هلاّ بددت حيرتي: بقلم دلال ابراهيم
#سفير برس

هي محض الصدفات لا أكثر , كلما ذهبت إلى السوق في الحي الذي أقطنه حتماً سوف التقيه وكأني على موعد معه. يشدني وكأنني أعرفه منذ زمن بعيد, أتأمله ملياً, أنظر إلى وجهه وهيئته علني أجد سبباً يبرر انجذابي إلى ذلك الشخص ذو الشعر الكثيف المتدلي حتى على وجهه, والثياب الرثة. يمشي حافي القدمين حتى في عز البرد. إنه أشبه بقطعة ظلام نسيها الليل فبقيت هائمة على وجهها طيلة النهار.
رأسه مثقل بالكثير, ينوء تحت حمله ويبدو ذلك من الكتفين المتهدلتين, وانحناءة عوده الفارع فيما يشبه غصناً آيل للسقوط.
أما أنا, فدائمة النظر إلى رأسه, وإلى عينيه التائهتين وهما تنظران في الفراغ
أرى علامة استفهام كبيرة تسبح في ذاكرته
ذاكرته بحر تتلاطم أمواجه
يزعجه..
يحرك رأسه دوماً
يميناً يساراً
حيناً في عنف
وآخر في هدوء
وكأنه يهدهده
يستجديه الإجابة
تَرى كيف يشعر؟
أوَليست تلك علامة كبيرة تشير إلى ضخامة السؤال, أو هي مجموعة أسئلة التهمت بعضها في جوع الانتظار وعبث اللاجدوى فتحولت إلى هذا الكائن المقيت الساكن مكان الادراك منه.
لكل منا ما يثير حيرته, ولكن لا أعرف إن كنت أنت لا تزال تشعر بالحيرة من أي شيء؟
ما يحيرني أنا سؤال في رأسي
- هل تعرف أنك مجنون؟
في عينيك الإجابة المكتوبة بلغة لا تَقرأ وبإحساس أكبر من أن يقال, وفي كل مرة التقيك فيها أعرف أن سؤالي سيبقى دون إجابة تروي غليل التوثيق. وبرأي ما لا يَكتب لا يعول عليه.
هل تعرف أن البحر وأمواجه في ذاكرتك يشبه بحر ذاكرتي بأمواجها وأنني حين أراك ابدأ بتحريك رأسي مثلك عله يرحمني من ثورات أمواجه.
أنا لا أخافك صدقاً لا أخافك مطلقاً وذات يوم سوف أجلس بجانبك لأطرح عليك السؤال الأهم:
كيف جَننت…؟ ستضحك أنت وسأبكي أنا..!
سأعرف حينها أنك أعقل من هذياني
وأنك مكسور الخاطر
وطنك منفى…بيتك شارع مفتوح على جدران العدم
صوتك مخنوق… وعقلك غارق في بحر اللاوعي…
لِمَ أنت في طريقي؟ أم أنا في طريقك الذي يبتلعك في كل ليلة ليلفظك في الصباح وأنت أكثر…! أكثر ماذا؟ أنا لا أعرف هلا أخبرتني؟ أرجوك ..فأنا لست كليمة الله حتى يخبرني بكل شيء..ولست ممن اسأله بالحيرة ويجيبني على تلك الأسئلة..
قل لي مثلاً:
أنك تركت عقلك بين ركام أول حادثة حب
أو عند خيانة الموت لك في بعض منك وهو الأعز
أو عندما قمت بقتل سافل كان يستهتر بتناولك للاشياء في زمن الصحو من زاوية يصعب رؤيتها على العادي من الناس ولأنك تبدو أرق من التعايش مع فكرة كونك قاتلاً لذا تركت عقلك يحمل النعش إلى مثواه الأخير فبقي هناك ونسي أنك تنتظره في منعطف ما..
هل ضاقت عليك الدنيا بما رحبت؟ أم ضقت بها؟
هل استوعبت ما فيها أكثر مما يجب أم خرجت منها وأنت لم تفقه شيئاً من تناقضها المضني ووضوحها المتخفي وراء ازدواجية معاييرها والتواء أيامها حول عجلة التكرار..
قد أكون في ختام جلستي في جوارك قلت الكثير وأنت كما أنت تشير بيدك نحوي ثم تعيدها إلى حجرك وتحرك رأسك يمين يسار يمين يسار
ما زال كل شيء كما هو إلا من انعكاس وجهي في عينيك. ترى هل سينجو من الغرق في جوف الوحش الكامن في بحرك. هل ستتذكرني؟
أنا سأذكرك دائماً وسألاحق خطواتك
وربما إذا خرجت ذات يوم ولم أجدك
سوف أسأل عنك الطريق, الرصيف, ملعب الكرة, المبنى قيد التشييد …برأيك هل سأجد إجابة…؟
#سفير برس -دلال ابراهيم