حاكمة بلا كرسي .. بقلم : دكتورة . دارين السماوي
#سفيربرس _ بغداد

خرجت من بيتي في هذا الصباح بخطى مثقلة، لم أنم جيدا البارحة فتلك الصور التي صادفتني على شاشة هاتفي و أنا أستقي أخبار اخواننا في فلسطين قضت مضجعي و بقيت تدور في رأسي حتى الصباح.. صور أوجعت قلبي و جعلته يعتصر ألما و خوفا وأملا في نفس الوقت…
أدرت محرك السيارة و أنا أدعو الله لاخواننا في فلسطين بالنصر المبين كنت أسوق بفكر شارد و أنا التي أحاول دائما أن أجعل من السياقة متعة حذرة.. و في طريقي توقفت للحظة حين شاهدة امرأة عجوزا تبيع الخبز على ناصية الطريق، نزلت من السيارة و حييتها بابتسامة طالبة منها أن تعطيني بعض الأرغفة و عرفت بانها تبيع اليوم بنصف الثمن تضامنا مع فلسطين .. نظرت إلي و هي تقلب الخبز قائلة:” و الله يا ابنتي لو كان باستطاعتي أن أبعث بعض الخبز إلى اخواننا في فلسطين لبتت الليالي أعجن و أخبز” شرف كبير أن اساهم في إطعام الأبطال ثم واصلت كلامها في هدوء و قالت:” هل تعلمين أن فلسطين هي أرضنا كلنا و جميعنا مسؤولون عنها ؟ هل تعرفين أنها مسرى رسول الله ؟ و أن من يتقاعس عن مساعدتها و مساندة طوفانها سوف يغضب الله و رسوله ؟”
أرعبتني كلماتها و نظراتها الحازمة فخيل إلي للحظة أن المسجد الأقصى مرسوم على صدرها و في عيناها تلمع قبة الصخرة الذهبية و على جبينها المجعد يرفرف علم فلسطين .. كانت تتكلم بحزم و تجز على أسنانها في أسى و تنظر إلي بين الفينة و الأخرى نظرة عتاب و كأنني مسؤولة لوحدي عن تحرير المسجد الأقصى، جعلتني نظرتها أتساءل للحظات بدت لي دهرا .. هل مسؤوليتي كمواطنة عربية تجاه المسجد الأقصى كبيرة جدا لهذا الحد؟ و هل تتعدى المسؤولية الدعاء و المساعدات التي نبعثها لإخواننا هناك؟ أم هناك آلاف الطرق و الوسائل المساندة إخواننا في فلسطين لكننا نحن المتقاعسون؟
هل يملك كل واحد فينا القدرة على تغيير مصير و مسار فلسطين؟ لماذا لم اتساءل عن كل هذا من قبل؟ هل هي الصحوة التي ترفرف في عقل و قلب كل مواطن عربي هذه المرة؟ لعلها بوادر الفرج تلوح في الأفق ؟ لعل طوفان الأقصى مصر هذه المرة أن يمحق المحتل و أن يحرر أرضه من خطوات دنستها لأعوام طويلة؟ هل ما نلمسه من قوة و اصرار عند إخواننا الفلسطينين و توفيق و سداد هو رسالة من الله لنا جميعا أن هبوا لنصرة قبلتكم؟ هل سنهب هذه المرة هبة مختلفة و كيف سيكون الاختلاف؟ أليس واجبا على أولي الأمر مناأن ينيروا لشعوبهم مصباحا يعرفون به الطريق لتحرير الأقصى؟ هل سيهب الحكام هذه المرة لنصرة مسرى رسول الله و لنصرة اخواننا الذين عانوا سنين طويلة؟ هل ستحلق عبارة “التطبيع خيانة عظمى” في سماء كل دولة عربية كما حلقت بكل حرية في سماء تونس الخضراء؟ أم انها ستمنع من التحليق في سماء العروبة خوفا من عدو لم نجرب ترهيبه يوما؟
نظرت لي بائعة الخبز مبتسمة هذه المرة و كأنها قرأت ما يدور برأسي و قالت: ” أرى طوفان من المشاعر في عينيك و أرى نظرة قوية و مبشرة.. هكذا يجب أن تنظر عيوننا يا ابنتي إلى فلسطين.. هكذا يجب أن تكون أعين أحفاد صلاح الدين.. ثاقبة متحدية لا تخشى اي شي.. ألم تسمعي قول الله عز و جل” ..”(يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون ).. الثبات على المبدأ و عدم الحياد عنه عبادة أجرها النصر و الجبر يا ابنتي.. لا خوف والله معنا و هو القائل عز و جل
(الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل فانقلبو بنعمة من الله و فضل لم يمسسهم سوء و اتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم )
نظرت إليها باستغراب و إعجاب ثم سألتها في فضول ما اسمك يا أمي ؟” نظرت الي مبتسمة و قالت: اسمي” حاكمة” الحاجة حاكمة .. و لكنني بدون كرسي للحكم..
أجبتها في حسرة اسم جميل و انت به جديرة، أنت فعلا حاكمة.. ودعتها و أسرعت الخطى متسائلة في نفسي أي كرسي في بلاد العرب تستحقه الحاجة حاكمة أكثر بكثير ممن يجلس عليه الان… اه يا حاجة حاكمة، ليت حكام العرب يكونون مثلك .. ليتهم يفكرون مثلك، وقتها فقط، سوف تتحرر فلسطين من الاحتلال الغاصب و نتحرر جميعا من سجن الولاء و التبعية و نعود نحن أسيادا كما كنا قبل أن تضرب علينا الذلة و المسكنة… لدي ثقة كبيرة بأن زهرة المدائن سوف تزهر هذه المرة وأننا بإذن الله و باتحادنا ووحدتنا سنكون نحن الغالبون.
#سفيربرس _ بقلم : دكتورة . دارين السماوي
