عباءة الدين.. بقلم : ندى المالح
#سفيربرس

الدعوة إلى الله هي دعوة إلى الحق والتسامح والفضيلة، هي دعوة إلى الإنسانية. والداعي إلى الله، يكون متاًّصّلاً في هذه القِيَم حتى يكون صوت الله على الأرض. ولكن المأساة تكمن عندما يتسرَّب بعض المنافقين من ذوي المآرِب إلى الدعوة ويحيلوا أنفسهم إلى دعاة، فيدسّوا السام القاتل في عسل الدِين. وكمثالٍ عن هؤلاء نذكر شخصاً مغموراً ظهر فجأة في مدينة أربيل العراقية ويدّعي بأنَّه يكفل اليتامى ويجمع لهم الأموال، ويتولّى مساعدة المحتاجين، فيظهر في الفيسبوك وبعض الحسابات وهو يتمسكن ويتباكى ويستنجد الناس حتى يعطوه الأموال على أن يفرّقها على هؤلاء اليتامى وبعض المتاجين. وخلال أقل من سنتَين في هذا العمل استطاع أن يجمع ثروةً ضخمة ويشتري بيتاً وسيارة، ثم بدأ يتوسَّع ليشتري بعض العِقارات. وانقلب من شخصٍ منبوذ منعزل إلى شخصٍ يقصده الناس ويطرقوا بابه، وهاتفه المتواضع الذي كان لا يرن، تحوَّل إلى جهاز آيفون، لا يكف عن الرنين، ورقم خاص ورقم عام.
وأمام ذلك بدأ يتوسّع في عمله مثل: تفسير الأحلام، وفك السحر، وصناعة الأحجبة، وتسريع الزواج، وشفاء العاقر، وشفاء الأمراض النفسية. وفي النتيجة فإن هذا المدّعي المليء قلبه بالغلّ صار يُعرَف في مدينة أربيل بهدّام البيوت بكونه تسبب في تفتيت الكثير من العوائل، كما أنه شاع عنه بالزواج السرّي من عدّة نساء. وامتدّ غلّه حتى إلى اللاجئين حتى صار يُعرَف بعدو اللاجئين السوريين في أربيل. وبين فترة وأخرى يصطاد بعض ذوي العاهات من الطرقات، ويجلبهم ليُظهرهم في حساباته وهم يولولون ويتباكون حتى يتسوَّل عليهم بأن يُظهر أرقام الهواتف ليتواصل معه المُحسِنون، وكذلك حساب مصرفي كي يودع فيه المُحسِنون من دولٍ أخرى المساعدات. أو يُظهر عائلة معاقة أو يتيمة أو مسحوقة ويدَّعي بأنه سوف يبني لها بيتاً، ويُطالِب الناس بأن يرسلوا له الصدقات، بل حتى الأضاحي في عيد الأضحى لا تفلت منه، فقد امتدَّ إليها أيضاً ليطلب من الناس من خلال بعض وسائل التواصل الاجتماعي بأن يعطوه أثمان الأضاحي وهو سيقوم بشرائها وذبحها وتفريقها على الناس، أو يأتوا له بهذه الأضاحي وهو سيتولى ذبحها وتفريقها. وهكذا نرى غل هؤلاء لا حدود فيسدّوا كل نفع يمكن أن يصيب الناس. فبعد محاولات كروان لأعمالٍ متعدّدة وفشله فيها، وفشله في الدراسة، ثم ذهابه إلى إحدى الدول الأجنبية، وكذلك فشله، عاد إلى أربيل يائساً، وهذه المرة خطرت له أن يدخل مجال الدعوة، بعد أن رأى الكثيرين يمتهنون هذه المهنة وينجحون في المكر على الناس، ويصبح لهم شأن في المجتمع. فاتَّخذ لنفسه لقباً دينياً وهو (حجي) لينقلب فجأة من كاروانو إلى (حجي كروان).
وهذا مثالٌ بسيطٌ لكثير من المنافقين النفعيين الذين لا مهنة ولا إنتاج لديهم ويعيشوا متطفّلين على أقوات الناس، وهم يتخفّون بعباءة الدين. ومثل هؤلاء يقفون خلف ارتداد الكثيرين عن الدين، وكذلك خلف سحب مادة الديانة من بعض المناهج الدراسية في بعض الدول العربية والإسلامية. لقد حوَّل هؤلاء الدِين إلى وسيلة للكسب لنَّهم رأوا أنّه أقصر الطرق لبلوغ منزلة اجتماعية مرموقة، بل وإضفاء هالة من القدسية عليهم بحيث يستفتيهم بعض البسطاء، ويقبّلون أياديهم، ويتوسّلون إليهم للدّعاء، ويأتونهم للتوبة على أياديهم، إضافةً إلى أموال طائلة يُحصّلونها من الناس من خلال تخويفهم بنار جهنَّم إذا بخلوا عن العطاء، وتبشيرهم بالجنة كلّما أعطوا أكثر، وهم بذلك ينتزعون لقمة الفقير من فمه، كون هذه الأموال هي زكوات وصدقات وفطرات من استحقاقات الفقراء والمساكين، إنها آفات بشرية ممتلئة بالغل وبالنزعات العدوانية.
وقد تفشَّت هذه الظاهرة بشكل مروع في مجتمعاتِنا، وأصبحت الدعوة عمل مَن لا عَمل له، فمنهم من يرتدي الجبب والعمامات كرجال الدين الكلاسيكييين، ومنهم من يضفي شيئاً من الحداثة على مظهره مثل ارتداء البناطيل، أو الثياب الضيّقة، أو الجينز، بدون لحية، أو بلحية خفيفة. وهي ظاهرة لا تقل خطورةً عن الميلشيات التي تقاتل بالسلاح وتُفخّخ المرافق الآهلة بالسكّان، لأنّها تحقّق ذات الهدف في نشر الفلتان الأمني وإلحاق أفدح الأضرار بالمجتمع. وبات من الضروري النظر إليها نظرات تحليلية ومعالجتها قبل أن تستفحل وتخرج عن السيطرة تماماً وتتحكَّم بزمام الأمور، وقد بيَّنَت التجارب أن هؤلاء وعند إيقاد أي شرارة فتنة في البلاد والعِباد، يكونون أوَّل مَن ينفخ فيها، ويسكب إليها النفط لتزداد سعيراً.
#سفيربرس _ بقلم : ندى المالح