ما فرقته الحرب جمعته النائبة .بقلم : د. فتون ا

أبناء بلدي مابعد الزلزال ليسوا كما قبله، وكأنهم قاموا ليثبتوا أن الجمال يمكن أن يُولد من رحم القبح.
جميعنا شاهد السوريين بعد كارثة الزلزال الذي أصاب جزءاً كبيراً من وطنهم الجريح، كيف هبوا لمؤازرة بعضهم بعضاً
وهذا بالأصل ليس بجديد على المجتمع السوري، نعم غُيّب كل شيء جميل وكل خلق حسن لفترة بسبب الفوضى وما اجترته من أحداث، ولكنه أبى إلا أن يظهر من جديد
وفي السابق قالها الآباء والأجداد قوٌم تعاونوا ما انهانوا، هذا المثل الشعبي والذي كان يتداوله أسلافنا حيث الأصالة والعز والكرم في المواقف الصعبة وعند الفزعة للأهل والعشيرة وللجيران والأحباب وعلى الرغم من بساطة الحياة وقلة المتطلبات في الماضي والإمكانيات القليلة والمتواضعة
ومع هذا إلا أن الأخ كان يسعى في حاجة أخيه و كأنها حاجته، ويؤثره على نفسه، و يحب له من الخير ما يحب لنفسه ، فلا يعرف الأخ إلا عند الحاجة، وفي الشدة، ولم يكن الجار يرضى أن يتخلى عن جاره مهما حصل في ذلك الزمن الجميل والذي جَملُه وزاده رونق الطيبة والحب والألفة، وقد ُسمَي بالزمن الجميل لجمال قلوب الناس آنذاك، ومستوى الشعور العالي ببعضهم البعض، ومد يد العون والمساعد والتي ُتعتبر واجب وليس مِنة فظهر المجتمع في أبهى صوره والسعادة تعم الجميع.
نحن أبناء هؤلاء الناس الطيبة وأبناء المجتمعات المتماسكة
ورثنا عنهم هذه الطيبة والأصالة بالرغم من تغير وتطور الحياة وظروف الحرب التي نهشت الناس والأزمة التي خلّفت أزمات؛ منها الأخلاقية والاقتصادية… لكن المعادن
الأصيلة لا يمكن أن تذوب حتى في نيران الحروب، ومنظومة الأخلاق يُعاد بناؤها من جديد، فالآن تشاهد فزعة أهل درعا للاذقية وفزعة طرطوس لحماه وفزعة السّويداء لحلب وفزعة الشام لجبلة ..الخ في مشهد يبهج القلب، ويبث الأمل والتفاؤل لنهوض طائر الفينيق من تحت الرماد بعد أن قام جسدُهُ بلملمةِ سائر أعضائه.
وكأن الفاجعة أتت لتعلمنا أن طاقة الحب تجذب الرحمات من السماء، وتعيد هيبة الأخوة، وترفع العقوبات، وتجلب العون من الدول، أما طاقة الكره فلا تجذب إلا المزيد من العذاب وتورث المهانة والعار.
ولا مخرج لنا ولا عز لنا إلا بالحب والتعاون، نعم قوم تعاونوا ما انهانوا ولا ذلوا.

#سفيربرس _ بقلم  : د. فتون عبدالله الصعيدي