إعلان
إعلان

قراءة في السطر الأخير من خطاب السيسي _بقلم: محمد فياض

#سفيربرس _ القاهرة

إعلان

عندما يخون المثقف أو السياسي أوالمناضل قناعاته يصبح خطِراً على الجبهتين..جبهة الإصطفاف.وجبهة المواجهة.
وعندما نفاضل من أجل سلام المجتمع وسلامة هارموني العلاقة بين أنساقه يجب علينا الإقرار الجمعي بإزاحة هذا المثقف أو السياسي أو المناضل.ذلك لأن جبهتي الوطن لاتعوذه.بل ولإنسيابية الفكرة ورشاقة التناول مع أو ضد..في الموالاة والمعارضة يصير الخائن أكثر إنعطافاً نحو الإنحراف الحاد بما يهدد جبهته..هذه..وتلك.. هذه التي أتاها خائناً لقناعاته..وتلك التي خانها خالعاً وجهته وأدواته منها.ولمنازلتها بأدوات مغايرة..كان في الأمس القريب يمارس الأستاذية لتفنيد شروحها وتفسيراتها ومبدئيتها..
مُنِيَتْ مصر في السنوات الأخيرة بجوقةٍ من المواهب التي نزلت حلبة العمل العام وفوجِئَتْ بأن القواعد باتت على مقاساتها تفصيلاً فاحترفت قواعد اللعبة وراهنت على أن شعب مصر منشغلٌ ..وليس مشغولاً. بسعيه من أجل رغيف الخبز..تاجرت النخبة في أوجاع المصريين..في الداخل والخارج.
تصدّرت المشهد بمساعدة إعلام مبارك.. وجميعنا لاينطلي عليه في كل العصور أكذوبة الإعلام المحايد.ونفهم دواعيه جيداً..ورأى شعب مصر ذات الشخوص بذات أسمائها تنتقل من مائدة مبارك إلى مائدة مرسي إلى السيسي..ونعرف أن سياسات الحكم في مصر وخارطة الطريق فيها لم تتغير منذ الأستاذ أنور السادات.ذات السياسة بجناحيها الدبلوماسية والحرب..المعارك الناعمةوالمعارك الخشنة.ذات مسيرة الإنحياز لطبقة رأس المال والرغبة المحمومة لكشف كل الأغطية عن شعب مصر.
ووصل بنا حال الإستدانة من صندوق النقد الدولي وتنفيذ شروطه إلى قهر طبقة المال للطبقات التي تعمل وتنتج وتمرض.
وكأن رجلاً رشيداً واحداً من صناع السياسات لم يقرأ سطراً واحداً في شهادة جوزيف ستجلتز عن ضحايا روشتة الصندوق للحكومات المقترضة في كتابة ‘ ضحايا العولمة ‘
وفجأة..لكنها ليست مفاجأة أن تتلون النخبة في بلادي بلون الحاكم..ونعلم أن الحاكم منذ مبارك لم يبدع جديداً..بل ينطلق في المشوار الذي أسس له ودشّنه أنور السادات.من سياسة الانفتاح السداح مداح إلى سياسة بيع عموم مصر.
إن ما يؤلم شعبنا اليوم ويضعه أمام الحائط ليس من إبداع الرئيس السيسي..كل ما فعله الرئيس أنه قام بِمَد الخط على استقامته وقام بتسريع العجلة دون قياس حقيقي للجهد ولقدرات التحمل وزمن السرعة فقاربت الكتلة على التهتك.. رغماً عن قوانين نيوتين للحركة..كل هذا لايؤلم المصريين إلا بقدر حالة العوذ..وتغريب التخطيط الاستراتيجي عن الحالة ومعطياتها.
تعلمتُ في فصول الدرس في كلية القانون أن المشرع يتعرض للحالة لتقنينها وضبطها لجهة إسعاد الجماعة القُطْرية وخلق الإنسجام الطبقي بقواعد الإلتزام المتبادلة وحزمة الحقوق.. وعندما يأتي السلوك خارج النص فهو في جهة تغليب مصالح الطبقة وتغييب حقوق الطبقات ونزع المشروعية عنها..لدفعها في نهاية النفق وأمام الحائط إلى هدم الجدار والنفاذ منه بحثاً عن الأرحب وهروباً من الإختناق والضيق..وهنا يقرر المجموع ودون سابق إتفاق أو حتى سابق معرفة الإعتداء على كل نصوص ومواد قانون العقوبات دفعة واحدة ليخرج السلوك الموصوف في النص بالإجرامي من نطاق التجريم إلى نطاق الإباحة..
هذه هي الثورات الشعبية.والتي لانرغبها أبدآ ولن ندفع إليها..ولكن يجب أن ينتبه الجميع أن النخبة الكاذبة التي تعاود الكذب دون كلل أو ملل والتي تدعي..وادّعَتْ في مصر أنها خططت وحشدت للخروج في يناير 2011 .وهم كاذبون بامتياز بل وشلة من الفشلة فقد فاجأ الشعب الجميع. والثابت أن شعب مصر العبقري في تحمله.وفي حدسه وصبره وجلده.لم يقترب من ذهنيته حاكم أو نخبوي أو قائد أو ملك أو رئيس.ويعجز كل المتابعين والأعداء ومعسكراتهم في الإقليم وفي العالم عن فهم ثنائية ( متى وكيف يضحك. أو. يتأوَّه شعب مصر) وما هي دلالات الرضا والسخط التي يصدّرها للحاكم..وهل هو مع أو ضد سياساته الباطشة بوعيه والمستخفّة بعقله ومخزونه..ولم يملك حاكم أتى بوصلة حقيقية تقيس بشكل مباشر دون وسائط رضاء الشعب أو غضبه..وحدود الغضب ودلالات الضحك الهستيري على النكات والتي من إختراعه .سوى عبد الناصر الذي مازال حياّ في القلب الجمعي رغم رحيله منذ أكثر من نصف قرن.عبد الناصر بما له وماعليه.في اللحظة الأولى التي طلب فيها الرئيس السيسي أن نذهب إلى مؤتمر إقتصادي في ٱخر الشهر سبتمبر وقد إنعقد المؤتمر في 22 أكتوبر المنصرم..أيقنتُ وقتها أنه ثمة مؤتمرإقتصادي وليس مؤتمراً للإصلاح الإقتصادي..والفرق كبير.ولم أُعَوّل على مخرجاته بعد الإنعقاد..ورويداً تم نشر مخطط للمدعوين للمؤتمر ولاحظنا أنه يغلب على حضوره رجال المال والأعمال.ونمى إلى يقيننا جهة المخرجات والغايات..
تابعت كلمة الرئيس إلى المؤتمر.
لا أتناول الخطاب بالتعليق أو التحليل.. فالجميع استمع وحلل ووافق وهلل..وغضب وانتكس.ولن أتناول حزمة العطاءات _ في تقدير الحكومة_ وكفايتها من عدمه وخفض قيمة العملة وتوابعها..لن أتناول كل هذا…فالأوجاع أفقية شملت مصر..وأوقفت للمرة الأولى في التاريخ الإنساني رب الأسرة أمام عجزه وحاجات الحد الأدنى لمتطلبات أبنائه..قضية لاتعني متخذ القرار ولاصانع السياسات ولم توضع في الحسبان..لكنها تعني الوطني الحقيقي للنجاة بمصر..بشعب مصر.
…كل هذا أثق أن الجيد من التنظيمات السياسية الحقيقية من الأحزاب الجادة عقدت لها عشرات الجلسات للحوار والبحث الجاد في أمورها والمخاطر المحدقة في المستقبل.
استمعت إلى خطاب الرئيس..وتعايشت معه إتفاقاً وامتعاضاً.. حتى جاءت كلمات الرئيس في السطر الأخير..شعرتُ بالإنكسار الحقيقي.بالإهانة الحقيقية التي تقزَّمَت أمامها إهانات أوضاعنا المادية في البيوت ونحن لانستطيع أن نلبي طلبات أولادنا الضرورية للحياه.ونقف صغاراً أمام أبنائنا
توقف الرئيس لبرهة من الزمن يحسبها المتابع مجرد إلتقاط الأنفاس..أو يبحث الرئيس عن موطن الخطاب في الأوراق.لكنها المرارة..
تلك التي سكبت على رؤوسنا أطنانا ثقالاً من الهم..لانبريء السياسات الإقتصادية والإجتماعية والسياسية منها أبدآ..لكنه ليس أوانه.
وهذا موقفي فقد كتبت العديد من المقالات دفاعاً عن مبارك وقتما أرادت واشنطن إهانته في مراسم استقباله التي لاتليق برئيس مصر والتي قرر بعدها عدم زيارة أمريكا والإكتفاء بإرسال رئيس الحكومة.
قال الرئيس وأتمنى أن نعاود سماع الخطاب..ونستحضر مصريتنا وكرامتنا فوق أي إعتبار ٱخر .
قال الرئيس في السطر الأخير من خطابه:
( حتى..الأشقاء..والأصدقاء.أصبح لديهم قناعة بأن الدولة المصرية..غير قادرة على الوقوف مرة أخرى.وأن الدعم والمساندة عبر سنوات شكَّل ثقافة الإعتماد عليهم.) ثم سكت الرئيس وقال:
( فيه تعبير كتبته بس هقوله)
_ بالعامية المصرية قالها _
ابتلعتُ مرارتي وحاولت لعدة أيام أن أضبط كلماتي وأنا أقبض على الأحرف بقوة لصياغة هذه الكتابة.
وأعرف أن الكثيرين كانوا ينتظرون أن يكون المقال دعوة للتماس مع الداعين للخروج..وموقفي أن مصر بلد كبير ولايجوز وليس مقبولاً أن تحركه أصابع من خارج الحدود وتمويلات من خارج الحدود.ويقيننا أن التغيير يأتي عبر الصندوق بما له وماعليه.وليأخذ التغيير الإجتماعي والسياسي وقته من النضال الوطني الحقيقي.عبر أجيال جادة وجيدة في وازعها الوطني.
وهذا لايعني أن ماذهبت إليه الحالة الإقتصادية الخانقة بفعل سياسات غير مرضي عنها ومنحاذة للأقلية الطبقية ساهمت في إنهاك المنهكين دون إبطاء لمراجعة نتائجها..ودون تحميل طبقة رأس المال المدللة شيء من التكاليف الإجتماعية يرقى لمستوى ماتمر به البلاد..
السطر الأخير في خطاب الرئيس.وماغلّفَهُ من مرارة كافياً لحتمية الإسراع بجدية للذهاب إلى مراجعات جادة ووطنية في الداخل لجهة تحصين مصر الكبيرة.
وفتح الطريق أمام مؤتمر إقتصادي لائق وحقيقي لوضع روشتة علاج مهما كانت قاسية تنتصر لمصر ولشعبها العظيم الذي كنس الجهل من عقول الملايين وتحمّلتْ المسؤولية ودَفَعَت الكثير ولاتنتظر شيئاً من أحد وليراجع الأشقاء تاريخهم..حاجتهم وعطاءات مصر.
ونرى إن ذهب الرئيس إلى المؤتمر الإقتصادي دون أن يواكب ذلك حتمية أخرى بالذهاب إلى المؤتمر السياسي.سيظل كل ماتبنيه مصر رهن الرياح واتجاهاتها.إن خيراً فخير وإن شراً فشر..فالإصلاح السياسي الحقيقي هو الحاضنة الحامية والتحصين الحقيقي للحفاظ على البناء الإقتصادي وتواتر تطوره.

# سفيربرس بقلم  : محمد فياض.كاتب مصري

إعلان
إعلان

رئيس التحرير

محمود أحمد الجدوع: رئيس تحرير صحيفة سفير برس. صحيفة سورية إلكترونية، يديرها ويحررها فريق متطوع يضم نخبة من المثقفين العاملين في مجال الإعلام على مختلف أطيافه, وعلى امتداد مساحة الوطن العربي والعالم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *