أو الإرشاد فيعطي المعلومات ويكسب المهارات ويترك الفرصة للمتدرب أن يقوم باستخلاص الحلول والنتائج، أي التخلص نهائياً من عملية التلقين والانتقال إلى مرحلة التحليل والاستنتاج.
رابعاً
التدريب عن طريق الواقع المعزز
Augmented Reality Training
وهو التدريب الذي سيتم تفعيله بمجرد ما تم تفعيل تقنية الواقع المعزز في تفاصيل حياتنا، حيث ستكون الأساليب والوسائل التدريبية بطريقة الواقع المعزز؛ فإذا أردنا معرفة طريقة بناء فريق العمل الاحترافي مثلاً، فإننا سنشاهد هذا الأمر من خلال شخوص افتراضية تتشكل أمامنا فتمر بجميع مراحل تشكيل فريق العمل وكأننا نعيش ذلك على أرض الواقع. وينطبق ذلك على كل الموضوعات التدريبية وكل موضوع حسب خصوصيته، وهنا على المدرب أن يتعلم كيف سيقوم بذلك ضمن برمجيات مبسطة سيتم إنتاجها لتمكنه من تشكيل أنشطته التدريبية حسب موضوع الدورة مستخدماً تقنية الواقع المعزز التي ستتاح قريباً.
خامساً
تدريب المحاكاة Simulation
وهو يتعلق بعمل الروبوتات ويتطلب برمجة كمبيوترية معينة وهو مكلف في الوقت الحالي، لذا تقوم المؤسسات الكبرى بالاعتماد عليه لأن التدريب فيها يتطلب هكذا تقنيات، مثل مؤسسات الطيران التي تقوم بتدريب الطيارين على طائرات تطير بشكل افتراضي من خلال تقنية المحاكاة ليبدو الطيار وكأنه فعلاً يحلق في السماء ولكن بشكل افتراضي بخطوات مدروسة.
أعتقد أن هذه التقنية ستكون في المتناول في المستقبل، لذا ستكون متاحة في التدريب وخصوصا ذلك النوع من التدريب الذي يتطلب حالات افتراضية يجب أن يعيشها المتدرب قبل الدخول في العمل على أرض الواقع.
قصة..
كنت قد أعددت الأدوات والأساليب والوسائل التدريبية لتقديم إحدى دوراتي، ثم بدءت الدورة متحمساً ومستمتعاً يقودني الشغف؛ وكانت مدة الدورة خمسة أيام وسط تفاعل رائع من قبل المتدربين. ولكن الذي حصل أنه في اليوم الثالث من الدورة التدريبية، اقتربت مني احدى المتدربات في استراحة منتصف اليوم التدريبي وسألتني بأدب وخجل: “متى راح تدرّسنا؟”
همسة..
نحن الآن نعيش المرحلة الانتقالية التي نغادر فيها عصر المعرفة إلى عصر الرقمنة، وبما أن عصر المعرفة أتاح المعرفة للجميع فإن التدريب في عصر الرقمنة سيكون دوره في كيفية استخدام المعرفة وتوظيفها وتحويلها إلى ممارسة مفيدة لا تخلو من اللمسات الإبداعية.
#سفيربرس _ بقلم: محمد عفيف القرفان
#المدرب_المايسترو
#ملامح_التدريب_في_العصر_الرقمي