كتب الدكتور خالد المقداد : ربط البحار الخمسة أم خطوة مقابل خطوة
#سفيربرس

واخيراً اتخذت جامعة الدول العربية قراراً بإلغاء قرار تجميد عضوية سورية بعد أكثر العقود دموية شهدتها سورية، وأكثرها انقساماً على الساحة العربية..
وفي هذا الإطار، بدأت التحليلات السياسية تشهد انقساماً بين من يرى أن هذه الخطوة جاءت نتيجة انسحاب السعودية من التحالف الأمريكي الذي تبلور في إطار حرب الخليج الثانية، ومنهم من يرى أنها تكتيكاً أمريكياً بأياد سعودية لإيجاد حل للقضية السورية لتتفرغ الولايات المتحدة لمواجهة الصين..
بداية لابد لنا من الإشارة إلى أن عالم السياسة لا يطبق نظرية جورج بوش الابن المتطرفة، والتي تأطرت بأن “تكون إما معنا أو ضدنا”، وهو ما يناقض نظرية الحياد في القانون الدولي، أو حتى يتناقض مع نظرية المصالح على الصعيد الدولي..
فالسعودية وإن انضمت رسمياً إلى مشروع الحزام والطريق، فإنها لم ترمي من وراء ذلك إدارة الظهر إلى الولايات المتحدة، بل هي ترمي لتوزيع البيض على أكثر من سلة.. فالولايات المتحدة كانت تعامل السعودية وفق نظرية الإملاءات والوظائف المطلوبة منها. أما وقد أدركت السعودية إمكانياتها الذاتية، وتوافر البديل الصيني من جهة ثانية، فقد عملت على توسيع دائرة تحالفاتها بما يخدم مصالحها الوطنية من حيث النتيجة. وهو ما يدفعنا للاعتقاد بأن جهود السعودية التي توجت بقرار المصالحة العربية إنما هو في إطار خدمة المصالح السعودية الوطنية فقط.
وبالتالي فإن من يقول بأن المشاركة السورية الرسمية في القمة العربية قد جاءت في إطار مبادرة خطوة بخطوة، يكون باعتقادنا قد جاف الواقع..
فالحكومة السورية كانت وما زالت تؤكد أن قراراتها تنطلق من مصلحة شعبها، وفي إطار ذلك نضرب مثلاً أحد بنود مبادرة “خطوة مقابل خطوة” وهو ما يتعلق بإعادة اللاجئين السوريين إلى وطنهم..
باعتقادنا ومنطقياً لا تعني عودة اللاجئين السوريين فتح الحدود السورية وإعادتهم إلى بقايا المدن السورية، أو فتح مراكز إيواء مؤقتة لهم، وبالتالي فإن إعادة اللاجئين مسؤولية تقع على عاتق المجتمع الدولي، وعلى عاتق الدول العربية المقتدرة مالياً، بما يترتب عليها من مسؤولية قومية بإعادة بناء المدن السورية، وتجهيز البنى التحتية، من كهرباء وماء ومدارس وصحة، وإعادة الحياة للاقتصاد السوري، بما يساهم بتحقيق التنمية المستدامة للدولة السورية، وبما يساهم في إعادة اللاجئين السوريين إلى وطنهم بصورة حقيقية ومنطقية..
هذه العودة وبهذه الطريقة، هي ما لا ترغب به الولايات المتحدة، فهي ترغب في أمرين: أولهما، المتاجرة بقضية اللاجئين، والتعنت وراء عدوان قيصرها، للادعاء بعجز الحكومة السورية عن توفير البيئة المناسبة لمواطنيها. وثانيهما، هو إعادتهم دون السماح بإعادة بناء المدن لزيادة الضغط على الحكومة السورية التي تعاني تبعات عدوان القيصر الأمريكي، وتبعات الحرب التي استمرت 12 عاماً.
الهدف الثاني من التكتيك الأمريكي، من وجهة نظر هذا الفريق، هو سحب الجمهورية العربية السورية من تحالفها مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، إلى صف الدول الحليفة للولايات المتحدة..
الرد الأول على ذلك، ينطلق من المصالحات السعودية الإيرانية بالدرجة الأولى، والتي ترمي إلى تحقيق استقرار المنطقة العربية، بقصد تفرغ ولي العهد السعودي لتحقيق رؤيته بالسعودية 2030.
الرد الثاني، هو اتفاق التحالف الاستراتيجي السوري _ الإيراني، الذي وقعه رئيسا البلدين.
الرد الثالث، منطقياً، لا يمكن للحكومة السورية أن تقع بمثل هذا الخطأ الاستراتيجي، بأن تتخلى عن أجنحتها، وقوتها الضاربة. فإيران كانت وما زالت أحد المتنفسات الرئيسة لسورية أثناء العدوان الغربي عليها.
الرد الرابع، كما قلنا سابقاً، لا تعني العلاقات السورية – السعودية قطع العلاقات السورية – الإيرانية، كما لا تعني العلاقات السعودية – الصينية قطع العلاقات السعودية – الأمريكية، إذ أنه لا مستقبل للدول منفردة حالياً، ولابد من ربط الدول مع بعضها اقتصادياً، وهو ما أدركته المملكة العربية السعودية لتأمين مستقبلها على الساحة السياسية، فالعلاقات الدولية لا تعني علاقات جهة على حساب جهة أخرى.
الرد الخامس، خطاب الرئيس السوري الذي أكد أن الانتماء العربي لسورية هو قدرها، وأن هدف جامعة الدول العربية هو تحقيق التضامن العربي، وليس التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية.
بقي أن نتساءل أخيراً عن الموقف القطري من المصالحات العربية، باختصار، هذا الموقف، وباعتقادنا، ينطلق من الروابط الأخوانية مع تركيا، ونعتقد أن هذا الموقف سوف يتبدل بمجرد تحقق التسوية السورية – التركية..
النتيجة النهائية، من وجهة نظرنا، إن ما ستقوم به الحكومة السورية من خطوات في إطار المصالحة العربية، لا يصب في إطار المفهوم الأمريكي لإنهاء العدوان على سورية، وإنما ينطلق من هدف الحكومة السورية في إعادة بناء الدولة السورية بأركانها الثلاثة، الشعب والإقليم والسلطة، والعمل على تصحيح وتلافي أخطاء الماضي، التي شكلت مدخلاً مناسباً للعدوان عليها، بما يساهم في تحصين سورية من إعادة تنفيذ مثل هذه السيناريوهات مستقبلاً..
وإذا أردنا أن نختصر كل ما تحدثنا به هنا، نذكر ما ذكر في اسرائيل بأن “ما يحدث في السعودية من إعادة احتضان سورية هو مهزلة”.
المصدر مجلة الأهرام العربي.
#سفيربرس _بقلم. الدكتور خالد المقداد