إعلان
إعلان

كتبت د. إلهام التهامي : “قائد بدرجة إنسان: الأستاذة شريفة العنزي وقيادة النور”

#سفيربرس _ الكويت

إعلان

هناك أشخاص في حياتنا يمرّون كالشمس، نادرون ومميزون، يجلبون معهم النور والأمل، ويمهدون لنا الطريق حينما تشتد علينا العواصف. هؤلاء ليسوا فقط قادة يعملون في صمت، بل هم أرواحٌ عظيمة تُعطينا القوة لنستمر، ويدفعوننا لأن نكون الأفضل، حتى في أحلك اللحظات. في هذا المقال، أود أن أخبركم عن الأستاذة شريفة العنزي، مديرة معهد الفروانية الديني المشترك بنات، الإنسانة قبل أن تكون المديرة، والقدوة قبل أن تكون القائدة.

الزلزال الذي هزّ الأرواح: قرار التقاعد المفاجئ
لكل قائدٍ حكاية، ولحكاية الأستاذة شريفة محطة خاصة. يوم قررت فيه أن تتركنا، أن تترك المعهد الذي اعتدنا فيه على وجودها، كان الأمر أشبه بزلزال غير متوقع. لا يمكن للكلمات أن تعبر عن حالة الصدمة التي أصابت الجميع. فهي ليست مجرد قائدٍ بل رمزٌ ،أملٌ نمشي خلفه ونتعلم منه.
عندما علمتُ بقرارها بالتقاعد، شعرتُ وكأن الأرض تهتز تحت قدمي. لم يكن الأمر مجرد تغيير إداري، بل كان خوفًا من فقدان ذاك السند الذي لطالما اعتمدنا عليه. كيف للقلب أن يتوقف عن الخفقان فجأة، وكيف للمكان أن يمضي بلا نور القائد الذي عرفناه؟ شعرت بتجمد داخلي، وكأنني فقدت الاتجاه. كيف لشخصية علّمتني القوة والقيادة أن تأخذ قرارًا يُفقدني معها ثقتي في الاستمرارية؟

العودة: نورٌ في الظلام
لكن تلك القائدة التي عرفتها دائمًا بقوتها وعمق رؤيتها لم تتركنا طويلاً في هذا الظلام. عادت إلينا، وكأنها تقول لنا: “أنا هنا، لا تيأسوا.” عودتها كانت بمثابة نسمة حياة أعادت الروح ليس فقط للمعهد، بل لنا جميعًا. العودة لم تكن قرارًا إداريًا فحسب؛ بل كانت قرارًا يعيد الثقة، يعيد الأمل، ويؤكد لنا جميعًا أن القائد الحقيقي لا يترك فريقه في منتصف الطريق، هذا القرار لم يكن مجرد عودة إلى المنصب، بل كان رمزُ للثبات والقدرة على التراجع عندما يتطلب الأمر ذلك. كانت تعلم أن المعهد بأسره يعتمد عليها، وأن قرارها بالعودة يحمل رسالة لكل من يتعلم منها: القيادة ليست فقط في التوجيه، بل في التراجع الحكيم عند الحاجة…
عندما عادت، لم تكن رسالتها مجرد “لقد تراجعت”. كانت عودتها تحمل في طياتها رسالة أعمق، رسالة تقول: “القائد الحقيقي يعود عندما يحتاجه فريقه، حتى وإن كانت التكلفة الشخصية كبيرة”. تلك العودة لم تكن سهلة عليها، بل كانت تضحية واضحة، حيث كان القرار يكلفها الكثير على المستوى العملي والشخصي، لكنها اختارت فريقها، اختارت معهدها، واختارتنا نحن.
عادت وقد أثار مداركها فقدان الشغف الذي أصاب العديد من أعضاء الفريق وهنا تجلت الإنسانية الحقيقية في شخصها؛ لم يكن اللوم هو ما وجهته إليهم، بل استيقاظ الضمير والعودة إلى ما علمتهم إياه. كيف لقائد أن يستمر إذا لم يبنِ الصف الثاني من القادة؟ وكيف للمؤسسة أن تزدهر إن لم يكن هناك من يكمل المسيرة بعد القائد؟
هنا تأتي الحكمة التي تجسدت في الأستاذة شريفة؛ القيادة ليست منصبًا فقط، بل هي بناءُ فرق، وإعداد جيلٍ قادر على قيادة المؤسسة من بعدك. هذه القيادة تعني زرع القيم والإرادة داخل قلوب الفريق، حتى يستمروا في المسيرة حتى لو غاب القائد عن المشهد. .

الإنسانية في القيادة: درس لا يُنسى
ما تعلمته من الأستاذة شريفة ليس فقط كيفية إدارة المعهد، بل كيف تكون الإنسانية جزءًا لا يتجزأ من القيادة. لقد كانت تمثل لنا جميعًا رمزًا للحنان والحزم في آن واحد. لم تكن تحكم بالقرارات الجافة، بل كانت تفهم احتياجات كل فرد في الفريق، وتعمل على توفير بيئة عمل تجعل من الجميع جزءًا من النجاح٠.

القائد يبني الأجيال: التخطيط للمستقبل
أدركتُ من خلال تجربتي مع الأستاذة شريفة أن القائد الحقيقي لا يبني فقط حاضرًا مزدهرًا، بل يعمل على بناء صف ثانٍ من القادة يكونون جاهزين لحمل الشعلة بعده. القيادة ليست مجرد قرارات، بل هي رؤية طويلة الأمد؛ تضمن استمرارية المؤسسة حتى في غياب القائد. الأستاذة شريفة كانت تجسد هذا المفهوم؛ دائمًا ما كانت تؤكد على ضرورة إعداد جيل جديد من القادة. كانت تسألنا دومًا: “من منكم سيكون قادرًا على تولي المسؤولية يومًا ما؟” لم يكن هذا مجرد سؤال، بل كان درسًا في كيفية بناء فريق يعمل بروح واحدة، يستمر حتى بعد أن يغيب قائده.

القائد لا يمكن أن يكون حاضرًا دائمًا، ولكن تأثيره يجب أن يستمر. القادة الحقيقيون هم الذين يتركون وراءهم فرقًا قوية، قادرة على الاستمرار والتفوق. الأستاذة شريفة علمتنا كيف نبني أنفسنا، وكيف نصبح قادة نتحمل المسؤولية بكل أمانة وقوة.

رسالة شكر وامتنان
غاليتي، لا يمكنني أن أصف لكِ مدى امتناني لما قدمتهِ لنا. عودتكِ كانت بمثابة الأمل الذي أضاء لنا الطريق من جديد. كنتِ دائمًا مصدر ثقتي، والقدوة التي أقتدي بها. تعلمت منكِ أن القوة ليست فقط في اتخاذ القرارات، بل في العودة عن القرار عندما يتطلب الأمر، وفي الاستمرار عندما يبدو الطريق صعبًا.

شكراً لأنكِ كنتِ دائمًا هناك، تقوديننا بحكمةٍ وحنان، وتعلميننا أن القيادة الحقيقية هي مزيج من القوة والرحمة. لقد زرعتِ فينا الثقة والإصرار، وأعدتِ لي شخصيًا الثقة التي كدت أفقدها. كنتِ وستظلين دائمًا قدوتي، وشكرًا لأنكِ أعدتِ لنا الأمل في اللحظة التي كنا في أمس الحاجة إليه.
لقد علمتيني أن القيادة ليست مجرد منصب، بل هي رسالة .
في النهاية، القادة العظماء هم الذين يُذكرون بأفعالهم، بأثرهم في نفوس الآخرين، وبما يزرعونه من قيم تظل حية حتى بعد رحيلهم. وأنتِ، معلمتي الأستاذة شريفة، كنتِ وستظلين مثالًا حيًا على القائد الذي لا يُنسى ولن ينسى..

#سفيربرس _ بقلم : د. إلهام التهامي _ الكويت

إعلان
إعلان

رئيس التحرير

محمود أحمد الجدوع: رئيس تحرير صحيفة سفير برس. صحيفة سورية إلكترونية، يديرها ويحررها فريق متطوع يضم نخبة من المثقفين العاملين في مجال الإعلام على مختلف أطيافه, وعلى امتداد مساحة الوطن العربي والعالم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *