الطعون الحكومية بالموازنة الثلاثي _ بقلم : أ.د. احمد الدخيل
#سفيربرس

بتاريخ 26/6/2023 نُشر قانون الموازنة العامة الاتحادية في جريدة الوقائع العراقية ، وفي اليوم ذاته تم الطعن به من دولة رئيس مجلس الوزراء امام المحكمة الاتحادية العليا على اعتبار وجود بعض المخالفات الدستورية الشكلية والموضوعية ، وفي اليوم ذاته أيضاً تم تبليغ مجلس النواب بعريضة الطعن.
والحقيقة أن الطعن وجه لـ 12 فقرة أو بند أو مادة في قانون الموازنة العامة الثلاثية للسنوات 2023 ، 2024 ، 2025 ، وقد تركز الطعن في تلك النصوص على المساس بمبدأ الفصل بين السلطات وترتيب آثار مالية دون موافقة السلطة التنفيذية والتعارض مع السياسة العامة للدولة ومخالفة أحكام الدستور ، اعتماداً على مسلك كانت قد استقرت عليه المحكمة الاتحادية العليا في قراراتها السابقة.
وبعد قراءة متأنية لعريضة الطعن سجلنا الملاحظات الآتية:ـ
أولاً:ـ هناك انتقائية غريبة في اختيار النصوص المطعون فيها ، فرغم اشتراك الكثير من النصوص في العلة ذاتها إلا أن الطعن جرى على بعض النصوص دون النصوص الأخرى ، ومع أن الأمر متروك تقديره لمجلس الوزراء يعترض على ما يريد ، ولكن لا بد للمحكمة الاتحادية العليا من موقف تجاه تلك الانتقائية لاسيما ما تعلق منها بالتعارض مع السياسة العامة للدولة وترتيب آثار مالية.
ثانياً:ـ أن المسلك القضائي الذي تحدثت عنه عريضة الطعن هو مسلك المحكمة بتشكيلها القديم وبما أن المحكمة بتشكيلها الجديد قد عدلت الكثير من توجهاتها السابقة ، فربما يكون لها كلمة في ذلك المسلك ، وهو ما ينعكس سلباً على الطلبات موضوع العريضة ، رغم أن ذلك مستبعد في ظل الظروف الراهنة.
ثالثاً:ـ اغفلت عريضة الطعن شرطاً شكلياً يمكن أن يصيبها في مقتل إذا ما تنبه إليه الممثل القانوني لمجلس النواب العراقي عندما يتولى الرد على عريضة الطعن ، ألا وهو اشتراط المادة 19 من النظام الداخلي للمحكمة الاتحادية العليا رقم 1 لسنة 2022 أن يتم توقيع العريضة بكتاب موقع من رئيس الجهة المعنية ، وهو هنا رئيس مجلس الوزراء في حين تم توقيع العريضة من المستشار القانوني (وكيل رئيس مجلس الوزراء) وليس من رئيس مجلس الوزراء نفسه!!
رابعاً:ـ رغم ان العريضة تضمنت طلباً بإصدار المحكمة أمراً ولائياً بإيقاف تنفيذ النصوص المطعون بدستوريتها والتي يفترض أن يتم تنفيذها مباشرةً مالم يتم إصدار ذلك الأمر ، إلا أن التجربة أثبتت أن السلطة التنفيذية عادة ما تقوم بتأخير تنفيذ تلك النصوص ريثما يتم الفصل في الدعوى ، مما يعني بالنتيجة ان تلك النصوص أصبحت مجمدة عملياً منذ صدور القانون حتى الفصل في الدعوى ، وقد اصدرت المحكمة الاتحادية العليا بتاريخ 12/7/2023 أمراً ولائياً بإيقاف تنفيذ ستة من النصوص المطلوب ايقاف تنفيذها فيما رفضت اصدار الامر الولائي بإيقاف تنفيذ باقي النصوص.
خامساً:ـ لن يتأخر حسم الدعوى كثيراً لأن المادة 22 من النظام الداخلي للمحكمة الاتحادية العليا أوجبت أن تقوم المحكمة بالبت في الطعن خلال مدة لا تزيد على 30 يوماً من تاريخ تسجيلها الا إذا اقتضت الضرورة خلاف ذلك ، وبما ان الطعن قد قدم في يوم 26/6/2023 فان الفصل في الدعوى ينبغي ان لا يتجاوز موعد أقصاه 26/7/2023 ما لم تحدث ظروف توجب التأخير.
سادساً:ـ تبدو لنا واضحة لمسات معالي وزيرة المالية على عريضة الطعن لا سيما وأنها كانت قد توعدت تلك النصوص بالذات بعدم المضي دون الطعن بها امام المحكمة الاتحادية العليا فيما غابت نهائياً آراء وتوجهات باقي اعضاء الكابينة الوزارية.
سابعاً:ـ رغم أهمية الطعون التي أشارت إليها الدعوى إلا ان الحجج المؤكدة لعدم دستوريتها ضعيفة ولم تستطع أن توصل الفكرة في بعض الأحيان ولم تدعمها بأسانيد قانونية سليمة بل أنا بعض النصوص المطعون فيها لم تبين الدعوى بالتحديد أين تكمن عدم الدستورية فيها ، مما يضعف فرص قبولها من المحكمة المختصة.
ثامناً:ـ تم تقسيم الفقرات المطعون فيها إلى 10 فقرات يمكن أن تبويبها ، كما يأتي:ـ
أـ الفقرات التي فيها مساس بالسياسة العامة للبلاد ومخالفة مبدأ الفصل بين السلطات وهي سبع فقرات وثمانية نصوص ، وتشمل:ـ
1ـ المادة 2/ أولاً/ 8/ج/6 الخاصة بحصر صلاحية التعاقد مع المطورين بالمحافظين.
2ـ المادة 16/ ثانياً التي اضافت عبارة (بناءً على طلبه) في منح الإجازة أو الاحالة على التقاعد للمدير العام الذي لا يدير تشكيلاً إدارياً.
3ـ المادة 20/ سادساً التي وسعت من صلاحية اللجان الفرعية بمنح التعويضات لغاية 50 مليون بعد أن كانت 30 مليون فقط.
4ـ المادة 28/رابعاً / أـ ب والمادة 57 /أولاً/ج الخاصتين باقتطاع مبلغ واحد بالألف من المئة لصالح صندوق شهداء الشرطة.
5ـ المادة 65/ ثانياً التي خولت مجالس الجامعات التعاقد مع القطاع الخاص لبناء مستشفيات تعليمية ومختبرات استثمارية.
6ـ المادة 71 الخاصة بإلزام الحكومة بإنهاء ملف إدارة مؤسسات الدولة والهيئات الحكومية بالوكالة في موعد أقصاه 30/11/2023.
7ـ المادة 72 التي أجازت لدوائر التنفيذ في وزارة العدل استيفاء ما نسبته 2% من حصيلة الديون المستحقة لأصحابها ليتم توزع تلك النسبة إلى قسمين 80% منها حوافز للعاملين في تلك الدوائر و20% لتوفير المستلزمات ومتطلبات العمل.
ويبدو لنا ضعف الأسانيد القانونية في جميع هذه الطعون إذ لم تبين العريضة في بعض تلك الفقرات أين تكمن المخالفة الدستورية ، ناهيك عن غرابة الطعن بنصوص يمكن ان تحقق ايرادات اضافية للحكومة.
ب ـ الفقرات التي يترتب عليها آثار مالية إضافية وتضمنت ثلاث فقرات واربع نصوص ، وتشمل:ـ
1ـ المادة 62/ رابعاً والمادة 63/ ثانياً والخاصتين بمنح استثناء لمجلس النواب بتعيين 150 شخص كعقود استثناءً من أحكام المادة 14/رابعاً/أ من قانون الموازنة العامة وكذلك منح مجلس القضاء الأعلى والمحكمة الاتحادية العليا ذات الاستثناء دون تحديد عدد معين.
2ـ المادة70/ثانياً الخاصة باعتماد ذرعات العمل المصروفة للفترة من 1/1/2023 ولغاية 1/6/2023 دون إعطاء الأولوية للمشاريع الأكثر إنجازاً حسب وجهة نظر الحكومة.
3ـ المادة 75 الخاصة باعتماد تاريخ 31/12/2019 بدل 2/10/2019 لإيقاف التعاقدات وفقاً لقرار مجلس الوزراء رقم 315 لسنة 2019 المعدل.
ورغم احقية ووجاهة الطعون الموجهة بعدم الدستورية إلى هذه النصوص ، إلا أن فيها نوع من الانتقائية الغريبة ، إذ أن العريضة لم توجه الطعن صوب الكثير من النصوص التي استثنت العديد من الجهات والأشخاص من أحكام منع التعيين الواردة في قانون الموازنة العامة والتي شملت الآلاف بل مئات الآلاف بالتعيين والتي رتبت آثار مالية اضافية دون استحصال موافقةالسلطة التنفيذية.
#سفيربرس _بقلم : أ.د. احمد الدخيل