الدين..بين القيم الروحية والسلطة السياسية _ بقلم: محمد فياض
#سفيربرس _ القاهرة

عندما نتعرض للكتابة في مثل هذه العناوين فللوهلة الأولى سوف يتم قذفنا بما ليس فينا.ولأنني كاتب سياسي ومنتمي لتيار اليسار..هنا يشتد القذف ضدنا.على فرضية أن الدين..أي دين من الأديان السماوية لايجب أن يتعرض للكتابة فيها سوى رجال الدين..
ومن هنا ومن تلك الفرضية والخاطئة _في تقديرنا _ نبدأ الكتابة.والتي نستهلها بماهية الدين في اللغة.فقد جاء مفهوم الدين إصطلاحاً بمعنى المجازاة ( كما تَدينُ تُدان )..وبمعنى الطاعة والإنقياد والذل..( لله وحده) .وبمعنى التوحيد ( إن الدين عند الله الإسلام) .وبمعنى الحساب (الذين يكذّبون بيوم الدين) ..والحكم ( ماكان ليأخذ أخاه في دين المَلِك).
لم تنزل الأديان من السماء إلا لغاية هي إسعاد البشرية وفي سبيل ذلك كانت قضيتي التوحيد والعبادات.وترك الله عز وجل لعباده قضية المعاملات..حدد وجهتها حِلها وحرامها وترك للعقل الذي اختص به الخالق بني ٱدم به دون سائر المخلوقات..فانحاز العقل البشري إلى الإبتكار لتطوير متطلبات إعمار الكوكب الأرضي في الزراعة والصناعة والطب والفيزياء والكيمياء والرياضيات والعلوم الإنسانية والسياسية.تلك التي تذهب جماعة الإخوان وتشكيلاتها إلى كراهتها وتحريمها وتكفير المشتغلين فيها والإفتاء بقتلهم.وبدعوى أن كل مايشغل عن ذكر الله فهو حرام..وحرام هنا كانت البداية والتي حملت الشيخ المفخخ إلى قولته “.. لقد وضعتُ لكم المنهاج وهو كله من القرآن الكريم وأي نقص منه نقصٌ من القرآن ذاته..”. وكان المنهاج أن من لم ينتمي إلى جماعتي ليس بمسلم…كما قال سيد قطب..ولم يؤسس حسن البنا جماعته تحت عنوان ( إخوان من المسلمين) بل كانت جماعة ( الإخوان المسلمين) وبالتالي هم وفقط المسلمين وماعداهم ليس بمسلم..وعلى قناعتهم هذه لم يخطيء سيد قطب.
وفي البداية بدأها البنا جماعة دعوية ولذلك عندما قام عبد الناصر بحل الأحزاب السياسية ترك جماعة الإخوان المسلمين لذات المقصد المعلن منهم..جماعة دعوية..لكن ما إن تكشفت المقاصد كان قرار جمال عبد الناصر بحل الجماعة وجمعهم في السجون.
تأسست جماعة الإخوان في مطبخ المخابرات البريطانية وتكفلت بدعمها حتى تتعافى نظيرتها الألمانية بإيعاز من الصهيونية العالمية التي كشف مخططها للعالم وزير الخارجية البريطاني السيد بلفور عام 1917تنفيذا لما انتهت إليه العصابات الصهيونية في المؤتمر الأول للمنظمات الصهيونية العالمية بضرورة أن يكون هناك وطن قومي لليهود..وكان لزاماً إعداد المنطقة فكانت جماعة البنا في 1928 في مصر. وجماعة مردخاي بن ابراهام بن موشيه في الجزيرة العربية لتعلن عصابات اشتيرن وتسفاي والهاجاناه في 1948 قيام دولة إسرائيل في دفء جماعتي الماسوني ومردخاي.
وراحت جماعة الإخوان وتشكيلاتها تتطلع إلى الحكم ورغبتها في إقامة الخلافة..وعلى نسق الخلافة العثمانية.فوجدت لها ظهيراً في أنقرة مازال داعماً حتى الآن يحلم _وهماً_ بالخلافة.
يخطيء من يظن أن جماعة الإخوان وتشكيلاتها جماعة وطنية.وهو المخطيء يرى بأم عينيه تمدد الجماعة وتشكيلاتها في اكثر من 80 دولة في العالم.وتديرها أجهزة الاستخبارات الأمريكية والغربية والإقليمية لجهة هدم الدولة القطرية في البلدان العربية لهدف تحقيق الغايات الكبرى لإطالة عمر الإمبراطورية الأمريكية الٱخذة في الذبول التاريخي والخرف السيادي.
كل هذا وتعتمد الجماعة الدين عنواناً للحرق والقتل والتدمير.وأنهم مأمورون من قِبَل الله عز وجل ..تمددت الشيزوفرينيا فيهم وأنتجت جيناً يخصهم وحدهم بأنهم دون عداهم من البشر لديهم صحيح الدين وصكوك الجنة ومفاتيح جهنم.
وشاهدنا جميعاً فتاوى شيوخ السبوبة وهم يفتون على الهواء عبر الفضائيات بأن من لم يصوت للجماعة ٱثمٌ قلبه ومثواه جهنم وبئس المصير..وهم هنا دخلوا بعباءة الدين حقل السياسة معلنين أنهم لايعترفون بالديموقراطية إلا في المرة التي تأتي بهم إلى الحكم وبعد ذلك فهم جاؤا بأمر الله ويحكمون بأمر من الله وليس من حق كل الشعب العصيان عليهم ويتحقق في الشعب الذي أتى بهم مسلكهم في ( إخلاء السبيل) لمن يعارضهم..وقد أعلنوا عشية الإستيلاء على حكم مصر أنهم سيحكمون لمدة 500 عام.
وقالوا إن السيادة لله وهم يحكمون بأمر الله وليس أمام الشعب إلا الطاعة في المنشط والمكره..
والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة: هل جماعة الإخوان وتشكيلاتها هنا جماعة دعوية ؟؟ .وهل يمكن إعتبارهم فصيلاً وطنياً وقد تم استعداء الأجنبي ضد مصر..؟
نعم هو حسن البنا الذي تلقى تعاليمه المتشددة على يد رشيد رضا..لكن من هو رشيد رضا.؟ لمن لايعرف هو واحد من تلاميذ الإمام محمد عبده.والذي قسم الأخير .”.السيادة إلى قسمين..سيادة عليا لله وحده..وسيادة أقل درجة ويختص بها الشعب وعليه ممارستها ومن هذه السيادة تكتسب الأمة شرعية دورها كمصدر للسلطة والتشريع ثم يكتسب الحاكم سلطته من الشعب.”
وهو مانسميه نحن الشعب مصدر السلطات..والحاكم الذي ينحرف في ممارسة السلطة التي إكتسبها من الشعب عبر ٱلية الديموقراطية ووفقاً للدستور والقانون ( والذي هو يحدد السلطات وقد أصدرهما الشعب وهو يمارس سلطة التشريع.) .فبذات الٱلية وأخرى يمارس الشعب حقه السيادي في استرداد السلطة وخلعها عن الحاكم.
الأمر الذي لاتقره جماعة الإخوان ومشتقاتها..وتدعي أن مسلكها هو الدين.والسلطة والسيادة لله وحده وهم موكول إليهم نصرة الدين ويحكمون باسم الله. والذي لم يعتدي عليه من أمة محمد سواهم وتشكيلاتهم الإرهابية.. وبين الفينة والأخرى تعلو أصوات هنا وهناك محسوبة على النخبة تبشر المصريين أن جماعة الإخوان وتشكيلاتها باتت في حكم العدم أو قاربت على مرحلة الدفن..ونرى أن ذلك الإتجاه مأجور لتخدير هذا الشعب والجماعة تعيد ترتيب صفوفها وأجنحتها وتقوى كل يوم مستفيدة من التجربة وتنتهز فرصة لتفاجيء الجميع..وهنا ينبغي أن نتأهب لهذا اليوم.ولن تغير الجماعة أدواتها لأن استخدام الدين هو كان وسيظل مدخلها..وسيظل البسطاء في مصر والذين يتم طردهم خارج الحسابات السياسية والاقتصادية والمهمشة إجتماعاً وتعدادهم عشرات الملايين.كلما ضاقت بهم الأحوال يتحصنون بالدين ويسلمون ٱذانهم لمن يمارس عليهم عبقرية التخدير..ذلك لأن حزمة القيم النبيلة التي أتتنا بها الأديان..وديننا الحنيف مورست عليها سياسات البطش لإخراجها خارج الفعل وأمام أعيننا تتوالد وتتخارج في مجتمعاتنا جرائم جديدة لم تكن موجودة ولم تكن في الحسبان..وتم هذا البطش بل وسحل القيم الروحية والأخلاقية فلم تعد قادرة على مواجهة الفساد فكان القضاء الكامل أو يكاد.على إمكانية صياغة العدالة الإجتماعية بمفهومها الشامل ويرى الشعب ثلة من الأفراد والعديد من العائلات وقد جَرَّفَت ثروة مصر التي قاربت على 310 مليار دولار تحوزها ثلة مازالت في تعدادها لم تصل إلى ألف شخص. ليصبح الأمر جد خطير..كل الممارسات تدفع الفقراء والطبقة المتوسطة إلى الإحتماء بالدين والتحصن به خشية جريمتين الأولى الإنتحار.والثانية الخروج إلى الشارع..ويعلم الشعب الفقير أن المتربصين بمصر كثر .وينتظرون اللحظة الأولى للخروج إلى الشارع..الأمر الذي يلقي بمسؤوليات ثقيلة على نظام الحكم ويفرض عليه حتمية الذهاب إلى معركة المواجهة الفكرية..والٱن . دون إرجاء وإلا وضعنا مصر والسلام الإجتماعي في فوهة المدفع..والجماعة تتحضر كل..كل لحظة والتمويلات تتجهز وتزداد أرقامها..والسياسات الإقتصادية تساهم في تقوية جماعة البنا.لوضعها ملايين المصريين وبلا تعاطي الأمصال الفكرية بكفاءة المواجهة أمام شباك التأسلم السياسي.ووفق سياسات ضعيفة لاتقوى على فرض قوانين لحمل الأغنياء على دفع الفواتير الإجتماعية.وتراجع دور الدولة وانسحابها من الفعل العام..وتفتح الجماعة مدارسها للتجنيد وتحترف تصدير رقادها في غرفة العناية المركزة إلى الشعب وهي تتحضر لمعارك قادمة تساندها دول كبرى وتمويلات بلا أسقف. لإنجاز الوصول إلى محطة السلطة مرة أخرى..يستخدمون الكذب الإستراتيجي والنفاق المجتمعي والتأويلات المغلوطة لأيات القرآن لكسب السلطة.وشعبنا الذي لايتعلم أبناؤه في المدارس وتمارس حكومته دور السمسار في الترخيص للتعليم الموازي في السناتر لتحصل على خيبة جديدة إسمها الضرائب..هذه الملايين مشروع عملاق لتخريج المتعصبين وتتولى الجماعة تصنيعهم تنظيمات إرهابية في بلد تضرب بقسوة بسياساتها قضية الإنتماء.وتُرتكب كل الجرائم باسم الإسلام..والمواجهة الفكرية لم تبدأ بعد..والأخبار عن الإنشقاقات داخل صفوف التنظيم الإخواني محض تكتيك وتسويقهم للدين لاقتناص الحكم وتطويع السياسة يتم على قدم وساق .ومازالت الجماعة وستظل خارج القيم الدينية تتمسك ب ( من لم يحكم بكتاب الله…) وأنهم هم الموكول إليهم الحكم ودون سواهم.
ويحضرنا الإمام علي بن ابي طالب:.”..الدين معطَى سماوي مقدس كُلِّي الصحة.والرأي -السياسة- مُعطَى بشري نسبي الصحة واستخدام الدين في الرأي تنزيل من قيمة الدين.واستخدام الرأي في الدين إرتفاع بالرأي إلى مستوى القداسة..”
وفي غزوة بدر عندما نزل النبي صلى الله عليه وسلم بالجيش رٱه الحباب بن المنذر بخبرته لايرضى عنه فسأل النبي “.. يارسول الله منزل أنزلكه الله ليس لنا أن نتعداه أو نقصّر فيه ؟ أم هو الرأي والحرب والمكيدة.؟ فقال محمد صلى الله عليه وسلم: بل هو الرأي والحرب والمكيدة.
هي السياسة والسلطة والشعب مصدر السلطات وغاية التشريعات.
المنطقة الفكرية التي تنزعج منها الجماعة وترغب في إعادة هذه الأمة إلى عصور العنعنة وإفقاد العقل قيمته التي اختص بها عباده عن كل مخلوقاته..
# سفيربرس ..بقلم: محمد فياض _ كاتب مصري