كتب منذر يحي عيسى : “صراع المركز والأطراف ” في رواية (حلم مؤجل)
#سفير_برس

تطرحُ الروائية فائزة داؤد في روايتها (حلم مؤجل الصادرة عن دار الولاء لصناعة النشر في بيروت – لبنان عام 2021م، والتي جاءت على امتداد مئتي صفحة من القطع المتوسط وبطباعة أنيقة، قضايا مسكوت عنها نراها في القراءة التالية:
أولاً: في الغلاف كعتبة للدخول إلى الرواية جاء معبراً عن مضمونها، بالأبيض كخلفية كاملة مع لوحة بالأسود لتجمع بيوتاً كان من المفروض ان تحمل طابع الريف والبساطة حيث تعبر عن مسرح الرواية، ريف مدينة بانياس ومدينة بانياس، ولكن لم تكن أشكال البيوت مطابقة للواقع حيث يندر أو لا توجد بيوت بأسقف مائلة أو قرميدية، حيث البيوت في ذلك الزمن مبنية من الحجارة غير المهذبة والأسقف من الخشب والطين، ويلاحظ في اللوحة قطعان غيم في الأفق ترمز إلى العنوان (حلم مؤجل) جاء مناسباً ومطابقاً لمضمون الرواية، حيث أن الفكرة الرئيسية هي حلمٌ يراود البطل الرئيسي في الرواية (حليم سليمان) وهو الانتقال من طبقة الفلاحين المسحوقة والمسلوبة الحقوق إلى طبقة التجار التي تستغل جهد الفلاحين وتسلبهم تعب وجهد أيامهم ولياليهم.
ثانياً: جاء العنوان باللون الأحمر على الخلفية البيضاء واللوحة السوداء، مما خلق تضاداً ملفتاً للنظر ومعلوم دلالات اللون الأحمر بصرياً، فهو لون قوي، له دلالات إيجابية وسلبية، إيجابياً يمثل اللون الأحمر القوة والعاطفة والثقة، وسلبياً يمثل الغضب أو الحذر أو الخفر، في كلا الحالتين يمكن توظيف اللون وقد حصل في غلاف الرواية والتي حملت مضامين مشرقة ودافئة حيناً وحيناً آخر تعملُ على إثارة مشاعر قوة لدى القارئ من خلال أحداثها. كما يمكن أن يقرأ اللون الأحمر بربطه بالغضب والانفعال والقوة، كما يربطه علم النفس بالمشاعر الجياشة، والطموح والأحلام المشتهاة حتى أن استخدامه في الإعلانات التجارية يرمز إلى القوة والشهرة، وهذا ينطبق على العنوان الذي هو حلمٌ قوي دفع بطل الرواية إلى اقتحام مساحات غير مخصصة له ولطبقته ولا يفوتنا الإشارة إلى رمزية الأحمر وإشارته إلى الخطورة والتحذير والتأهب وبرأيي جاء العنوان موفقاً ومناسباً لمضمون الرواية.
ثالثاً: في مضمون الرواية استطاعت الروائية (فائزة) اقتحام منطقة خطرة لم يتم دخولها كثيراً في الأعمال الأدبية، لأسباب عديدة منها: الخوف من مواجهة واقع مظلم، أو عدم الرغبة في إثارة مياه راكدة، تحريكها قد يؤدي إلى انتشار روائح عفونة طال عليها الزمن، وبرأيي أن عدم إثارتها والدخول إلى مناطقها المظلمة، هي محاولة للإبقاء على حالة التوازن القائمة اجتماعياً، لكن الحرب الأخيرة على سورية أبرزت أن هذا التوازن كان هشاً وقابلاً للكسر عند أول مطبات تعترض مسيرة مركبة المجتمع.
الفكرة الأساسية في الرواية هي عرض للصراع بين مكونات الريف وما تعانيه من اضطهاد وظلم وتراكم عبر عصور طويلة بين المدينة التي تحوي طبقة تمسك وتتحكم بناس الريف وأرضه وتسخرهما بشكل كامل لخدمتها، ليس تسخيراً وإنما ذلٌ وإهانةٌ واحتقارٌ مما أدى إلى انفجار حصل في كل المجتمعات، وقد أثمر ولكن ذلك لا ينفي وجود الظلم والفوارق حتى الآن.
في الواقع إن العلاقة بين الريف والمدينة والفوارق بين المجتمعين، كانت ومنذ عصور سحيقة قضية بحث ودراسة وتفكير في كل أنحاء العالم، وقد تمحورت أحداث الرواية بكاملها حول هذه الفكرة الجدلية.
يعود تاريخ الصدام بين الريف والمدينة إلى أزمنة سحيقة منذ عصر سدوم وحمورابي وروما القديمة وصولاً إلى مدن اليوم، وقد تواصل التقليد الثابت في وصف المدن وضواحيها، بأنها معاقل الفساد والرذيلة والجشع والغطرسة والطفيلية، وفي المقابل وصف سكان الريف في كل العالم بالغباء والجهل والسذاجة، وهناك الكثير من الألقاب والأسماء تطلق عليهم في كل لغات العالم، وجاءت الثورة الصناعية لتخلق هجرة مستمرة من الأرياف إلى مراكز المدن ليشكلوا عمالة رخيصة، وهذا ما ينطبق على دول العالم كلها من خلق صراعاً تاريخياً بين النخب المالكة وهؤلاء النازحين من الأرياف أو سكان الأرياف الذين لا يملكون سوى قواهم العضلية وهذا ماخلق ضرباً من الصدام الداخلي بين الاحتياجات الاقتصادية للفلاحين وحاجة المالكين أو سكان المدن.
استطاعت (فائزة داؤد) في روايتها هذه اقتحام هذه المنطقة المظلمة والمسكوت عنها ولكن ليس في الوقت الراهن وإنما قبل ما ينوف عن النصف قرن الرواية تعرض لفترة ستينيات القرن العشرين والإرهاصات التي سبقت قيام ثورة 8آذار 1963 في سورية، وامتداداً حتى قيام الحركة التصحيحية في عام 1970، هذا من حيث زمن الرواية أما من حيث مكانها ومسرح أحداثها، فيمكنني القول وبوضوح أنه ليس مسرحاً مفترضاً وإنما مكاناً معروفاً جغرافياً وهو بعض القرى الريفية الجبلية المحيطة بمدينة بانياس ومدينة بانياس الساحلية.
أحداث الرواية ككل المنجزات الإبداعية يساهم فيها خيال الكاتب بصنع هذه الأحداث وفق رؤيته ورؤياه وأهدافه وما يحمله من قيم ومبادئ ولكن في روايتنا هذه هناك بعض الأحداث الواقعية التي حدثت وشكلت مرتكزاً لأحداث أخرى افتراضية، حيث وظفتها الروائية بأحكام من أعطى للرواية مصداقية خاصة، وصفتها في مصاف الروايات الواقعية.
تبدأ الرواية بكلمة مفتاحية (طورروق) يستخدمها أهل المدينة موجهة للوافد من الريف وتعني أو هي طلب منه بأن يغض بصره أو يخفضهُ بحيث ممنوع عليه أن يرفع رأسه، وهنا قمة الاضطهاد والاذلال بحيث تكون النتيجة مقتله ومقتل ابنه بمسدس كبير التجار لأنه لم يسمع الطلب، ومجموعة العتالين والحمالين والذين يلعبون في نفس الوقت دور القبضايات، الفلاح القتيل هو (عابد مصطفى) الذي خالف قانون السوق، وسار بدايته في وسط السوق ولم يغض بصره.
(حليم سليمان) بطل الرواية شاهد ما حصل، وكان ضحية أربعة بلطجية، وذلك لأنه رأى، وهذا حال كل فلاح في سوق الخضار. سمح له بنقل جثة الفلاح إلى قريته وقد رمى له (عبد الجبار الزلمي) كبير التجار دية الفلاح وهي ثلاثة آلاف ليرة.
(حليم سليمان) لم يكن أميناً وبالتالي لم يوصل الدية إلى أهل القتيل وبدأت الأحلام تراوده لاستثمار هذه النقود لصالحه، مع محاولته تزوج أرملة القتيل والتي رفضت عرضه.
يستمر في عمله الزراعي المتعب مع باقي الفلاحين كما يستمر في بيع المحصول الذي يسرقه الحمالون والتجار في سوق الهال.
ويقع حليم في صراع مع ضميره حول مصير النقود وواجب تسليمها ولكنه يستسلم لإغواء الشيطان ويبعد نداء الضمير.
مع طرح تساؤلات عديدة تؤرقه على الفوارق بين الفلاح وطبقة التجار وتلك العلاقة التي تشبه علاقة السيد بالعبد واستحضار قصة قابيل وهابيل ونذرهما وعلاقة السماء بذلك الأمر وبدون إجابة شافية.
ويستمر صراعه مع الأرض وما تنتج من جهة واضطهاد التجار من جهة أخرى، ويحلم بامتلاك دكان ليكون تاجراً ويستمر حلمه وذلك للانتقال إلى طبقة أخرى ويكبر هذا الحلم كلما رأى حالة إذلال للفلاحين من قبل التجار والحمالين، والنظرة القذرة للفلاحين بأنهم أقرب للحيوانات وبأن لهم ذيولاً تحت ثيابهم.
كما أخمد هو وزوجة عابد فكرة الانتقام ومهاجمة سوق الخضار فعابد ليس أول فلاح يقتل.
كما يستمر صراعه مع حلمه بشراء دكان والخوف من افتضاح أمره، واختار أن يعمل عتالاً في السوق أولاً. تحصل حادثة اختطاف ثلاثين طالباً من أبناء الفلاحين بعد خروجهم من ثانوية (بيت ال ) في المدينة المجاورة في العام 1964م وبالتالي فهي زمنياً بعد قيام ثورة الثامن من آذار والتي أوصلت حزب البعث العربي الاشتراكي إلى الحكم ومقاومة الانفصاليين والقوى اليمينية لها حيث هاجم ملثمون (حي المروج) وهجروا سكانه مع قيام مظاهرات في أحياء مختلفة من المدينة وذلك بسبب التحريض الخارجي على ثورة البعث واتهامها بالكفر والزندقة.
تجمع الفلاحون في محاولات للبحث عن الطلبة المخطوفين، ولاقوا هجوماً من جهة مجهولة عجزوا عن تحديدها، والتي ظهر فيما بعد أن (عبد الجبار الزلمي) هو من أعطى الأوامر بخطفهم خوفاً من تظاهرات يمكن أن تدمر سوق الهال. لكنهم خطفوا من قعل (تنظيم الاخوان المسلمين)، ثم الإفراج عنهم من سجن القلعة من قبل الجيش تستعرض الروائية في هذه المرحلة الصراعات بين الناصريين وتنظيم الاخوان المسلمين وأصحاب الفكر الوحدوي وانسحب الناصريون من المظاهرات التي تطالب بحكومة انتقالية تسقط حكم البعث، وذلك بعد شعورهم بسيطرة الاخوان على الحراك.
تغير بعد ذلك قانون العمل في سوق الهال مع مراهنة على انقلاب قادم لصالح التجار والجهاديين.
وبالنسبة لـ (حليم سليمان) فقد عاد حلمهُ للتوهج بامتلاك دكان دون جدوى.
سادت حالة من التوازن بين أهل الريف والمدينة فثمن ما يباع من خضار وفواكه يعود لجيوب التجار من خلال بيع السلع الأخرى لأهل الريف.
وكان القرار الحاسم لحليم هو العمل /عتالاً/ والسكن في المدينة في (حي المروج)، وحصل لغط في قريته عن مصدر أمواله.
هي محاولة جادة منه للانتقال إلى طبقة أخرى وقتل الفلاح بداخله، وبدأ العمل بأخلاقية مماثلة لمن يعملون في هذه المهنة التي تفارقها الأخلاق نهائياً في هذه المرحلة ازدادت الهجرة من الريف إلى هذا الحي (حي النرجس) ومن المهجرين أرملة عابد مصطفى وولديها، مما حمل حليم عبئاً جديداً وتذكيراً دائماً بدم (عابد):
(خنسا) أرملة عابد رفضت العمل بالزراعة وانتظرت بعد إيداع ولديها المدرسة، الفرصة المناسبة لتقودها للعمل في توزيع مشغولات نسيجية من مشغل صغيرة على بيوت الأغنياء.
قادت الفرصة بعد تركها كصاحبة المشغل إلى منزل فخم يملكه فلسطيني يعمل في شركة الـ (I p c) ولا ينجب ليتم الاتفاق على أن تحمل منه مقابل خمسة آلاف ليرة ويقوم هو بالإشراف على أولادها بعد أن تقيم لديهم حتى الولادة يحصل ذلك وتعود في نهاية الأمر لتصاب بنزيف يفقدها حياتها وما تحمله من نقود.
يمكنني هنا أن أعتبر أن ذلك هو حالة رمزية للعلاقة بين الدولة السورية والقوى الفلسطينية وحالات الغدر التي حصلت.
أشارت الروائية إلى هذه الأحداث حصلت في العام 1967 وما بعدها حيث حصلت نكسة الخامس من حزيران وما رافقها من تظاهرات في الشارع العربي تنديداً بالهزيمة، وقد أصاب (حي النرجس) التدمير جراء مهاجمة (الاخوان المسلمين) للحي محملين سكانه مسؤولية هزيمة حزيران وبلا منطق ولكن سكانه من الفلاحين تحلو بالصبر وتغلبوا على ضنك العيش بصناعات بسيطة وكذلك تشجير الحي ومن أوائل العائدين للحي (حليم السليمان) واستمرار حلمه القديم.
يستمر الحراك المعارض في الشارع ويتعرض أبناء الفلاحين من الطلبة للإذلال والتعذيب من قبل أفراد مجندين من قبل تنظيمات ظلامية، مما يجعل مجتمع هذه المدينة غير مستقر، مما ينعكس خوفاً وهلعاً علىالطلبة وعلى أحلامهم وتحصينهم، مما دفع بعضهم إلى المقاومة والرد بنفس الطريقة التي لا تلقى قبولاً عند الكبار مما ردعهم عن الاستمرار في ذلك، لأنها من مهمات الدولة وليس الأفراد.
حاول العقلاء دفع الطلاب للتعرف على مهاجميهم وحوارهم ولكن ذلك لم يجد نفعاً حيث كانوا يتحدثون معهم بطريقة تجار سوق الهال مع الفلاحين.
كل ذلك يتم بمحاولة من التجار وأصحاب النفوذ على إبقاء العلاقة التي يعود تاريخها لمئات السنين كما هي عليه:
وتظهر الروائية حالة الصراع التي يعاني منها كبير التجار (عبد الجبار الزلمي) وهو يرى امتداد الفلاحين وتمددهم في مدينته وكذلك الحالة الجديدة التي فرضها سكن موظفي شركة (I p c) ونمط الحياة الباذخ والماجن والمخالف للشرع الذي يعيشونه أوضحت الروائية بدقة من خلال مجريات الرواية كيف حصل التغيير الديمغرافي في أحياء المدينة مما سيفرض مستقبلاً حالة جديدة من العلاقات بين السكان وهو ما حصل فيما بعد في المدينة.
عرضت الروائية أيضاً للمعاناة التي تعرض لها أبناء الفلاحين من التمييز في المعاملة في مدارسهم بسبب جذورهم الريفية وكيف انعكس ذلك سلباً على حياتهم بقي حلم (حليم سليمان) بامتلاك دكان يراوده وكان العائق الأساسي (عبد الجبار الزلمي) الذي منع أياً كان من بيعه دكاناً، وهو يضمر ويراهن على تغير الأوضاع وفق مفهومه إلى الوراء.
يمزق بغضب عقد بيع قطعي لدكان اشتراه /حليم/ والذي يرفع صوته بوجه سيد السوق، الذي يخرج مسدسه مصوباً إياه إلى حلقه مروراً (لو عرفت أن أبي أو أحد أجداده كان فلاحاً لقتلت نفسي).
وهنا يهجم حليم ويلطمه على قبضته فتخرج طلقة ويموت. يهرب حليم خوفاً من القبضايات نحو المخفر مسلماً نفسه ومعترفاً بقتل (عبد الجبار الزلمي) دون شهود على الواقعة يزج في السجن ودون محاكمة مع راحة ضمير لتخلصه من الشاهد الوحيد على استلام دية القتيل (عابد) والتي لم يسلمها لأرملته.
يتزامن ذلك مع موت (جمال عبد الناصر) ويعم الحزن كل أحياء المدينة وتشير الروائية هنا إلى أن الحزن سببه تلاشي حلم البسطاء باستعادة سيناء والجولان ولواء اسكندرون وطرد اليهود من فلسطين وهي شعارات كان يرفعها (عبد الناصر) البطل القومي.
وتبدأ رحلة (مطيعه) زوجة (حليم) بالبحث عنه حتى يحصل اللقاء والذي يشّجعها خلاله على إغواء الحاكم بجسدها لإطلاق سراحه وهنا تشير الروائية بوضوح إلى عقلية انتهازية للحاكم (حليم) والذي يقبل حتى بإراقة شرفه لتحقيق ما يحلم به. لكن الحاكم ينصرف عنها، وتتكرر زياراتها مع لباس إغواء، حتى يتم اغتصابها من قبل بلطجي على شاطئ البحر وتبدأ رحلة عذابها مع شرفها المهدور وإصرار (حليم) على إثبات ملكية الدكان بوثيقة أصبحت نتفاً ولا شهود على عقد البيع أو تمزيقه. دون أن تردعه خيالاته عن رحلة زوجة (مطيعة) اليومية إلى السرايا وصور اغتصابها من قبل الفيضانات في السوق الذي يشهد بشكل دائم حوادث اغتصاب لنساء الفلاحين وهذا تأكيد على العقلية الانتهازية والوصولية، تذكر الروائية لجوء (مطيعة) إلى ارتداء ثوب أخضر كان يغطي ضريح أحد أولياء قريتها وهي ترمز بذلك إلى لجوء (مطيعة) إلى الغيبيات لحل مشكلة زوجها ولكن ذلك لا يقنعه فينصحها بارتداء ثوبها الأحمر الذي يظهر بعض مفاتنها ممعناً بذلك في خسته وتخليه عن شرفه ليحقق حلمه.
في هذه الفترة الزمنية (1970) يصدر مرسوم رئاسي بالعفو عن جميع المعتقلين لأسباب لا تتعلق بالسياسة وخرج حليم من السجن وسمع بعبد ناصر جديد أصبح رئيساً لسوريا. والمقصود هنا هو قيام الحركة التصحيحية ووصول الرئيس حافظ الأسد إلى رأس السلطة وهنا تبدأ مرحلة جديدة من تاريخ سورية الحديث، وتتوقف أحداث الرواية معها، مع توقف دغدغة الأحلام لفئة معينة بحلم انقلابات جديدة وبالتالي التحضير لنمط جديد من المعارضة ومعاكسة التيار الجديد، وانكفاء حلم (حليم) بامتلاك دكان في السوق وكذلك حلمه بانقلاب جديد ليحقق ما يطمح إليه دون أن يدرك ما يعنيه ذلك.
استطاعت الروائية فائزة داؤد أن تعالج من خلال روايتها (حلم مؤجل) قضية هامة جداً وهي العلاقة بين الهوامش والمركز وبشكل آخر العلاقة بين الأرياف والمدينة، والصراع الطبقي والحلم الذي يراود أفراد الطبقات بالانتقال إلى طبقة أخرى ولكن في حالة بطل الرواية هنا نلاحظ أنه سلك مسلكاُ غير أخلاقي بدأ بخيانته لابن قريته الذي كان شاهداً على موته وانكاره للدية وعدم إيصالها إلى أرملة القتيل إضافة إلى استخدام وسائل لا أخلاقية تمس الشرف لكي يتوصل إلى مبتغاه، أو تغيير نمط حياته وبالتالي سقوطه وبقائه على الهامش.
وقد ركزت الروائية من خلال الأحداث التي عالجتها وبعضها حقيقي والبعض الآخر متخيل على أهمية العلم في معالجة أمراض الواقع والانقلاب من خلاله على الواقع الفاسد وتحقيق العدالة المرتجاة.
للأسف الشديد ورغم حالة الاستقرار في سورية والابتعاد عن الانقلابات والتي استمرت حوالي ثلاثة عقود إلاّ أن الصراع لم ينته بين المركز الأرياف، رغم التغير الديمغرافي الذي حصل بعد حالة الاستقرار وذلك من خلال تنظيمات مرتبطة بأجندات خارجية هدفها ضرب استقرار سورية، وإعاقة عملية البناء والازدهار وتحقيق العدالة الاجتماعية، مما أدى لظهور جماعات تتبنى فكراً ظلامياً تطل برأسها بين الفنية والأخرى، إضافة إلى مساهمة حالة الفساد والفاسدين ممن تسلقوا ووصلوا إلى مواقع القرار وبالتالي ساهموا بالتخريب من الداخل، والدليل على ذلك ما حصل في ثمانينات القرن الماضي، وما جرى في العام 2011 والحرب الظالمة على سورية، وما حصل من خراب ودمار وحصار وتغوّل الفساد وانعكاس ذلك على الحالة المعيشية للمواطن، والعدد الكبير من الشهداء والدماء للإبقاء على وحدة التراب السوري قامت الأديبة فائزة داؤد بدور السارد للأحداث أو يمكن القول بدور الراوي، وقد اختلف النقاد حول هذين المصطلحين، وذلك من زاوية مكان وجود الراوي، وليس المهم تحديد المصطلح أضيف إن هذين المصطلحين وجدا بسبب الترجمة طالما استطاعت الأديبة إيصال الأحداث والأفكار إلى القارئ دون تدخل منها، فجاء موقفها حيادياً كما يبدو دون أن تظهر تعاطفاً مع أيّ من شخوص الرواية وهذا برأيي يسجل لصالحها، رغم أن لها أفكارها ومبادئها التي تحملها وتؤمن بها.
كما يسجل وبوضوح للروائية القدرة على التعبير عن الحالة النفسية لأبطال القصة مما يدل على ذخيرة من علم النفس السلوكي.
كما ربطت بين السلوكيات البشرية والأفكار الغيبية التي كانت سائدة في ذلك الحين وما تزال، وتأثير هذه الأفكار على السلوك مع إظهار بعض حالات من التمرد عليها إذا ما تعارضت مع المصلحة الشخصية كما يمكنني القول أن الأديبة في روايتها قد لعبت دور الراوي العليم حيث أثبتت خبرتها بنمط الحياة في الأرياف ومعاناة الفلاح مع الأرض والطبيعة ومع المدينة التي كان عليه عند دخولها أن يتخلى عن كرامته وشعوره الإنساني وهي حالة معروفة في كل مدن سورية ونظرة الاحتقار للفلاح والتقزز منه سلوكياً ولفظياً وتصنيفه بأنه أقرب إلى الحيوانات (له ذيل).
كما كانت الروائية على دراية واضحة بتسلسل الأحداث العسكرية والسياسية على البلدة وانعكاس هزيمة حزيران على المواطن. وهزيمته من الداخل ومحاولته التمسك والبحث عن شخصية قائد أو مخلص.
استمدت الروائية لغة سرد حافظت على السوية الأدبية دون الهبوط إلى مستوى يسيء إلى المنجز الأدبي رغم أن بيئة الرواية هي الريف وهامش المدينة فقد اقتصرت وبشكل محدد على عدد قليل من المفردات العامية المتداولة.
جاءت الرواية بطباعة أنيقة ودون أخطاء في الطباعة أستطيع القول وبشكل نهائي، كما أن الأخطاء اللغوية نادرة ويسجل للرواية والروائية أنها تناولت حقبة من تاريخ بيئتها الساحلية ندر أن كُتب عنها، وهي تعتبر من المحرمات والتي لم يتم تداولها إلاّ في الروايات الشعبية وذلك كنوع من التقنية أو محاولة الحفاظ على التوازن الاجتماعي الذي عانى من الخلل كثيراً أخيراً لا بد من التذكير بأن الأديبة فائزة هي:
عضو في اتحاد الكتاب العرب
عضو جمعية القصة والرواية
عضو مجلس اتحاد الكتاب العرب
صدر لها:
في الرواية
1-طريق العودة
2-العرمط
3-رجل لكل الأزمنة
4-جنة عدم
5-ريح شرقية
6-حلم مؤجل
في القصة:
1-ثم اعترفت
2-رجل الرغبة الأخيرة
3-المقنع
4-في تمام السادسة إلاّ ثلاثين
5-ذاكرة البياض
دراسات أدبية
1-على أجنحة الخيال
2-في أدغال الخيال
بانتظار المزيد من إبداعات الأديبة فائزة داؤد وبانتظار تحقيق الكثير من الاحلام المؤجلة، ولكن وللأسف يبدو أن الصراع مستمر بين المركز والهوامش.
وأيضاً بانتظار حلول يبدو أنها مؤجلة
#سفير_برس _ بقلم : منذر يحيى عيسى
عضو اتحاد الكتاب العرب