لا تراهن ..! كتبت دلال ابراهيم
# سفير برس

لا تراهن , لقد خرجت من قمقمي المعتم, قشرت عني كل أسباب الحزن وكل عوالق الحياة وعوائقها .. صرت أكثر سلاماً وروحانية.. لا استعجل الأمور، اتركها تنضج على نار هادئة بعدما فككت خيوط الخوف. لا تراهن لأن أشرس المعارك التي خضتها في حياتي كانت في ترويض نفسي, ولا أندم على أي خسارة, فالخسارة الوحيدة التي تجعلني أجثو على ركبتي هي انطفاء روحي .. نعم خسرنا أشياء في محيطنا ولكن لم نخسر أشياء في داخلنا. بقيت النفس تقتلع أشواك الخيبة والانهزام. ففي لحظات التأمل والتوحد داخل أعماق جذوري نفضت عني الأزقة المظلمة .. بعثرت الصدأ العالق على أناملي وبدأت أطوف في بهاء الكمال الكلي.. امتلأ مزودي برحيق العسل وعجنته بنكهة الشغف .. أنثى تزينت برداء الياسمين, ردائها من حفيف الصمت يجول خلفها يلامس خفيها بلا ملل .. لا تراهن على امرأة تجاوزت بقوة المسافة الهائلة بين التجربة والكلمات .. امرأة لديها من القوة التي مكنتها من القفل على ما في داخلها من جراح .. جعلت الجرح ينزف دون بكاء تضمده بكثير من الصمت الحزين. صامتة متعبة, هم لا يعرفون ما مررت به كل ليلة وهم نائمون. ثمة لحظات تدفعنا إلى غياهب الوحدة, نصل إلى مرحلة نفقد فيها الشغف لكل شيء. نتفاجأ: فنحن لم نعد نحن والمكان ليس هو المكان. نوقن أن أحلامنا كالفقاعات كلما اقتربنا منها ابتعدت, وكلما صارت في قبضتنا تلاشت. تهب مثل الملسوعة .. لا سأكون قوية .. لأجلهم جميعاً للكاذبين وللمنافقين وللصادقين .. ولكل من استقر في أيسر صدري .. لكل من مر ورحل, سأرفع الكأس عالياً لكل من أشعل الحزن في قلبي. سألحق به وأخبره أن من لا يحتويني وقت حزني لا حاجة لي به .. لم أعد أبالي بأيد أفلتت يدي, يد أفلتت يدي في وسط الزحام لا حاجة لي بها. أنثى لم تعد تجيد رتق الأحزان الكثيرة .. لم أعد أبكي على أطلال حلم تدحرج مني..أتعثر كثيراً وأحياناً أسقط .. وأكتفي بعكاز كبريائي لأنهض من جديد وأكمل مسيرتي. أتعلم أن أصعب مقاومة هي عندما يقاوم أحدنا نفسه! عندما يتجاذب بين القبول والرفض, بين الحب والكرامة بين ال لا وبين ال نعم بين القرار والاختيار .. عندما تتنازع خيوط القلب مع منطق العقل .. والنفس والغريزة! عندما تختلج مشاعرنا اشتياقاً, ثم نعافها ونتصنع اللامبالاة, حتى لا نبدو ضعفاء في عين أحد. عندما تشتد لدي رغبة قوية بالبكاء فأضحك.. كي أداري دموعاً بالخفاء. إنها أصعب مقاومة أن تخطو وذاتك في واد, وأنت في واد آخر. ولكن ما أضعفها تلك النفس أمام مرارة اللهفة .. وهي تتأوه تحت سياط المسافات..
#سفير برس- دلال ابراهيم