إعلان
إعلان

دولة الاحتلال الإسرائيلي إلى محكمة العدل الدولية غدا بتهمة الإبادة الجماعية 

#سفير_برس _ هبة عبد القادر الكل

إعلان

ليس من الغلوّ في الكلام أن نثبت وبالترويسة العريضة أن طوفان الأقصى أعاد للقضية الفلسطينية ألقها العالمي، واستطاع أن ينسف حروف وثيقة “هرتسيليا” ومؤتمرها، ويضرب بميزان المناعة والأمن القومي الإسرائيلي عرض الحائط.

لأول مرة في تاريخها الإجرامي وبعد ثلاثة أشهر من تنكيل وسفك للدماء وتدمير شامل للحياة المدنية في غزة، وما قبلها عقود جرائم حرب وعدوان ومجازر مفتعلة من دير ياسين 1948م، مجزرة المسجد الأقصى 1990م، مذبحة جنين 2002م، ومجازر 2008م، 2009م، 2012م، 2014م، ستمثُل دولة الاحتلال الإسرائيلي أمام محكمة العدل الدولية يومي 11 و 12 من يناير/ كانون الثاني الجاري لتُحاكم على إبادتها الجماعية بحق أهل قطاع غزة، بناءً على طلب تقدّمت به دولة جنوب إفريقيا والمكوّن من 84 صفحة موثّقة بالأقوال والأفعال على ارتكاب دولة الاحتلال جريمة الإبادة الجماعية.

دولة الاحتلال الإسرائيلي ومن ورائها “الولايات المتحدة” يدركان حجم وأهمية طلب جنوب إفريقيا المرفوع إلى محكمة العدل الدولية، فاستشاطتا غضبا وخيفة، وأطلقتا الاتهامات والسخريات من “مؤامرة الدم” و “محامي الشيطان” ولم تكتف دولة الاحتلال بذلك بل ذهبت إلى التهديد بأنّ “التاريخ سيحكم على جنوب إفريقيا”.

لم قررت دولة الاحتلال المثول أمام محكمة العدل الدولية؟

المشهور عن دولة الاحتلال الإسرائيلي استهزاؤها وسخريتها بالمؤسسات الدولية، لاسيما والمحكمة الجنائية الدولية التي لا تعترف بسلطتها أساساً ولم تقبل الانضمام إليها لا بل، وتفرض قيوداً على محققيها الجنائيين وتمنعهم من الوصول إلى أماكن الجرائم والتحقيق مع الضحايا والشهود.

إنّ قرار مثولها أمام محكمة العدل الدولية والتي تعد “المحكمة العالمية”، لا يمكن تفسيره من احترامها للمحكمة أو أنها تسير خلف القانون الدولي، فهذا منها لبعيد ولكن، جاء امتثالها لكونها من الدول الموقّعة على اتفاقية الإبادة الجماعية، لذلك هي مُلزَمة بإرسال ممثلين عنها إلى المحكمة وأمام العالم، وحسب المادة (9) من اتفاقية الإبادة الجماعية التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1948م، يمكن مقاضاة “إسرائيل” أمام المحكمة كدولة ترتكب جريمة الإبادة من قبل دولة موقعة على الاتفاقية، وكلّ من دولة الاحتلال وجنوب إفريقيا موقعتان على الاتفاقية، فلا يمكنها أن ترفض المثول بحجة عدم شرعيتها كما كانت وما زالت تفعل مع المحكمة الجنائية الدولية، فمحكمة العدل الدولية هي الجهاز القضائي للأمم المتحدة ولها مكانة دولية. 

يأتي تخوّف دولة الاحتلال الإسرائيلي من تبعات هذا الادعاء وما يشكّله من خطر سياسي ودولي وقانوني عليها من جهة، ولما له من تأثير على الرأي العالمي عليها كدولة لا أفراد من جهة أخرى، فالمُحاكَم غداً هو “إسرائيل” وليس نتنياهو أو أحد القادة العسكريين الإسرائيليين.

لذلك قامت دولة الاحتلال عبر خارجيتها ورئاسة حكومتها بإصدار تعليمات لسفاراتها في البلدان المضيفة لها، وحشّدت ضغطاً دبلوماسياً وسياسياً لإصدار بيانات ضد دعوى جنوب إفريقيا، لمنع إصدار أمر قضائي بارتكابها الإبادة الجماعية في قطاع غزة، وأنّ جيش الاحتلال الإسرائيلي يعمل وفق القانون الدولي، حسب ما كشفته البرقية التي حصل عليها موقع “Axios”.

 كما ذهبت إلى أبعد من ذلك عبر استسلام رئيس حكومة الاحتلال “بنيامين نتنياهو” إلى اختيار أكبر معارضيه وحكومته “أهارون باراك” الرئيس السابق للمحكمة العليا الإسرائيلية ليذهب إلى “لاهاي” لتمثيلها في فريق القضاة، متجاوزة الخلافات الداخلية، ظنّاً منها أنه الشخص الأنسب في التمثيل، لما له من باع طويل في تشكيل طوق النجاة لأمن دولة الاحتلال، وخبرته بالقانون الدولي وحكمه بقضايا تتعلق بالاحتلال والنزاعات والجيش والاستيطان والاغتيالات لصالح الكيان المحتل.

ما العقبات المتوقعة غدا لإصدار قرار يحكم على إسرائيل بارتكابها جريمة الإبادة الجماعية في قطاع غزة؟

إنّ إثبات جريمة الإبادة الجماعية يحتاج إلى توافر عنصرين كما يقول الخبراء الدوليين:

الأول: وجود أعمال تُصنّف على أنها إبادة جماعية، والثاني: وجود “النية”، أي نية الإبادة.   

 وبالرغم من أنّ العنصرين متوافران عند دولة الاحتلال الإسرائيلي من أفعال وأقوال عبر تصريحات قادتها ووزرائها السفّاحين من فرض حصار كامل على غزة، محو غزة، والتهديد بقنبلة نووية… الخ، إلا أنها ستلف وتدور في لاهاي حول النية والإبادة، تحت حجة “الدفاع عن النفس” عبر ملفات مُضلّلة ومزوّرة كملف الاغتصاب واتخاذ المقاومة المدنيين دروعاً بشرية وغير ذلك من حجج واهية لا يقبل بها عاقل، أو قد تذهب إلى أنّ كلام المسؤولين وتصريحاتهم لا يمثلا دولة الاحتلال.

ومن العقبات: رئيسة المحكمة “جوان دونوغو” الأمريكية الصهيونية، والتي تملك تاريخا طويلا في السياسية الخارجية الأمريكية، فالعقبة تكمن في أنه إن أصدرت قرار الإبادة، فهذا يعني أنّ دولتها ” الولايات المتحدة” وكل الدول الداعمة للاحتلال مُتّهمة بدعم الإبادة، فهل ستقبل بأن يمثل رئيس بلادها بايدن ونتنياهو وكيربي وغيرهم من كبار القادة الإسرائيليين والأمريكيين والأوروبيين أمام المحكمة الجنائية الدولية بتهمة التواطؤ ودعم الإبادة الجماعية بحق سكان غزة، وبالتالي إصدار أوامر باعتقالهم وملاحقتهم جنائياً.  

لذلك جاء طلب جنوب إفريقيا بتعيين قاض مراقب خاص لمراقبة سير قرار المحكمة والحفاظ على الإجراءات القانونية من أي عبث سياسي أو مساومة قضائية هذا من جهة، ومن جهة أخرى تعلم جنوب إفريقيا أن إقرار المحكمة بالإبادة قد يستغرق سنوات طويلة كقضية الإبادة الجماعية التي شهدتها البوسنة والهرسك عام 1995م والتي ثبتت ضد صربيا عام 2007م، فقامت بتقديم طلب إلى محكمة العدل الدولية ينص على إصدار أوامر مؤقتة وعاجلة تُلزم دولة الاحتلال الإسرائيلي بتعليق عملياتها العسكرية على الفور في قطاع غزة ووقفها إلى حين النظر بالقضية.

في حال صدر قرار محكمة العدل الدولية بوقف إطلاق النار (الأمر الذي ترفضه دولة الاحتلال حاليا) وإدخال المساعدات الإنسانية ورفضت دولة الاحتلال الامتثال للقرار أو قد تتجاهله كما تجاهلت قرار هدم جدار الفصل العنصري في القدس عام 2004م، مع العلم أنّ قرار المحكمة مُلزم نظريا وغير قابل للاستئناف، فسيُرفع إلى مجلس الأمن، حيث الفيتو الأمريكي، وإن لم يستخدم قرار “الاتحاد من أجل السلام” عندها سيبصق العدل على المحاكم الدولية والمؤسسات الأمنية الغربية ويتفل التاريخ على دعاة الإنسانية.

وبغض النظر عن ما سيجري وسيحدث في لاهاي غدا، فإنّ رفع جريمة الإبادة الجماعية ضد دولة الاحتلال الإسرائيلي سيُجّل في ملفاتها الإجرامية وتاريخها الدموي بحق الفلسطينيين، وسيبعث برسالة إلى دولة الاحتلال ومن ورائها مفادها: 

إنّ صورتكم الحقيقية قد فُضحت وتكشّفت أمام الرأي العام العالمي، وأنّ العالم لن يتسامح مع انتهاكاتها وجرائمها، وسيبقى يسعى إلى محاسبتها وملاحقتها بالقانون والمقاومة. 

#سفير_برس _ هبة عبد القادر الكل

إعلان
إعلان

رئيس التحرير

محمود أحمد الجدوع: رئيس تحرير صحيفة سفير برس. صحيفة سورية إلكترونية، يديرها ويحررها فريق متطوع يضم نخبة من المثقفين العاملين في مجال الإعلام على مختلف أطيافه, وعلى امتداد مساحة الوطن العربي والعالم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *