الواقعية في أدب السجون _ هويدا محمد مصطفى
#سفيربرس

-يعد أدب السجون نمطاً خاصاً في الكتابة الشعرية والسردية يحمل طابعه الخاص الذي يتسم بالوجع والمرارة والحسرة لما يتعرض له السجين ولاسيما السجين السياسي من مضايقات وتعذيب وتنكيل لذلك فهو ينبع من رحم معاناة الكاتب أو الشاعر وإذا كانت الكتابة عملية اكتشاف دائم فإن أدب السجون يخرج الخبء من أعماق الدهاليز المظلمة ويضعنا أمام سدم تكمن خلف القضبان لا عهد لنا بطبيعة تكوينها فهو جريان الماء في مزاغل الحياة وممراتها المعتمة
والكتابة عن السجن سواء كانت من داخل السجن أو من خارجه تمثل تجربة خاصة لا يدرك كنهها سوى من خبر المكان (السجن) وعانى قسوته لذلك فإن هذا النوع من الكتابة يعد من الصعوبة بمكان على من لم يذق طعم السجن ويعاني الحرمان من حريته.
إبداع رغم المعاناة..؟!
هكذا يقول :الكاتب والشاعر حبيب الإبراهيم
يُعدُ أدب السّجون من فروع الأدب الهامّة، والتي تسلّط الضوء على كتابات متعددة ومتنوعة كتبها أدباء ٌ من خلف القضبان، رغم حجم المعاناة التي يعيشها السجين، معاناة لا تتوقف عند حجز الحرية، إنّما تتعداها إلى الشعور بالقهر والظلم والألم النفسي ، لذلك جاءت كتابات السجون أكثر دقّة وواقعيّة ومصداقية، كتابات تنداح منها العاطفة والشعور بالقهر والحرمان بعيداً عن أيّة طقوس كتابيّة معروفة.
ورغم حجم المعاناة من قهر ٍ وتعذيب وحرمان داخل السجن،ويتابع موضحاً إنّ كتابات السجون على تنوّعها : رسائل، يوميات، مذكّرات، مقالات، روايات، أشعار…. هي الأكثر حضوراً وجذباً للقرّاء، ولعلّ تجارب الأدباء الفلسطينيين الذين زُج ّ بهم في سجون الاحتلال الصهيوني لسنوات من أغنى التجارب إبداعاً وتعبيراً لمعاناة طويلة، معاناة معمّدة بالدّم والدّمع والقهر والحرمان.. معاناة إرتبطت بقضية وطن وقضية شعب ما زال يناضل بكلّ السُبل لنيل حريته وإستقلاله.
وما من أديب أو شاعر فلسطيني إلّا وذاق مرارة الأسر والسجن والتنكيل والتعذيب وحرمانهم من أبسط حقوقهم الثقافية والإنسانية، فعملوا على تأمين الورقة والقلم بوسائل شتّى، ولعل كتابات محمود درويش وسميح القاسم وتوفيق زياد وغسان كنفاني من أكثر الكتابات حضوراً ليس في المشهد الثقافي الفلسطيني والعربي فحسب إنّما تعدتها إلى المستوى العالمي والإنساني.
ويضيف أما على الصعيد العربي فقد كان أدب السجون حاضراً على أكثر من صعيد، ولعلّ من كتب من خلف القضبان، قد أضاف لمسيرة الإبداع من شعر ونثر ومذكرات ويوميات وروايات و… مداميك جديدة رغم المعاناة، ومن أبرز الكتّاب عبد الرحمن منيف في (شرق المتوسط)، الروائي صنع الله إبراهيم ( تلك الرائحة)، الطاهر بن جلون ( تلك العتمة الباهرة)، فاضل العزاوي ( القلعة الخامسة) الشاعر أحمد فؤاد نجم (في ديوان الفاجومي)، وغيرهم مما أثرى المكتبة العربية بأنواع جديدة من فنون الأدب ، وشكّل قيمة مضافة لمسيرة من كتب في هذا الجانب رغم المرارة والحزن والقهر والعذاب النفسي.
من جهته يقول: الناقد والكاتب عبد الحميد آل كلوت
أدب السجون هو رافد مهم من روافد الأدب العربي يُسهم في إنشائه الرجال والنساء ، هو الكتابات الأدبية التي يُصَوِّر فيها السجين حياة السجن من خلال توثيقه ليومياته ، تلك اليوميات التي يشبه بعضها البعض ، ويتابع هو أدبٌ يكتبهُ مسلوبي الحرية ، سلب الحرية بسجنها يولد رغبة جامحة في الكتابة والتدوين ، الكتابة التي يراها السجين انها الوسيلة الوحيدة للتشبث بالزمن ومقاومة هدر الوقت ، ولعل (عزاء الفلسفة) الذي كتبه المفكر (أنيكيوس) خلال فترة سجنه خير دليل على أدب السجون ، وقد كُتِبَت ارقى القصائد والروايات والقصص من داخل السجن مثل رواية (القوقعة / مصطفى خليفة ) و(ياصاحبي السجن/ أيمن عتوم) .
السجون فضاءات للإبداع أيضا
أما الأديب نورالدين بن يمينة فيرى أن
السجون في أوطاننا العربية فضاءات تسلب فيها الحريات ويمارس فيها القمع والتعذيب وكل صنوف التعدي على الذات البشرية وخاصة الرافضة للظلم والمعادية للأنظمة الحاكمة والمعارضة للساسة الحاكمين بأمرهم وسدنة الإستبداد ويشير إلى أن السجون كانت أيضاً فضاءات للإبداع والكتابة الأدبية على وجه التخصيص إستعملها سجناء الرأي والتعبير والمعارضين السياسيين وسيلة للمواربة ومواصلة الحلم بالحرية والإنطلاق والحق والعدل والتحرر المعنوي من أسوار السجن لذلك جاءت هذه الكتابات في شكل شهادات وسير ذاتية لما عاشه هؤلاء مبرزين حجم القمع وأدواته التي لا تميز بين الفئات والأفكار والتوجه السياسي حتى غدت السجون ملهمة الإبداع ، ويشير إلى أن الكتابة من داخلها شكلاً من أشكال التعبير الذاتية والتاريخية والسياسية وتوثيقاً لكل مرحلة مهما تنوعت اللغة واختلفت أشكال الكتابة مما جعل أدب السجون يوجد أينما وجد القمع السياسي.
ويعتبر أن هذه الكتابات فتحت المجال لفضح الممارسات الهمجية المقننة التي تمارسها الأنظمة ضد معارضيها ولعل تسمية هذا الجنس الأدبي بأدب السجون يعود إلى الفضاءات التي كتب فيها وكيف صار السجن ملهما للكتاب والمبدعين من داخله وهو ما يختلف عن كل الأدب الذي كتب عن السجون ولكن من خارجها.
ويضيف بن يمينةإن القارئ للأدب الذي يميز بين الكتابات التي خرجت من رحم المعاناة السجنية للمفاضلة بينها يتحرى درجات الجودة بينها بحكم ما يختزله هذا الكاتب أو ذاك من قدرة على التعبير وإمتلاك ناصية اللغة والخلفية الثقافية عموماً .
ويتابع السجون فضاءات تتكسر فيها الأحلام والآمال ولكنها تخصب الذاكرة وتدفع الكاتب إلى مقاومة الظلم والإستبداد بالحروف والكتابة فيرصد ملامح مأساته وغيره في ثنايا العتمة .
الكتابة من خلف القضبان
وفي المقابل يقول الناقد والكاتب عبدالكريم حمزة عباس
أدب السجون هو الأدب الذي يتم إنتاجه من قبل كتاب أثناء قضائهم فترة السجن ، أو هو الأدب الذي تم كتابته من قبل أدباء لم يعايشوا حياة السجن بأنفسهم ، و إنما اعتمدوا على مصادر متعددة مثل الأبحاث و المقابلات مع أشخاص عاشوا في السجن .
ويتابع موضحاً تعد السجون من أكثر الأماكن غموضاً و تحدياً في العالم ، فهي تمثل مصير الكثير من الأشخاص و تحمل الكثير من الأسرار و الأحداث الغامضة .
ويشير إلى أن نوال السعداوي تقول:( لا يموت الإنسان في السجن من الجوع أو من الحر أو البرد أو الضرب أو الأمراض أو الحشرات ، لكنه قد يموت من الانتظار ، الانتظار يحول الزمن إلى اللازمن ، و الشيء إلى اللاشيء، و المعنى إلى اللامعنى ) .
ويضيف لقد كتبت بعض أقوى الروايات و القصص من خلف القضبان ، كما أن بعض الكتاب كتب قصصه و رواياته عند خروجه من السجن ، فالكاتب عندما يكتب من داخل السجن إنما يعبر عن نفسه و يعلن عن حياته المخفية للعالم الخارجي .
وأدب السجون هو فرع من الأدب اعتمد مؤلفوه على معايير أدبية و تقنيات مميزة للأدب الواقعي النفسي ، بحيث أصبح هذا الأدب وسيلة للمؤلف لنشر كلمته من خلف جدران السجن وإعلام الناس بما يجري داخل السجون .
وفي السجن يشعر المرء بإغتراب وجودي عميق عن محيطه ، و يبدو العالم بالنسبة له حالة من الفوضى ، يحاول فيها العثور على موضع مستقر يسمح له بإعادة توجيه نفسه ، فالوعي بالمكان و الزمان هناك حالة لا يمكن فهمها بسهولة .
ويشير إلى أن بعض الكتاب استخدم خياله في وصف وضع السجون ، فالواقعية عند هؤلاء الكتاب هي موقف و إدراك من الكاتب لحركة الحياة داخل السجن ، و ليست نقلاً حرفياً أو تصويراًآلياً ، والإدراك عند هذا الكاتب هو عملية تفسير وفهم للبيئة المحيطة ، و يختلف مستوى الواقعية في هذا النوع بإختلاف قصد الكاتب و إسلوب كتابته .
ويعتبرعباس أدب السجون نوعاً من الأدب الذي يتناول الحياة داخل السجون ، و يعكس في نفس الوقت نظرة المجتمع إلى الشخص المدان ، و يمتاز هذا النوع من الأدب بالواقعية و التفاصيل الدقيقة ، و غالبا ما يتضمن قصص السجناء و تجاربهم و أساليب التعايش و التأقلم مع حياة السجن ، فهو يعرض الجانب الإنساني و يعكس المعاناة و الصراع الداخلي للسجناء ، و يساعد على فهم الحياة داخل السجون و أساليب التعامل مع الأوضاع الصعبة و يعبر عن التحديات التي يواجهها السجناء في محاولة العودة إلى المجتمع و الاندماج معه عند خروجهم من السجن ، و لذلك فإن لهذا النوع من الأدب أهمية بالغة في فهم و تحليل الحياة الإنسانية بصورة عامة.
ويضيف إلى ذلك بأن أدب السجون يعتبر جزء من التراث الثقافي للمجتمعات، فالكثير من الشخصيات التاريخية و الأدبية و الفنية الشهيرة قد قضت فترة في السجن ، و من هناك كتبوا أشهر أعمالهم وقد اسفر ذلك عن نشوء تيار أدبي سمي ( أدب السجون ) .
و قد تختلف هذه الكتابات فمنها ممن لم يتجاوز طريقة الشاهد في تصوير ما عاشه خلف القضبان ، و منها ما كانت بالفعل تمثل عمقا في الإبداع الأدبي في تعبيراته و إنسانيته .
أدب السجون تصوير الحياة خلف القضبان
هكذا تقول : الكاتبة ضحى أحمد لاأحبذ تأطير الأدب ووصفه في تصنيفات محددة مثل أدب المهجر وأدب المرأة وصولاً إلى تسمية أدب السجون فالأدب الحقيقي ينزع بطبيعاته إلى التحرر والانعتاق أهم غاياته، فالإنسان منذ تكوينه في رحم أمه يعاني من المحدودية والقيود وعندما يعانق الحياة بصرخة دهشة يحاط مجدداً بأصفاد أخرى ،لذلك لابد للفكرة من التحليق من خلال الأدب لتصير الحياة ممكنة والسماء أقرب..وبالعودة إلى الدراسات النقدية التي تصنف كافة الأجناس الأدبية التي تتحدى السجن وأحواله موضوعاً سواء من كتابة السجين نفسه أو غيره وتطلق عليه أدب السجون ،وتشير إلى أن هذا النوع من الأدب يعتبر رافداً هاماً من روافد الأدب العالمي والعربي باعتباره أدباً ملتزماً تشكل قضية الاعتقال السياسي لب اهتماماته من خلال تصوير الحياة خلف القضبان وأسوار السجن وأحوال السجناء والأسباب التي أومت بهم إلى غياهب الزنزانة ،من هنا تبرز أهميته فهو أدب القضية والمقاومة الحامل الأساسي لكل فنونه من شعر ونثر وقضية ومسرح ورواية التي تعتبر الجنس الأدبي الأكثر انتشاراً في أدب السجون لما لها من فنيات وفضاءات مفتوحة لتصوير تجربة متكاملة تمتاز بالصدق والتحدي للسجان الساعي إلى سجن الفكرة قبل الجسد وتضيف لعل أبرز مايميز أدب السجون الرمزية والعاطفة المتأججة وسعة الخيال والحزن المشوب بالتحدي مما يجعله الأقرب للرأي العام إلا أن له دوراً كبيراً في التغيير من خلال مساهمته في تحويل التجارب الشخصية إلى وعي جمعي وإذا عدنا إلى نشأته نلاحظ أنه ظهر كجزء من حركات التحرر السياسية والثقافية، فحين تقرأ على سبيل المثال رواية(شرف)لصنع الله إبراهيم و(العصفور الأحدب)و٣٠٠٠يوم في اسرائيل و(عطر الزنازين) ومذكراتي في سجن النساء والسجينة وغيرها من الأعمال التي تعتبر مراجع مهمة في أدب السجون نتأكد من جدوى الكلمة وكيف تتحول الكتابة إلى أداة عظيمة للمقاومة، وقد شهدنا في الآونة الأخيرة حدثاً رائعاً أثلج صدري على المستوى الشخصي وغمرني بفرح عظيم فوز رواية (قناع بلون السماء)للأسير الفلسطيني باسم خندقجي بجائزة البوكر للرواية العربية عند قراءتها أدهشتني فكرتها وبراعة الكاتب في السرد واستخدام الرمز مما يعطي بعداً عميقاً، فيجد القارىء نفسه يتورط بمشاعر متناقضة ويعيش حالة من التريث لحركة الشخصيات ويشاطرها أحلامها بالانعتاق.
كشف المستور وفضح المٌغيّب في أدب السجون
هكذا يرى الأديب سمير حماد
في قصيدته “في الحانة القديمة” يرى مظفر النواب أن العالم العربي كله سجون متلاصقة.
“فهذا الوطن الممتد من البحر إلى البحر
سجون متلاصقة
سجانّ يمسك سجان”
أدب السجون هو نوع أدبي يصف الأدب المكتوب عندما يكون الكاتب مقيدا في مكان ضد إرادته، مثل السجن أو الإقامة الجبرية، ويمكن أن تكون الأدبيات حول السجن، مكتوبة أثناء إقامة الكاتب في السجن وإما أن يكون مذكرات أو قصصي أو محض خيال.
ويوضح حماد إلى أن أصل أدب السجون يعود إلى العصور القديمة حيث كان يكتب على الجدران داخل السجون والأقفاص. ومن المعروف أن العديد من السجناء والمعتقلين عبر التاريخ قد كتبوا مذكرات وشعر وروايات أثناء فترة احتجازهم. وفي العصور الحديثة، ويتابع أصبح أدب السجون حركة أدبية نشطة تهدف إلى تسليط الضوء على حياة السجناء وظروفهم والعدالة الجنائية. يعتبر الأدب السجني وسيلة للتعبير عن الألم والانتهاكات والقهر التي يعاني منها السجناء، ويعتبر أيضًا وسيلة للتواصل والتعبير عن الهوية والمقاومة الثقافية داخل السجن.
يرمز السجن في أدب السجون العربي او غير العربي إلى فقدان الحرية والاعتقال، ويتحدث الكتّاب في هذا الصدد عن المشاعر السلبية التي يشعر بها السجناء مثل الحزن والضياع واليأس والاكتئاب وشعور بالعدمية.
ويضيف يرمز السجن في الأدب إلى الظلم والاضطهاد، ونتيجة لذلك يتصوّر السجين كضحية تعرضت للاعتقال بسبب سوء فهم أو ظروف سياسية أو اجتماعية.
ويرمز السجن في أدب السجون إلى الصمود والتحمل، فالسجناء والمعتقلون يظهرون في اعمالهم الادبية كأبطال يتحملون معاناة السجن والاعتقال ولا يعرفون الاستسلام، ويثبتون حبهم الكبير للحرية ( أحمد فؤاد نجم نموذجا …)
وعلى الرغم من هذه الآثار السلبية على الأدباء وكتابة أدب السجون، فإن العديد من الأعمال الأدبية التي تم إنتاجها في السجون كانت ملهمة ومثيرة للإعجاب، وهي تعكس حياة المسجونين وإختباراتهم وأحاسيسهم وآمالهم
أدب السجون وهاجس الحرية
ويقول :لا شك أنّ تجربة السّجن السياسيّ تجربة إنسانيّة بالغة الرهافة والخصوصيّة ، وتحفر عميقًا في ثنايا الروح ما لا يُنسى بما تثيره من أسئلة، أو تشي به من دلالات، أو تحتمي به من قناعات, (حاولت رواية السّجن السياسيّ (خاصة )إعادة بناء عالم السّجون حياتيًا وروائيًا في أبنية سرديّة عدّة، صوّرت مراحل الملاحَقة والتّرويع، والاعتقال والاستنطاق، والتّحقيق واختلاق التُهَم، وانتزاع الاعترافات والتّعذيب حدّ الموت، حتّى غدت دلالة على قمع الدولة التّسلطيّة )
ربما كان هذا كله من أهمّ أسباب اهتمام الرواية بالتّعبير عن ظواهر التمرّد الإبداعيّ في تجربة السجن السياسي، واتخاذها موضوعًا روائياً: فالأدب الإبداع عموماً لديه نزوع بطبيعته إلى الحريّة، ورغبة المبدع في التحدي ، ومجابهة سلطة الاستبداد بالكلمة ؛ بعد أنْ غالت النُظُم المستبدّة في خرق حقوق الإنسان؛ فالأنظمة الدكتاتوريّة “مهما بدت قويةً ومسيطرةً فإنّها ذات أرجل طينيّة، وتحمل بذرة فنائها في داخلها”.
وتحاول روايات السّجن السياسيّ تصوير أبرز مظاهر أزمة الحريّة المُتمثِّلة في ممارسة العنف السياسيّ، والاغتراب النفسي، والرّقابة والاستبداد والمطاردة، والتّفنن في صنوف التّعذيب اللا إنساني، وتعمد إلى إدانة أساليب القمع السلطويّ، ورسم سُبل الخروج من عتمة المعتقلات المظلمة بالكلمات التي صارت بديلًا من الموت. ولأن الرواية تجربة وسؤال متجدد إبداعًا ومادةً وتلقيًا، فقد اتخذت رواية السّجن السياسيّ في مقاومة تجليات القمع صورًا تعبيريّةً شتّى توزّعت بين الطّابع السير ذاتي أو الوثائقيّ، وهي أقرب ما تكون إلى الشّهادات أو المذكرات أو اليوميات كـ (أبو زعبل) لإلهام سيف النّصر ،، و(الأقدام العارية) لطاهر عبد الحكيم، وثلاثيّة شريف حتاتة: (العين ذات الجفن المعدنيّة) ، و(جناحان للريح) ، و(الهزيمة) ، وبين الطّابع الفنيّ التّخييليّ كـ(القلعة الخامسة) لفاضل العزاوي ، و(ملف الحادثة 67) لإسماعيل فهد إسماعيل ، و(نجمة أغسطس) لصنع الله إبراهيم ، كذلك روايتة الشهيرة شرف في سجون عبد الناصر ، و(الكرنك) لنجيب محفوظ ، وكذلك روايتيه ( المنفى).و ( الثلاثية) عن حياة السجناء السياسيين في مصر ….ولا ننسى (شرق المتوسط) لعبد الرحمن منيف ، و(الآن هنا، أو شرق المتوسط مرّة أُخرى) , ،هاتان الروايتان الاشهر في أدب السجون حيث يشعر بعد قراءتها , أي قارىء عربي, انهما تتحدثان عن سجون بلده , و(الروائيّون) لغالب هلسا… ورواية (تلك العتمة الباهرة ) للروائي المغربي الطاهر بن جلون , وتجربتي في سجن النساء للدكتورة نوال السعداوي….. وغيرها من الأعمال الروائية…… لهذا، ويضيف غدت رواية السّجن السياسيّ نوعاً من أنواع المقاومة، ووجهاً من وجوه الاحتجاج، وأفقاً تجريبيّ المبنى والمعنى في كشف المستور، وفضح المُغيَّب، وتحرير المقموع. فقد قوّضت بما تمارسه من سردٍ فنيٍ جدران الأقبية والزنزانات المعتمة التي تئد الفكر، وتصادر الحق، والحريات. قصد تأكيد حقّ المُهمّشين والمقموعين في الحريّة، ودورهم في تحقيقها…
#سفيربرس ـ هويدا محمد مصطفى