أثيل حمدان لسفيربرس : نعم هناك من يصلب الموسيقى…. وعمدتُ إلى إدخال طرق التدريب ومدارس التدريس الأكثر احترافا
# سفيربرس _ حاورته وأعدت له: هبة الكل

للموسيقى حوار خاص بها، حوارُ تعبير لمشاعر داخلية ووقعها الذي ينساب إلى الروح قبل الأذن. والآلات الموسيقية لها مزاج البشر، تتكلم بشعور العازف وتكشف أسراره وعواطفه بوضوح.
من مواليد دمشق 1970م، صنع عالمه الخاص بإبداعه ونشره موسيقى الحجرة، ساعيا إلى توسيع دائرة الموسيقى الصرفة.
صديق تلاميذه حين كان عميدا للمعهد العالي للموسيقى، رحلته الموسيقية مع خليله التشيللو بدأت في سن السابعة في دمشق، في المعهد العربي للموسيقى ( معهد صلحي الوادي حاليا)، حيث تتلمذ على يد الأساتذة: أولغا يعقوب، بسام بقدونس، بافيل كوبين.
ولأنه متفوق، وفد إلى كونسرفاتوار “أوديسا” عام 1995م حائزاً على شهادة الماجستير في العلوم الموسيقية.
عمل عازفاً في الأوركسترا السيمفونية لدار الأوبرا والباليه في مدينة أوديسا في الفترة ما بين ( 1991- 1995م ).
عاد إلى الوطن ودرّس في المعهد العالي ومعهد صلحي الوادي، وعمل عازفا في الفرقة الوطنية السيمفونية، عازف التشيلو الأول في الفرقة السيمفونية الوطنية، وعازف التشيلو في رباعي دمشق الوتري.
قدّم العديد من الحفلات عازفاً منفرداً وعازف أوركسترا في قاعات وبلاد كثيرة، منها: فرنسا، إيطاليا، روسيا، أوكرانيا، أرمينيا، بلجيكا، إسبانيا، اليونان، تركيا، الولايات المتحدة، العراق، الأردن لبنان، تونس، الجزائر، المغرب ومصر .
قام بإدارة معهد صلحي الوادي للموسيقى من عام 2002م إلى عام 2005م، وكانت له طريقته الخاصة في قبول الطلاب من ناحية الموضوعية والتناسب مع حاجات البلد.
واليوم وفي ألمانيا، ما يزال يواصل مسيرته الموسيقية، فهو يرى في الموسيقى وسيلة لرقي روحي لا مثيل له، ويرى في التشيللو آلة عالية الدرامية بسبب طبيعة صوتها الذي يقترب من طبيعة صوت الإنسان الداخل.
إنه الموسيقي أثيل حمدان ….
ولأن لكل امرىء من اسمه نصيب، ضيفي كان وما يزال ابن الشرق الأصيل، الراسخ العريق، وكان لي في محاورته أعظم النصيب:
س- ما الذي يبوح به التشيللو دون سواه؟
كل الآلات قادرة على البوح، ولكل آلة شخصيتها المعينة، لذلك أستطيع القول أن التشيللو يقدم شجن وروحانية معينة مؤثرة جدا خاصة في النقاط المتوسطة منه، مع التلوين فيعطي درامية ممتازة، وأظن أن الكثير من المؤلفين يرون أنه يصنع بُعدا دراميا عاليا جدا.
س- يرى البعض أن التشيللو آلة مساعدة مساندة في الأوركسترا. ما رأيك؟
هذا مفهوم لن أقول عنه خاطئا، ولكن غير احترافي. كل الآلات قد تقوم بدور البطولة (غنائي) أو بدور المرافق، وأيضا هذا الأمر له علاقة بالفترات الموسيقية، ففي فترة من الفترات كان يعتمد عليه كآلة مساعدة، وبعد بداية المدرسة الكلاسيكية والرومانسية صار له دورا غنائيا واضحا، وهو من الركائز في الأوركسترا.
س- هل للتشيللو جمهور معتبر مقارنة مع جماهيرية باقي الآلات الموسيقية برأيك؟
حتما له جمهور ومحبين حول العالم وحتى في سورية، ولكن جمهوره في سورية وجوارها أقل فهو آلة حديثة نوعا ما في بلدنا وما يزال يتطور.
س- لو طلبت منك أن تغمض عينيك والتشيللو بين يديك، أطلق العنان لخيالك. أين تجد نفسك تعزف، ومن يستمع إليك؟
أجد نفسي أعزف أمام أمّي، أعزف لها، أما المكان لا يهم أيا كان، المهم أمّي.
س- هل هناك تشيللو عربي وتشيللو غربي؟
ليس هناك آلة بذاتها شرقية أو غربية، وإنما توجد طريقة غربية أو تقنيات عزف شرقية خاصة به، ولكن حتى عازفي الشرقي يعتمدون على التقنيات الغربية ويضيفون إليها جماليات وتقنيات الموسيقى العربية كالأرباع والنقلات المختصة بها الموسيقى العربية.
س- كيف يؤثر المكان الذي يعزف بداخله الموسيقي على أدائه؟
حتما المكان يؤثر جدا على العازف، سواء من الناحية التقنية كارتداد الصوت ونوعه ودورانه، فإذا أحب المكان تقنيا سيعطي كل ما عنده، أما إن شعر أن هناك صعوبات سيؤثر، ولكن سيجتاز هذه الصعوبات، وحتى من ناحية الوقع التاريخي، فالعزف في مكان له قيمة تاريخية قد يكون مشجعا أو مثبطا ومخيفا، ففي حال كان المكان مشهورا ويحضره كبار الموسيقيين سيشعر الموسيقي بالرهبة، أو بالعكس سيشعر بضرورة إثبات ذاته بين الأقوياء.
س- هل يوجد من يصلب الموسيقى؟
طبعا وأكيد. فمن يعمل في الملاهي الليلية، وبعض المغنيين والمغنيات، وبعض الشركات المنتجة التي تنتج لمغني أو مغنية أو موسيقي حسب شكله دون النظر إل القيمة الفنية التي يقدمها، مع تجاهل الناس الأقوياء ودون أن تعطيهم فرصتهم، هؤلاء برأيي هم من يصلبون الموسيقى بشكل عام.
س- كثيرا ما يثيرني هذا الاستفسار، وأرجو أن أجد جوابه عدنك: ما السبب في ندرة وجود مؤلّفات موسيقيات نساء؟
السبب أعتقده اجتماعي .. ولكن رغم أن النساء نجدهن كعازفات أكثر من مؤلفات إلا أن هناك عازفات متميزات كثيرا، فلا أستطيع أن أقول أن هناك ندرة، وتوجد مؤلفات رائعات ربما أكثر من أي رجل مثل كلارا شومان، ولكن لا يهمني عددهن بقدر ما يهمني الكفاءة والجودة، ولكن يبدو أن الرجل لديه الوقت الكافي أكثر، ربما كونه متفرغ، ويبقى بيت القصيدة يكمن في النوعية فهنالك متميزات منهن، فالندرة لا تهم أمام النوعية، واليوم توجد مغنيات مؤلفات كثر وخاصة في مجال الروك مثل “سيا”.
س- لا تطلق على نفسك صفة مؤلف موسيقي، لم؟
لأنني لم أدرسها دراسة أكاديمية، وأفتقر إلى كثير من الأرضيات التي لها علاقة بتنمية المعارف، وأنا لا أحب النقل أو سرقة موسيقى الآخر، أفضل أن أقول أنني عازف محترف لا مؤلف، وأفضل أن أكون أنا نفسي وليس الآخر وبالمكان الذي أحبه.
س- يقول نيتشه: “إذا أردت الحكم على مستوى شعب ما، فاستمع إلى موسيقاه”. كيف يمكننا النهوض بالموسقى العربية حضارة وثقافة؟
سؤال كبير وفي غاية من الصعوبة وتكتب أو حتى كتبت عنه مؤلفات وكتب كثيرة، لأننا نتكلم عن مجتمعات ينتشر فيها الجهل والأمّية بشكل كبير، لا بسبب حب الإنسان للجهل ولكن أحيانا الفقر والحاجة إلى العمل تُبعد الإنسان عن الثقافة، وحينها تكون الثقافة محجمة وفي أيدي فئة قادرين بالحد الأدنى على التعليم.
الثقافة العربية قوية لا نستطيع أن نقول عنها ضعيفة، لكن استمرار تطورها أظن هو ما يجب العمل عليه، وهذا يتطلب الانتهاء من الأمية ونشر فكرة التعلم، ودعم العلم والثقافة والتعلم بشكل حقيقي لا تمثيلي، ناهيك عن إبعاد الأطفال عن العمالة، وهذا ليس فقط في الموسيقى بل في كافة أنواع الثقافة والآداب. لا نستطيع أن نرى القشور في حصر الثقافة في عدد معين من الناس والضوء مسلط عليهم، لا بد من أن نرى حال المجتمع فهل له أرضية ثقافية أم لا؟ لا أستطيع حصرهم في 300 شخص مثلا يحضرون مسرح أو حفلات، ولكن أنظر هل العام الأكبر يحبون متابعة ورؤية هذا الأمر، لكن نجد للأسف أن الغالبية يحبون متابعة المسلسلات أو الأسهل فهمه وتقبله، حقيقة قصة سؤال عميقة جدا.
س- كيف تقيم الهوية الموسيقية السورية اليوم بين نظيراتها العربية والعالمية؟
لا أعرف كيف يمكن تقييم الهويات مع كل هذا الاختلاط الحاصل في العالم، وأظن كموسيقى عربية وليس سورية، لنا لوننا الذي نعرف به، لأن الأمور اختلطت قليلا، ولكن هناك بعض المميزات والقوالب الموجودة في سورية فقط، ولكن تقييمها من ناحية الوضع، هناك العديد من الموسيقيين المحترفين في سورية.
س- كيف لنا أن نعلم أبناءنا الذوق الموسيقي بعيدا عن الهرج والمرج والنشاز؟
سؤال خاص جدا ولكن أقول: عند وضع الأبناء في أماكن أكاديمية مهما كانت إمكاناتها ضعيفة سيبعدهم بشكل أو بآخر عن النشاز والأصوات أو الذوقية السيئة، سيكونون على سكة نظيفة ذات ذوقية عالية مهما كانت مدارسها. الأطفال بالنسبة لي لا بد أن يكون لهم معاهد أو مدارس موسيقية فنية، مما سيشكل لديهم الذوقية الموسيقية.
س- هل يوجد اليوم تيارا أو مدرسة تمثل الموسيقى العربية الصرفة بعيدا عن الاقتباس أو الكسب التجاري؟
ليس لدي مشكلة في الاقتباس، ولكن المشكلة تكمن في الكسب التجاري، لأن كل الثقافات تقتبس من الأخرى ومن ذلك ينتج ما هو أحسن، ليس بمعنى السرقة وإنما بمعنى التعلم من الآخر واحتواء ثقافة الآخر. أما من ناحية هل يوجد نعم هناك تيارات تريد أن تأخد الموسيقى العربية التي وصلتنا من نهاية القرن التاسع عشر إلى بداية القرن العشرين لاعتقادهم أن هذه هي الموسيقى الشرقية، ولكن أنا لا أستطيع الجزم بذلك لأنني لست خبيرا في مجال الموسيقى العربية وهناك مختصون أكثر معرفة حول ذلك، هناك من يفضل العمل على ما يسمى “التخت الشرقي” بعيدا عن الهرموني الأوروبي وقوالبه وهذا أراه يحتاج جهدا كبيرا واجتهادا وأحييهم، كما هنا في أوروبا يحبون العمل على الباروك. ولكن أرى أنه من الجميل أن نرى التيارات الأخرى في العالم بشكل يناسب تياراتنا وموسيقانا العربية التقليدية، فنحن بالأصل استفدنا من الثقافة التركية والفارسية والأذربيجانية، ونحن استفدنا منهم كما استفادوا منا كالمدرسة الإسبانية. لست ضد الاقتباس، ويبقى هناك بعض المدارس مع التخت الشرقي.
س- حول العولمة الرقمية والانفتاح التكنولوجي. هل يمكننا قياس نجاح أي عمل موسيقي بناء على نسبة رواجه على مواقع التواصل الاجتماعي؟
سؤال جميل، والحقيقة هناك مشكلة لأن هناك كثير من المشهورين ولكنهم لا يقدمون أية قيمة فنية، والعكس صحيح. العولمة الرقمية والانفتاح التكنولوجي حقق هذه المعادلة غير العادلة أحيانا ولكن هكذا الحياة. أظن أن النجاح أمر شخصي فهناك من يرى فرقة على أنها ممتازة وعند آخر عادية، وكلما ارتفعت نسبة الاحتراف يصبح التقيم أعلى.
س- ما رأيك فيما يقال: إن الموسيقيين العرب لا يعيرون اهتماما بالموسيقى العربية؟
أظن أن هذا الكلام في غير موضعه، فهناك موسيقيون عرب يعزفون موسيقى شرقية، والأقلية هي من تهتم بالموسيقى الغربية، لأن المكان ورغبة الجمهور لهما دور فيما يُقدم.
س- ذكرت في لقاء: ((عمدتُ إلى إدخال المدارس الموسيقية الغربية كالروسية إلى الموسيقى السورية…))، والكلام عندما كنت عميدا للمعهد العالي للموسيقى. بماذا تمتاز المدارس الغربية عنها؟
أولا لستُ من أدخلها، فكل من كان قبلي وكل من عمل في الموسيقى كان لهم دورهم في إدخالها، ولكن بالنسبة إلي كان إدخال طرق التدريب ومدارس التدريس الأكثر احترافا وكانت تجربتها الأكثر قدما. المدارس الغربية تمتاز بحرفيتها العالية وباعها القديم في التدريس وطريقته، ومن ناحية تأريخ الموسيقى وعلم الجمال الموسيقي، وكل هذا يزيد من تكاثف المعلومات ويوسع من زاوية الموسيقيين وأي موسيقى عربية.
س- لك فلسفة موسيقية خاصة؟
ليس بمعنى الفلسفة الموسيقية الخاصة، ولكن دوام التعلم والبحث والاجتهاد هو الأهم في عملية تطوير أنفسنا على الصعيد الموسيقي سواء بالقراءة أو التمرين أو التأمل في الشأن الموسيقي، وأظن أن هذا ما يكون الفلسفة الخاصة لكل موسيقي.
س- كلمة أخيرة لكل موسيقي؟
أتمنى أن يتمرن باستمرار وأن يبقى متورطا في هذه المهنة، مع الشغف في تمثيل الموسيقى وإعطائها كل الإمكانات مع حرارة الاجتهاد والتعلّم أمام نفسه.
# سفيربرس _ حاورته وأعدت له: هبة الكل
