إعلان
إعلان

ماخور البندورة _ بقلم : هبة عبد القادر الكل

#سفيربرس

إعلان

أنا أستحق العقوبة … نعم … بل أستحق السجن ..
وددتُ لو بجذع الأنف أن طواني باطن الأرض عنها، وحالت بيني وبينها…
أدرك أن هناك من يقول: معتوهة!! ماهذا؟
نعم أصبتم… ولكن إن سمعتم تلك القصة ستضمون جراحكم إلى جرحها، وتقولون: لربما تستحق حبل المشنقة.
في التاسع من نيسان/ أبريل/ عام 2022م:
وعند تمام السّاعة العاشرة صباحاً، ارتديتُ معطفي بسرعة لألحق موعد مرور الباص، وخرجتُ في طريقي إلى السوق حيث الموقف المخصص له، وطابورٌ من الأعمار ينتظر فرج وصوله.
لا أُخفيك فنظراتُ البؤس تلفح وجوه المنتظرين للفرج، ربما كان سبباً لتجديد الهوة بين الواقفين والواقفات وبين فصول السّنة فالرياح كانت عاتية وباردة في شهر الشمس وتفجر الينابيع، تماماً كحال الفجوة بين الأجر الشّهري للموظف ومتوسط ما يحتاجه شهرياً ليعيش حياة لائقة شبه إنسانية، فضبط التوقيت في هذه البلدة يحتاج إلى تحديث وإعادة فرمتة بالرغم من أنه حان تجديد التوقيت الصّيفي.
ولأنّ الوقت والتوقيت لا قيمة له في هذه المدينة، وبعد طول انتظار تجاوز العشرين دقيقة لاح الباص الأخضر، نعمْ، إنّه آتٍ.
وبعد معركة طوّقت باب الصّعود لتهافت المتهافتين الذين طال انتظارهم، صعدتُ، وعند الباب وقبل الدخول إلى حرم الباص، قال السّائق لي:
“ادفعي قبل أن تدخلي، وفي حال كنت لا تملكين ثمناً فلا مكان لك هنا!!”.
كانت طريقته مكللة بثقة عالية، على ماذا لا أدري!! وكأنّ المقاعد فارغة تنتظرني وتناديني أن تعالي واجلسي…. ويكأنّه لم يلتفت إلى خلفه ويرى بعين الحقيقة أنّ النّاس قيام وقعود وعلى جنوبهم…
وكما هو معلوم ومعروف إنّ هذه الباصات أُنتجت لنقل محتاجيها من الشعب، كيف وهي من إنتاجات القرارات السّاهرة على مصلحة الشّعب.
فاستسلمت للوقوف…
كان على أحد جانبيّ امرأة ذات وشاح أسود، وعلى الجانب الآخر شابّ عليه أمارات طلبة العلم.. وحوارٌ دار بينهم:
” أيّهما يمثّل أهمية أكثر في بناء وتشكيل الإنسان وقيمه المثلى، العِلمُ أم الدّين؟؟”.
أخذ كلّ منهما يقدّم مقدماته ويخلُص إلى نتائجه كحقيقة مطلقة، وأقول: ” ما هذه المعركة، وكيف بمقدور أي شخص إقناع الآخرين قطعاً بحقيقته المطلقة التي لا تقبل الشكّ ولا النقد ولا النقض، ومتى في هذا الوقت!! وأين في ذلك المكان” !!!
شعرتُ بسخافة شديدة كيف نتحدث عن الموضوع في هذه الحالة غير المنتظمة بين القيام والقعود وعلى الجُنوب، فقبل قرنين من الزّمن لم تكن المجتمعات تتقبل بعدُ نظرية الجراثيم المُمرضة، وكان من المعتقد الشائع أنّ ” رائحة البقر تسبب السّمنة”!!
نعم غاب لحم الغنم والبقر عن بيوتنا، ولكنه لم يقتلنا بقدر ما قتلنا الحضور الباهت لبعض القرارات كتقسيط ياقات البقدونس والنعنع والمواد الغذائية لموظفي القطاع العام كُرمى لهم بمناسبة الشّهر الفضيل.
وعلى طول المسار ألتفتُ عن يميني وعن شمالي لأجد مكاناً لهذا السؤال وعبثاً أحاول..
وصلتُ إلى وجهتي إلى متجر كبير يبيع من صنوف الطعام والشراب مما لذَّ وطاب، وكل صنف مسعر بتسعيرة تعلو رأسه وكأنها ختم مصكوك من الذهب، يزداد مع الزمن.
وفوجئتُ أن البندورة وأخواتها قد قسمن الشعب إلى طبقتين: طبقة عادية ما عليها إلا انتظار المواسم، وطبقة سوبر ما عليها إلا انتظار الديلفيري لتدخل بيوتها، ويكأننا نحتاج إلى تقسيمات طبقية!!
ومن دون أن يراني أحد سرقت أربع حبات من البندورة الريانة الشهية، وكيساً صغيراً من اللحم الضأن، ووضعتهم في الجعبة الداخلية للبيبي دول، وقلت: سيضيع لونهم مع لونه، كيف وأنا أحب البندورة وأولادي يشتهون اللحم المحمر مع البندورة، ولا نملك ثمنهم !!
وعلى الفور صاح صاحب المتجر: ” أمسكوها تلك اللصة التي سرقت البندورة”.
ما هذه السرعة الفائقة أكان يراقبني أم أنه من نسل شرلوك هولمز وسلالة الأب كونان.
أو ربما كان يسترق النظر!!
كانت شتائمه تخرج مع رذاذ فمه الذي ملأ معطفي لوزا وفستقا حلبيا خالصا، معطرا بشراب الفريز والمانغو والأفوكادو المحلى بالعسل.
أيقنت أن العسل وما خالطه له معنى آخرا لكبار السن.
لكن لم يكن عتبي على صاحب المتجر وصراخه، بل عتبي على مخترع كاميرات المراقبة، ولو كان بقربي لبصقت في وجهه لأنه لم يدرك أن زوجي خرج من المنزل باكرا وقال لي: ” ما معي مصاري، دبري حالك بطبخة اليوم”!!
ليته نبهني ووضع ضوء الكاميرا على يدي قبل أن أسرق حتى لا أضيع بالسجن ويضيع من ورائي، من أجل حبات بندورة لا نملك ثمنها.
استطعت الفرار قبل أن تأتي رجال الشرطة، وكنت سأكمل طريقي لولا أن صاحب المحل اللئيم قد عمم مواصفاتي لهم.
وفجأة دخلت إلى مكان مليء بالنساء، وبدأ الهمس واللمس والهمز اسمعه في كل مكان.
الدنيا مليئة بكل شيء ، صوت هنا وضحكة هناك.
اقتربت مني إحداهن، وأشارت بأن أذهب معها، وكادت أن تختنق من الضحك، ولا أعرف السبب حتى كنت أريد أن أعطيها حبة بندورة كي لا يكون دليلا ضدي لوحدي.
وصلنا لغرفة بابها مغلق، فتحت الباب ودخلت وأومأت برأسها نحوي لأدخل بعدها وهي تضحك، نظرت لجميع الجالسات الكل يأكل ويضحك، يشرب ويضحك، ما الأمر ؟ لا يهم ولكن الابتعاد عن الشرطة خير.
– ما اسمك، قالت.
– هيام، قلت.
– ستكونين بندورة لذيذة من وراء معطفك، قالت
أدركت حينها أنني كنت في بيت ماخور، وقبل أن تعلو أكثر ضحكاتهن وأتهم بالانتماء إلى شبكتهم، قررت الاعتراف بالسرقة.
فدخول سجن اللصوص بكرامتي خير من دخول سجن مواخير البيبي دول!
في كل مكان … عهر وماخور
في كل زمان … عهر وفسوق
في كل شيء… عهر وخلاعة
بين الأفراد والمجتمعات… عهر وبغاء
ولكن قالها ذات مرة ابن البرد:
لو فارقوا ما فيهم من دعارةٍ لما عرفتهم أُمُّهم حين تنظرُ

#سفيربرس _ بقلم  : هبة عبد القادر  الكل 

إعلان
إعلان

رئيس التحرير

محمود أحمد الجدوع: رئيس تحرير صحيفة سفير برس. صحيفة سورية إلكترونية، يديرها ويحررها فريق متطوع يضم نخبة من المثقفين العاملين في مجال الإعلام على مختلف أطيافه, وعلى امتداد مساحة الوطن العربي والعالم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *