سفير برس وضمن سلسلة حوارات (الأثر) تلتقي بالمترجم والأديب الجزائري سيد حفناوي.. لاقتفاء أثر مسيرته الإبداعية..
#سفيربرس _ إعداد وحوار : ضحى أحمد

1-حدثنا استاذ عن ظروف النشأة واقتحام عوالم الأدب والترجمة؟
* في البداية ، اود ان اشكر سفيربرس على هذا اللقاء القيم وهذه الاستضافة الرائعة ..
الترجمة كانت حلما ..تحول الحلم الى هدف لهثت وراءه حتى لحقت به ودخلت مجاله وتعبت كثيرا .. حتى تمكنت من دواليبه وشعابه واسراره .. الادب دخلته من باب القصة القصيرة .. والترجمة كانت تراودني منذ كنت مقيما في فرنسا في مدينة نيس المتوسطية … حيث كنت اترجم رسائل طلبلة الدكتوراه وانقلها الى الفرنسية،بعد ذلك انتقلت الى ترجمة الروايات والقصص والنصوص النثرية والوثائق الرسمية.
2-تتقن عدة لغات ماهي وما الأحب إليك طبعا عدا لغتك الأم؟
*اللغات كانت حبي الكبير .. ولازالت الى اليوم .. فهي مفتاح ثقافتي ونافذتي على عوالم الادب والفكر والفن … اللغة الفرنسية ستظل حبي الازلي ..رغم أنها لغة كانت فرضت علينا .. أكرهنا على تعلمها واتقانها .. الاستعمار الفرنسي كان يجبرنا على تعلمها … وثقافتنا كلها من تعاليمه ودساتيره المقدسة … وكنا نجبر على طاعته، ونساق كالقطعان الى لغته وثقافته مكرهين … هكذا اجبرت على تعلم لغة فولتير واتقنتها حتى في الطور الابتدائي .. رغم معارضة الاهل ، لانهم كانوا ومازالوا يمقتونها كونها لغة مستعمر غاشم … اذن فنحن نعتبره لغة دخيلة على ثقافتنا ..رغم ان البعض منا يحبها جنونيا كونها لغة كانت تمقتنا وتعتبرنا سكانا indigènes .. من الدرجة الثانية …. لكنه يبقى حبا تعلمنا منه الكثير …اكتشفنا من خلاله ثقافة اوروبا .. !!
في* الحقيقة انا اتقن اللغة الإنجليزية والفرنسية بشكل كبير .. وانا منكب حاليا على تعلم اللغات الإيطالية والبرتغالية حاليا …
3- في مجال الترجمة أنجزت ترجمة وثائق من الأرشيف الفرنسي العائد إلى حقبة نابليون حدثنا عن هذه التجربة وأهمية ترجمة هذه الوثائق؟
*حكاية ترجمتي لهذه الوثائق تعود الى قصة طريفة مع دار نعمة للترجمة وهي دار نشر مصرية كانت تختص في الترجمة .. وكنت اشتغل معها لمدة طويلة .. ذات مرة ،طلبت مني ادارة الدار ان اترجم أحكاما قضائية تم رقنها في ورقة قديمة وكانت مستعصية على الفهم .. كون الوثيقة كانت رثة جدا … وكون الكتابة ان انجازها بالريشة والدواة على الطريقة الكلاسيكة .حروفها كانت قديمة ومعقدة الخطوط والرسوم والأشكال .. وثيقة تعود لعهد نابليون … ظلت معي تلك الوثيقة لمدة طويلة، أفك شفرتها … حتى تمكنت منها، وبسبب تلك الترجمة ، حلت مشكلة كبيرة تتعلق بالعقار الفلاحي في مصر .. وثيقة فضائية فيها رسم لحدود الاراضي في منطقة صعيد مصر … منطقة شديدة الحساسية للعقار الفلاحي ..يتمسك ملاك الاراضي فيها بالعقارات ويعتبرونها حرمة من حرماتهم .. كان الخصام على اشده .. وساعدني على فك شفرة الوثيقة الفرنسية شغفي بالخط الفرنسي الغوتي Ghotique وحبي للفن التشكيلي وولعي الشديد بالترجمة وترجمة المخطوطات القديمة … ومازلت احتفظ بتلك الوثيقة حتى اليوم في مكتبي .. حتى توظفت في مكتب ترجمة رسمية ، وتدرجت في العمل حتى تعلمت كل أبجديات الترجمة الرسمية .. وهناك اكتشفت كنوزا لغوية لا تحصى ولا تعد .. بعدها تم تعييني في منصب نائب مدير مشرف على الترجمة في دار نشر فرنسية تختص في الترجمة .
4-ترجمت كتاب( فنون في ترميم التراث الثقافي) من اللغة العربية إلى الإنكليزية ما الرسالة التي أردت إيصالها إلى القارئ الغربي من خلال هذا الكتاب؟
*هذا الكتاب تقني بالدرجة الأولى وهو من تاليف الاستاذ ابراهيم مرامرية وهو استاذ مكون في الترميم العمراني .. وقد انجز كتابه بعد تكوين طويل في جمهورية مصر العربية.. وتلقى تربصا في مدينة وهران الجزائرية، ولما كانت الاستاذة شبايكي نريمان تنجز ترجمة هذا الكتاب الى اللغة الإيطالية، طلب مني أن أترجمه الى اللغة الإنجليزية ،فاعجبتني الفكرة لان محتويات الكتاب كانت تقنية ومهمة جدا بالنسبة لي كمترجم .. كتاب من شأنه ان يعرف العالم الغربي بكل كنوز الجزائر المعمارية العائدة الى الحقبة الرومانية والوندالية والفينيفية والاسلامية … فيه مفاتيح للغة الترميم الأثري .. وفيه نافذة على تراثنا الاثري المدفون منذ الاف السنين … سيما وانني كنت أجري بحثا على شخصيات نسوية في الشمال الافريقي وهي : شخصية الكاهنة البريرية والقديسة كريسبين و الملكة جوليا السورية التي انجبت الحاكم الروماني كاراكلا، الذي حكم تبسة المدينة التي عشت فيها كل طفولتي وكل شبابي .. كما كنت اشتغل على شخصية القديسة كريسبين، ابنة مدينة ثاغورا الجزائرية …وهذا ما جعلني اترجم الكتاب بشغف ليتعرف الغرب على التقاء حضارة المشرق العربي بحضارة وتاريخ المغرب العربي ..!!
5-ترجمت كتاب (قصة سانتاكلوس) للأميركي ألفريد بون من اللغة الإنجليزية إلى العربية لماذا ام اختيار هذا الكتاب بالتحديد؟
*قصة هذا الكتاب مدهشة فعلا ..
فهو يروي قصة عجيبة غريبة تقدم شخصيات خيالية ابتكرها هذا الكاتب الامريكي وكرس حياته للكتابة عنها .. حيث اقترحت علي دار نشر عراقية تختص في الترجمة ان اترجم الكتاب الى اللغة العربية من الإنجليزية .. فاقترحت عليها ترجمته مقابل طبع وتوزيع مجموعة القصصية غرائبية كنت قد انهيت كتابتها، وكنا اريد ان يطلع القارىء العربي على طريقة كتاباتي للنصوص الغرائبية .. سيما واني كنت قد تعاملت مع دار نيبور العراقية قبل ذلك واعرف طبيعة قيمة دور النشر في العراق، معرفة جيدة .. كوني احترم تجربة العراق الثقافة وكل ما قدمته حضارته للبشرية من كتب ومباحث ودراسات قيمة رغم الحروب والدمار. .
6-أصدرت أكتر من مجموعة قصصية باللغة أذكر منها(دموع الغرباء) حدثنا عن هذه المجموعة وعن تجربتك في كتابة القصة القصيرة.
*رصيدي من القصة القصيرة قارب المائتان وخمسون (250) قصة كلها غرائبية حديثة .. هذا اللون الحديث اخذ مني مجهود عشر سنوات كاملة، كتبت خلالها باللغة الانجليزية اجمل قصصي، ونشرتها مع ” دار ليلى” في مدينة اريزونا الامريكية، بعدما عرض علي صاحب الدار الأمريكية
Leilah publications
التعامل معه .. فكانت اول تجربة لكتاباتي باللغة الحية مع الولايات المتحدة الامريكية …الحقيقة كانت تجربة مفيدة تعلمت منها الكثير ..اما مجموعة “دموع الغرباء” وهي موضوع سؤالكم ، فهي اردنية التوزيع والطبع ، حيث شاءت الاقدار ان اتعامل مع دار امواج للنشر والتوزيع وأنشر مجموعة قصصية ضمنت فيها قصصي الاكثر غرابة والاكثر دهشة .. وقد نالت حظها من الدراسة الاكاديمية في جامعات الجزائر .. فيها 30 قصة قصيرة، كلها من التراث العربي القديم … استوحيتها سنة 2014 من التاريخ البابلي والسومري القديم
وهي تحفة قصصية جد ممتازة .
2 الرومانية والوندالية والفينيفية والاسلامية … وفيه مفاتيح للغة الترميم الأثري .. وفيه نافذة على تراثنا الاثري المدفون منذ الاف السنين … سيما وانني كنت اشتغل على شخصيات نسوية في الشمال الافريقي وهي : شخصية الكاهنة البريرية والقديسة كريسبين و الملكة جوليا السورية التي انجبت الحاكم الروماني كاراكلا، الذي ظل يحكم تبسة المدينة التي عشت فيها كل طفولتي وكل شبابي .. كما كنت اشتغل على شخصية القديسة كريسبين، ابنة مدينة ثاغورا بالشرق الجزائري …وهذا ما جعلني اترجم الكتاب بشغف ليتعرف الغرب على التقاءحضارة المشرق العربي بحضارة وتاريخ المغرب العربي ..!!
7-كتبت العديد من المقالات في الترجمة وأهمها (الترجمة إلى أين) هل وجدت جوابا لهذا السؤال؟
*هذا اهم سؤال تلقيته في حياتي واشكركم على طرحه …
الترجمة عند العرب الى أين …؟؟
تجربتي الصحفية كانت غنية بالكتابات .. وطرحت هذا السؤال هل سنحقق بالترجمة تقدما حضاريا ام ستظل الترجمة عندنا وسيلة غبية ننقل بها معلومات الكمبيوتر وبرامج التعليم ومفاتيح التكنولوجيا التي نشتريها ولا نستعملها .. فنحن قوم نستهلك الترجمة ولا نترجم ، نكتب ولا تبتكر … مجتمعاتنا تتعلم من الترجمة كيفية العمل على الالات وتفكيك البراغي وفتح الشاشات وتصليح ميكانيك البواخر والطائرات وصيانة الاجهزة البسيطة… وقراءة الروايات وفهم افلام الكرتون … اما في الغرب فيترجمون ويتعلمون لغات العالم لفهم الحضارات ويأخذوا منها ما يبحثون عنه من تكنولوجيا، فاللغة الهيروغليفية تم تفكيكها والاستفادة منها عن طريق شمبليون الفرنسي، واللغة السومارية والبابلية تم تفكيك رموزها والاستفادة من الواحها عن طريق البريطانيين .. وهذا ما وثقته في قصصي لألفت الأنظار الى اهمية الترجمة .. ولم اتلق إلى حد الساعة سؤالا واحدا حول الترجمة عداكم انتم مشكورون، ذات مرة ،قال لي احدهم مازحا : ” استاذ حفناوي دعك من اللغة الإيطالية والاسبانية والفرنسية والانجليزية،وتعلم التركية والصينية انها انفع لك،فقلت له لماذا ..؟ فقال لي، لتشتغل مترجما مع تاجر قماش أفضل من مترجم في مكتب ترجمة رسمية …!!! ”
هذا هو المستوى الحقيقي للمجتمع الذي نعيش فيه للأسف … !!!
وتبقى سوريا رائدة في تجربة الترجمة لانها ترجمت كل مقررات كتب الطب الى العربية ومازالت تخوض تجارب ناجحة في مجال الترجمة الى اليوم.
-8 -ماهي معايير اختيار الكتاب ليصلح للترجمة سواء في اللغة العربية إلى لغة أخرى أو العكس؟
*معايير الكتب التي أختارها للترجمة تكون نصوصها أولا واضحة ولغتها مفهومة، فهناك نصوص صعبة الفهم ، خاصة تلك التي توجد بها لغة اللهجات العامية والالفاظ السوقية، كالروايات التي تم تحويلها الى افلام وغيرها، فهذه اعمال ادبية لا تحتاج إلى ترجمة في الحقيقة ، لأنها مكتوبة بالصورة والصوت، وليست مكتوبة بالحبر والدواة، ولا تحتاج إلى ترجمة .. اسألوا أي مخرج سينيمايي ، وسيقول لكم نفس الكلام .. كانت لي تجربة في كتابة واعرف هذا المجال جيدا ..اما الكتب التي تستحق الترجمة فهي كتب التاريخ وكتب العمران وكتب الانتروبولوجيا، وكتب البحث العلمي وكتب الطب والفلك وعلم الاثار ، وكتب الأديان وكتب السير والعبر … هذه هي الكتب التي نجد فيها معايير نختار من خلالها نماذج تصلح للترجمة سواء من اللغة العربية إلى لغة أخرى أو العكس.
-9-كيف تقيّم حركة الترجمة في الوطن العربي وفي الجزائر تحديدا؟
*الترجمة ليست بخير … فقد عشت تجربة مع الكاتب الجزائري امين الزاوي حين ترجم رواية “بم تحلم الذئاب” للكاتب ياسمينة خضراء .. وعشت تجربة مع الكاتب ياسمينة خضراء نفسه حين كلمته عن رأيه في تجربة روايته، فقال لي إنها كارثة .. واتهم المترجم امين الزاوي بانه أفسد روايته.. سأكون صريحا معكم .. ليس هناك مترجم يعشق الترجمة ويؤدي واجبه بكل صدق في اوطاننا .. وليس هناك كاتب يدفع ثمن ترجمة كتابه بقلب منشرح … نحن نتاجر بعواطفنا ، لاننا نعيش فوضى الاحلام … ونريد ترجمة ما نكتبه دون ان ندفع ثمن ذلك، لاننا تعودنا الاستمتاع بالشهوة الرخيصة .. وتعودنا المظلة التي تقينا الشمس وتظل فوق رؤوسنا بالمجان .. وتعودنا العيش في كنف الكسل، نحن قوم لا نكتب الا ما يعجب الاخر … نحن نترجم عندما نحس بنشوة الكلام بلغة لا يفهمها الاخر .. عقدتنا لا محل لها من الاعراب ، فنحن نتنفس الهزيمة، ونعيش على هموم الآخرين …!!
أما كيف أقيّم حركة الترجمة في الوطن العربي وفي الجزائر تحديدا .. سوريا خاضت تجربة رائدة … وانا اتمنى ان اشتغل مع السوريين في مجال الترجم، لان هذا الفن مزدهر عند اهل الشام ..ستنجح الترجمة في سوريا ، لانها رائدة في هذا المجال .. والكثير من الأعمال تمت ترجمتها بشكل مدهش .
اما في بلدي فالمترجم لا يمكنه أن يعيش في الابراج العاجية، ومازال يتقاسم مع المبدع نفس الجراح … لهذا فالترجمة ميتة تماما .. ولن تستفيق حتى نهاية الزمان .
10-ماهي طموحاتك المستقبلية وآخر أعمالك؟
*لقد بلغت الذروة في الطموح النظري .. ودخلت كل ميادين الإبداع و تعرفت على كل كواليس الكتابة والترجمة .. تجربتي علمتني الصمت … لان الفراعنة تركوا في الهرم الاكبر حكاية ابهرتني .. وهي حكاية تسمى ” لامن شاف ولامن دري ، وهي حكاية مثال مصري
a sculptor
كان يشتغل داخل هرم خوفو .. تعب المثال فارتكب خطأ، ونام ولم يكمل العمل، وهو في دهاليز الهرم، فخاف ان يتفطن الفرعون لذلك فينال عقابه، فترك هذه العبارة مكتوبة على الصخر، قبل وفاته، ولما وصل من يخلفه في العمل .. وجد العبارة منقوشة على الصخر ..ففهم، وواصل العمل دون أن يخبر أحد،وبقيت الحكاية في طي الكتمان حتى اليوم .. !!
انا كذلك مترجم وكاتب, عاش داخل هرم كبير, وسأواصل عملي دون اخبار احد …. لأن مهنة المبدع كمهنة بناة الحضارات القديمة … صعبة … وينصح على العامل فيها بالالتزام بالسر والكتمان …!!
قيمة الجائزة ان المبدع يكتسب ثقة النقاد والصحافيين والقراء، والثقة هي حبهم لما يكتب، وليس أكثر .. انا تجربة مازالت تبحث عن دوافع جديدة للنجاح … تجربة مازال ينقصها الكثير والكثير رغم نجاحها .. أجهز للعديد من الإصدارات القيمة ولكنى هذه الأيام أسعى حثيثا للحصول على حق زيارة ارشيف فرنسا لأكتب عن تاريخ بلدي من مصادر موثوقة .
اشكركم جزيل الشكر
دمتم ودام نبضكم الى الأبد ..
حفناوي سيد .
#سفيربرس _ إعداد وحوار : ضحى أحمد