قراءة نقديّة في المجموعة القصصيّة (قطّة في الطّريق) للكاتب العراقيّ عبد الزّهرة عمارة:
#سفيربرس _ بقلم : ميادة مهنا سليمان

يقول جابر عصفور:
تعتبر القصة القصيرة فنًّا صعبًا”لا يبرع فيه سوى الأكفّاء من الكتّاب القادرين علي اقتناص اللحظات العابرة قبل انزلاقها على أسطح الذاكرة،وتثبيتها للتأمّل الذي يكشف عن كثافتها الشّاعريّة بقدر ما يكشف عن دلالاتها المشعّة في أكثر من اتّجاه.”
* أسلوب الكاتب في المجموعة القصصيّة:
سأبدأ قراءتي للمجموعة القصصيّة(قطّة في الطّريق) من حيثُ أنتهي عادةً، أي من الأسلوب، ومن ثمّ أتطرّق إلى مضامين القصص، فالأسلوب الأدبيّ هو الّذي يميّز كاتبًا عن آخر، ونلحظ في هذه المجموعة القصصيّة بساطة الأسلوب، واقترابه من حياة النّاس، فتشعر وأنت تقرأ شخصيّات المجموعة أنّهم يشبهونك، أو يذكّرونك بأشخاص قابلتهم، أو سمعتهم، وأذكر من ذلك اختيار الكاتب لعادات حياتيّة يوميّة كقوله في قصّة الرّمال الحمراء:
” راحت تمشّط شعرها، وترتدي ثوبًا أحمر، وتضع على وجهها شيئًا من المساحيق..”
بالإضافة إلى ذكر عادات متّبعة في مجتمعاتنا العربيّة، يقول في القصّة ذاتها:
” وسكبت الماء من ورائه وهي تقول: ليحفظك الله”
ويتحدث الكاتب عن عادة مكابرة الذّكور وخجلهم من الفحص الطّبّيّ يقول في قصّة (سلامة):
“تذمر الزّوج أنْ تأخر حمل زوجته
وتخوف من الفحص الطبي”
وذكرَ الكاتب الأغاني كما في قصّة
(العروسة):
تغني المطربة العراقية مائدة نزهة:
“الليلة حنّتهم، وبالبصرة زفّتهم”
“والبنات يُردّدن: البصرة غدت جنّة”
وكما في قصّة أخرى:
“وقفت ماجدة أمام المرآة، وهي ترقص وتغني لأم كلثوم:
خذني بحنانك خذني
عن الوجود وابعدني.. بعيد بعيد”
ونقرأ العبارات الشّائعة في حياتنا اليوميّة:
يقول في قصّة (الفاو تحت النّيران):
“يقول صبري للشيخ:
لا بالعكس أنا أحترم رأيك
وهذه عشرة عمر وليست لعبة”
وفي مكان آخر:
“تعتذر وتعيد المياه إلى مجاريها”
“المسامح كريم”
ويلجأ الكاتب إلى التّلميح أحيانًا بدلًا من التّصريح، في أمور تتعلّق بالأمن وكأنّه يريد أن يصوّر حال العراقيّ الّذي عانى كثيرًا من الظّلم، والاستبداد كقوله في قصّة(دع التّقرير وانصرف):
” واتصل بأمن الجريدة ليقتادوا المحرر
إلى جهة يعرفها العراقيون”
وفي قصّة (قطّة على الطّريق) نراه يصرّح بذلك تقول سلمى:
“إذن أنت مخبر سري وظفتك الحكومة لملاحقتي”
ويأتي على توصيف الحرب بأسلوب مقتضب في كثير من الأحيان، وفي عدّة قصص، وكأنّ لسانَ حاله يقول:
لا داعي لأثقلَ على النّاس فما فيها يكفيها،
فنقرأ قوله في قصّة(الرّمال الحمراء):
“وصلها لتوه من الجبهة حيث حرب الخليج أوشكت أن تندلع”
“الوضع خطير نتحسب في أي لحظة أن يهاجمنا الأمريكان”
“كانت المعركة حامية الوطيس استخدمت فيها حتى الأسلحة المحرمة دوليا”
وفي قصّة (مطاردة):
“كان الوقت صيفا عندما التقيت بصديقي أحمد… بعد غياب دام أكثر من عامين قضاها في ليبيا..بعد الحصار القاتل الذي فرضته أمريكا باسم الأمم المتحدة عام ١٩٩١”
وأيضًا في قصّة (الفاو تحت النيران):
“عام ١٩٨٨ مدينة الفاو تحت النيران
الخنادق المجاورة..الجثث والأشياء…
المركبات المحترقة.. وفوق ساتر القتال مشهد الدمار والموت”
“وكان القصف عنيفا من الطرفين
وأصبحت السماء حمراء من شدة الانفجارات..وكان يوما عصيبا.. رائحة الموت ورائحة البارود وأرض المملحة”
* عناوين القصص ومضامينها:
١. الرمال الحمراء:
يصوّر لنا في هذه القصّة لقاء جنديّ بزوجته الّتي لم يرها منذ شهر، ويصف لنا تأثير الحرب على الحياة الزّوجيّة، ومعاناة كلّ من الزّوجين، ومع ذلك نجد الزّوجة تقول لزوجها حين يهمّ بنزع ثيابه العسكريّة:
” غبار الحرب عطرٌ عندي”
وبعد انقضاء يوميّ الإجازة يغادر الزّوج، ويمتدّ غيابه ثلاث سنوات، فيسلّط الضّوء على وفاء المرأة العربيّة، وانتظارها رغم ضآلة الأمل:
” وذا جئت اليوم إلى دارها، ستجد امرأة كلّلها السّواد…تتضرّع إلى الله أن يجمع شملهما”.
٢. دعِ التّقريرَ وانصرِفْ:
قصّة يمتزج فيها الألم والظّرافة، فهي تحكي عن معاناة محرّر صحفيّ
(عبّاس)حيث يتسلّط عليه مرؤوسه في العمل، وجاء وصف التّسلّط بطريقة تهكّميّة مريرة يقول الكاتب على لسان عبّاس:
” يضيف ويضع دوائر لا نعرف معناها…
يشطب عنوانًا، ويكتب عنوانًا جديدًا.. يضع رسومات…ويمسح رسومات.. أصبحت عادة تلازمه فهو القائد ونحن الجنود..”
ويصفه عبّاس بأنّه يشعر بعقدة نفسيّة انتابته، ففي إحدى المرّات يكتب عبّاس خواطر يسمّيها(همسات دافئة)، فيقوم مرؤوسه بجعل العنوان(همسات ساخنة)، وحين يعترض تكون النّتيجةُ العقابَ، وتصدُّرَ اسمِه في الخبر الأوّل للصّحف.
٣. العروسة:
تكشف هذه القصّة أكاذيب الرّجل حين يحبّ امرأة، فالعريس طوال الطّريق يسمع عروسته كلامًا معسولًا، ووعودًا، وحين تنقلب العربة، يسقط العروسان، وتفقد العروس عينها، فيتخلّى عنها ذو الوعود الخلبيّة قائلًا:
“لا يصحّ أن أرتبط بامرأة عوراء.”
٤. مطاردة:
قصّة ظريفة تتحدّث عن التّسرّع في إطلاق الأحكام، حيث يظلم بطلُ القصّة (رضا) صديقه (أحمد) العائد من ليبيا، حين يسأله رأيَه في فتاة جميلة تمرّ قريبًا منهما، ويلتقيان في اليوم التّالي، فيأتيه أحمد بتفاصيل كثيرة عنها، ويتغزّل بلون عينيها، ممّا يجعل رضا يعتقد أنّه يريدها لنفسه، فيفاجئهُ أحمد بأنّه أخوها:
“أمّا صديقي، فمطّ شفتيه، وقال:
لعنة الله على العصبيّة، لقد كدت تقتلني باسم الحبّ.”
٥. سلامة:
قصّة حبّ جميلة ترينا الرّجل الّذي يقرّر أن يعيش أجمل لحظات حياته مع زوجته، رغم تأخّرها في الإنجاب، ويرينا وفاء الزّوج حين تتوفّى زوجته بعد الولادة، فيسمّي الطّفلة باسمها:
“وبقي حسين يعيش ذكراها كلّما نظر إلى وليدته سلامة.”
٦. شجرة البلّوط:
قصّة تحكي عن قتل الفتاة ظلمًا، لأنّها تزوّجت سرًّا، وما ذلك إلّا بسبب أقاويل النّاس:
” كسبَ أنور في لعبة الدّومينو.. ممّا دفع بصاحبه الخاسر إلى الطّعن بشرفِ أخته، فتكبر الأوهام في رأس أخيها، ويتوجّه إلى منزلها ليطعنها حتّى الموت.”
٧. محاسن:
تحكي عن الأوهام والتّخيّلات، وسعادة المرء في التّخلّص منها.
٨. قطّة في الطّريق:
بالرّغم من أنّها تبدو قصّة عن شابّة جميلة يصفها الكاتب بالقطّة إلّا أنّها تضمّنت بشكل غير مباشر ذكر المخابرات وتصرّفاتهم القمعيّة.
يقول الكاتب:
في مساء اليوم نفسه، استقلّيت أوّل قطار ذاهب إلى بابل لأنجو… من علّة الأصحّاء المجانين الّذين تجنّدهم المخابرات”
٩. رجل لبسَ جلد نمر:
تصف لنا معاناة المرأة مع الرّجل السّكّير، وتغيّر معاملته معها، وصبرها عليه.
١٠. أنت حرّة:
تصف ألاعيب الذّكور للإيقاع بالفتيات
بطريقة مبسّطة، ومألوفة اجتماعيًّا.
١١. امرأة من نار:
الزّواج من اثنتين ومآله حين تغار الضّرائر، وتتنافس فيما بينهما لاستمالة الزّوج.
١٢. وانتهت اللعبة:
الحِيل الّتي تمارسها بعض النّساء الجميلات في الإيقاع برجل، ومن ثمّ سرقته:
” التفتُّ جانبًا فلم أر حقيبتي الكبيرة السّوداء… لدغتني هذه الفتاة.”
١٣. امرأة من هذا الزّمن:
تتطرّق إلى علاقة المدير بالسّكرتيرة وخروجه معها، ومشاكله مع زوجته.
١٤. الفاو تحت النّيران:
وهي آخر قصص المجموعة وأطولها، والوصف فيها مؤثّر، ولا سيّما ضراوة الحرب، وآثارها السّيّئة.
وفيها أيضًا انتصار الحبّ، وتكلّله بزواج صبري من ثريّا رغم كل المعاناة التي مّرت بهما، وتبرّع صبري للعقيد والد ثريّا بكليته
بعد سقوط قذيفة هاون قربه.
ختامًا: أرجو التّوفيق والألق الدّائمَين للكاتب.
#سفيربرس _ بقلم : ميادة مهنا سليمان