انكساراتنا المؤجلة _ بقلم: دلال ابراهيم
#سفير برس

يقول انطون تشيخوف” آه, لو كان باستطاعة الانسان أن يعيش حياته بشكل جديد, أن يصحو ذات صباح صافياً هادئاً ويشعر أنه يعيش حياته من جديد”
في الحقيقة, نمضي حياتنا وتمر سنين عمرنا ونحن دوماً نسعى لأن نظهر في ذروة قوتنا مخلفين وراءنا أشياء وانكسارت مرهقة لم نكن نوليها اهتمامنا. لأن التظاهر صفة اصيلة فينا, فنحن المخلوقات الوحيدة التي تخجل من هيئتها فترتدي ما يحجبها وتلك أول خطوة نحو تأصيل تلك الصفة..نشد حبالنا نحو القمة دون ادراك بأن الذي نحاول القيام به ما هو إلا محض افتراء على ذاتنا. وهو في واقع الأمر ليس سوى المضي نحو ذخيرتنا الأخيرة. حينها نقول كان يجب علينا الوقوف محطات كي لا يذهب جميع التعب سدى في ومضة أخيرة نادمين على الخسارات الفادحة في أرواحنا وحتى في أجسادنا.
من جانبي, لم اعش انكساراتي كما يجب فجميعها لا زالت مؤجلة وكل ما امتلكه من أحلام خبأته في مكان ما في الماضي ولا أستطيع أن اعيشها بأثر رجعي
أمتلك الكثير من القلق لذا لا زال نومي مؤجلا وقلقي كذلك ففي هذه النقطة حيث اقف حتى قلقي لم يتمكن من تجنب نقطة التفتيش التي كثيراً ما أتوقف عندها, حتى أصبحت تراودني فكرة أن أقضي بقية عمري هنا في نقطة التوقف هذه. فأنا لا استطيع التراجع خطوة واحدة للوراء لأنه سينهار الماضي كله فوق رأسي, وإن تقدمت لست واثقة ألا يسقط الجسر الذي بنيته وأعلم أنه هش وسقوطه يعني أن تبتلعني هوة سحيقة لا أرى لها قرار.
أؤمن جداً بأن كل شيء ينتهي بطريقة أو بأخرى، بشكلٍ أو بآخر.. الذي لا أستوعبه أني وبهذا العمر أصبحت بين فكرة ونقيضها، بين غدٍ وأمس، بين ماضٍ ومستقبل.. هكذا تماماً في المنتصف.. السكون التام الذي لا ينتجُ شيء.. فكرة العيش بلا نتائج لامعة تؤيد فكرة راودتني مؤخراً أن الحياة تقيد حريتنا، وضِعنا في قالبٍ بشري، ووضع دماغٌ في أعلى رؤوسنا وعملٌ في أطرافنا، نسابق بهما الحياة التي قُيدنا إليها..
تجاهلنا للحقيقة الجلية تلك هرباً من مواجهة ضعفنا هو ما يجعل الأمر يتفاقم صعوداً للسيئ ثم للأسوء..ربما لو بكينا على الصعاب حين استحقت, لسرنا خفافاً لا نعاني ثقل الخطوة..لأن أكثر ما يكسرنا هو محاولالاتنا المتكررة للبقاء أقوياء أمام الحياة المليئة بخيبات الأمل..
أعترف أنّ كفّة ميزان الحياة لم تكن عادلة معي..
قاومت وقاتلت كي لا يرى أحد ضعفي..خضت معارك قسمت ظهري ونهشت روحي وبقيت رغمها صامدة
ليالٍ أمضيتها أصارع أفكاري، أواجه الحزن المقيم في جدران روحي..
أواجه كل ذلك بالكتمان. إلى أن اكتشفت أن القوة ليست بالكتمان، فالكتمان يأخذ من عافِيتنا، القوة أن تبوح بجرحك ولا تتأثّر، أن تُخرِج تنهيدة من قلبك دون أن تنهار..وقبل الانهيار الأخير ليس لي سواك يا أمي لأعترف لك:
أني تعبتُ من دور النحلة، بأن أكون نشيطة..الآن لا أريد إلا أن أكون كوالا كسول! يفيق بعد الظهر ليأكل ثم ينام.
تعبتُ مِن كوني كالنمل منضبطة ! أريد أن أصبح صرصوراً يكره العمل ويغني وينام في أيام الصيف البهيجة..
أما في الشتاء القارس، سأقرع باب النملات المثابرات، وسأخجل من نفسي..
“سأمثل دور الخجولة”وأتسول بضعِ حبات قمح..!! ولكنهن سيطردنّنَي؟
آه يا أمي! سأبكي مقابل حبة قمح
سأبكي طويلاً طويلاَ!!..
يا أمي!
لو ترين ما أكثر الصراصير اليوم! لو تشاهدين اِبنُتكِ بقلبهِا الأبيض المُخطط الدافىء, قلبهُا المورَّق تحت شجرة السِأم .
لا زلتُ مُجتهِدة يا أمي أحمل بيتي على ظهري مثل كل الحلزونات ..وأعبر الأيام البليدة..مِن أولِ الشمس حتى آخر العَتم..
أنا سعيدٌة جِداً بحياتي..لكن هُناك جرحٌ بسيط..بسيطً جداً..
لا يؤلم .. لا يؤلم أبداً يا أمي..
جرحٌ في أحلامي فقط..!.
#سفيربرس _ بقلم: دلال ابراهيم