تراتيل …اغترابية د.سليمان الصدي
#سفيربرس _ بقلم الإعلامي سعدالله بركات

خمسة كتب حتى الآن أنجزها الأديب د. سليمان الصدي ، وعلى تنوّع أجناسها الأدبية ، تنضوي في ،، أدب الاغتراب ، و قاسمها المشترك تجذّر ووفاء ،كيف لا ! وهو المكنّى ب ،، الصدّي ،، دلالة على متانة تعلق بجذور جدّه في بلدة ،،صدد،، .
هو الذي عاش كما يقول ((الغربة ألما ومعاناة ، وتحديّات ..)) لنحو 5 عقود ، يرى أنّ ((الإبداع الحقيقي لا ينجم إلاّ عن المعاناة، وفي الغربة نعرف قيمة الوطن وتصير محبتنا له أشبه بالتصوف ، ..أغادر سوريا ، لكن سورية لا تغادرني، …سورية السياج الذي يسوّر قلبي أينما اتجهت، والعشق الذي يسري بدمي، هي الهواء الذي أستنشقه ، ليتني أمضي بقية حياتي ، تحت أغصان الزيتون الوارفة في بلدتي الوديعة إزرع ))..
مبكّرا عبرت موهبة ،،سليمان ،، الإبداعية ، في سن ١٤ كتب قصيدة لأخته ، سماها ،،تراتيل لعينيك،، وتحت هذا العنوان جاءت باكورة أعماله الأدبية المطبوعة ، وقد جمع فيها مختارات من شعره و ،،خواطر اغترابية،، وقد أهدى: (( هذه القصائد المنسرحة كقطعان الريح ..إلى أيقونتي )) روحه، نانسي ولارا ، وإلى أمّه (( الطاعنة في شموخها )).
خلال 73 صفحة ، يطالعنا الديوان ب20 قصيدة ، قدّم لها ،،عبد الرزاق عبد الواحد ،، بما يختزل ويعبّر :(( بين غربة الروح وغربة الجسد …، وبهما معا ، ترفرف أجنحة هذه النصوص منكسرة ..مكابرة ..مغالبة أوجاعها ،في حرائق حب ّ …..، يستعين على إطفاء نيران وجده بمياه مشتعلة !….هذا هو سفر الياسمين…جرح فيه الكثير من الكبرياء ..غربة فيها الكثير من الانتماء…وهو نثر فيه الكثير من الشعر..)). w3 -6
وعليه ، اعتمد شاعرنا القصيدة ،، النثرية ،، وأبحر في شعر التفعيلة ، لكنّ قافيته تطلّ عفوية، بين حين وحين ، دونما تكلّف وعلى مهل ، منسربة في ثنايا الفكرة والتعبير ، لتضبط إيقاعا وجرسا موسيقيا رفيفا وإن نأى بنفسه عن،، الفراهيدي،، وعروضه .
د. سمر الديوب ، وجدت في ،،تراتيل ،، الصدي :(( صلاة عاشق. أن يرفع التراتيل لعيني المرأة/ الحبيبة، الأم، الإبنة، الأرض. فتوحي .. بجو ديني مهيب، أما العينان اللتان ترفع التراتيل إليهما ، فهما مستودع أسرار الإنسان – كما يرى علماء النفس ..- إذ تستودع الحبيبة في العينين جمالها، والأم حنانها، والابنة براءتها، والشام سحرها…))
ثمة ثنائية تكاملية في ديوان الشاعر وحياته ، بين الوطن والمرأة ، يراهما من خلال بعضهما ..تضيف د. الديوب ، وتنوّه بقصيدة حوران ص 34 :
حوران ! بعدكِ جَفَّ العمرُ
طحنتِ الغربة ُروحي
……..
لم يبقَ مني إلا الحزنُ
لم يبقَ إلا شِعْري فيك …..
ومن جماليات شاعرنا ، دهشة ومجاز، موسيقا ولمحات صوفية ، توقفت عندها د. الديوب :
1- دمشقُ يا معجزة َالخالق
نسجها على مهل ٍ…
فكانت درّة َالختام ِ…..ص 72
2- ،، ستأتي التي ستملِكُ مساحاتِ حبّي
التي ستتـَّخِذ ُنوارسُ عينيها
من شواطئ مرساها ،،
3- ،،أنا مشتاق ٌ إليكِ
أسوقُ الريحَ أمامي
ولن أقف إلا في محطات ذراعيك
………….
أسافرُ في أوردَتِك
وأشتهي الغرقَ في بحيرَتي عينيكِ ،، ص21
4- ،، سافرت حتى محوتُ المرافئ
…. ٍ
مرحبا دمشق عليك سلامي …
يا عطر المواسم يا وعدي يا غرامي
لا أريد قصورا… يكفيني بحوران خيامي ،، ص 68
.
5- ،،إن لم يكن شلالُ شَعْركِ بحري
وشفتاكِ جزيرتي
فلا كنتُ ، ولا كانت
مساحة ُعشقي لبحار ِعينيك
ولا ثارتِ النارُ على شفتي
اشتعالا ً بحنيني،، ص 24
في ندوة مركز ثقافي المزة حول الديوان ، تحدث العلامة الشيخ حسين شحادة مدير منتدى المعارف لحوار الأديان من لبنان:((استطاع شاعرنا رنا أن يتحدى غربته ،و في تراتيل سليمان يبدأ الوطن حين تبدأ الحبيبة و الحبيبة الفاتنة هي سوريا )).
د. محمود حيدر من لبنان وصف إبداع ،، الصدي ،، في ،، تراتيل لعينيك ،، ب :(( حالة وجودية عبّر عنها الشاعر بلغة وجدانية )).
د. أمل نصير من جامعة اليرموك ـ الأردن توقّفت عند قضية الشاعر الإنسانية ، :((وهي لديه نوعان : اغتراب جسدي عانى منه الشاعر من حنين لأهله و وطنه ، واغتراب نفسي ، ظهر في اهتمام صاحب ،، سفر الياسمين ،، بالقضية الفلسطينية و العراق )).
تراه ينده :
،،آه فلسطين ، يا أرضَ الأنبياء
فيكِ يُحْتـَضَرُ الوردُ ولكنه لا يموت
فيك تحزنُ القوافي
……..
تشتاقين إلى صباح ٍ
لم يأتِ بعدُ ولكنه سيأتي
في انتظار ِزغرودةِ النـَّصر ِ،،ص 42
كما يبكي بغداد حين أظلمت :
،، بكيتك بغداد ، بكتك جراحاتي
بكاك الغيم والمطر وإله السماوات ..
حين أظلمت يابغداد ….شققت الموج بآهاتي ..،، ص 63
لا تكاد الشام تغيب عن قصائد المجموعة ،حتى يستحضرها بغزل الأمكنة:
،، ياشام ، يا عبق التاريخ ومنبت الأديان..
….
ياشام سقيت من كاسك كل عاشق …
كسرت بلّور الوقت …امتشقت السنان ،، ص 53
كيف لا! وقد لفّه ،،ضياع ،، ص60 :
،، جرّد ني من كل شيء
لكن نسوا أن يأخذوك مني ياوطني
أتيتك. شاكيا شجني ..
هل تقبلني عائدا إليك….أزرع الشمس ..
أشتمّ رائحة التراب وأنحني …
#سفيربرس _ بقلم الإعلامي سعدالله بركات