ديكتاتورية الشاه الإيراني: من الحكم القمعي إلى السقوط وعودة الابن بعد 45 عامًا.بقلم.. : ميرال حسن
#سفيربرس

في عودة أشبه بالظلال الباهتة من ماضٍ لم يزل يثقل كاهل التاريخ، يطل ابن الشاه المخلوع على مشهد اليوم، محاولًا إعادة إحياء إرث عائلة وُسمت بالعجز والظلم. أربعون عامًا مرت منذ أن طويت صفحة والده، شاه إيران، الذي حكم بلاده بقبضة من حديد، واختار أن يسير بها نحو الظلام بدلًا من النور. والآن، بعد أن لفظه الزمن والمنفى، يعود الابن ليجترَّ نفس الأحلام المهترئة في إعادة بناء مملكة أفل نجمها تحت وطأة الثورة. تلك العودة لا تثير إلا السخط والتساؤل: هل يمكن لمن لم يتعلم من دروس الماضي أن يحمل أي أمل للمستقبل؟
قراءة في التاريخ
بداية الحكم: ابن الشاه يتولى السلطة
محمد رضا بهلوي وُلد في 1919 ليكون ابن رضا شاه بهلوي، مؤسس الأسرة البهلوية، الذي صعد إلى السلطة في 1925 بعد الإطاحة بالسلالة القاجارية. كان رضا شاه يسعى لبناء إيران جديدة وحديثة على غرار النماذج الغربية، مستخدمًا القوة والقمع لإحكام قبضته على البلاد. ومع ذلك، لم يكن حكمه طويلًا، إذ أُجبر على التنازل عن العرش لابنه محمد رضا عام 1941 بعد غزو الحلفاء لإيران خلال الحرب العالمية الثانية.
ورث محمد رضا بهلوي، وهو شاب في الثانية والعشرين من عمره، عرش والده في ظروف سياسية غير مستقرة. وعلى الرغم من تعليمه الغربي، إلا أن قدراته السياسية كانت محل شك، وواجه تحديات كبيرة من القوى الداخلية التي كانت تطالب بالإصلاحات الديمقراطية.
محمد رضا بهلوي، والذي كان آخر شاه حكم إيران، عٌد كشخصية محورية في تاريخ البلاد الحديث. حكمه الذي دام قرابة أربعة عقود كان مليئًا بالتوترات الداخلية والخارجية، والتي أدت في النهاية إلى الإطاحة به خلال الثورة الإسلامية عام 1979. فرغم الدعم القوي الذي تلقاه من القوى الغربية، خاصة الولايات المتحدة وبريطانيا، فإن سياساته القمعية وعدم قدرته على التكيف مع مطالب الشعب أضعفت نظامه وجعلته غير قادر على حماية نفسه. بعد مرور 45 عامًا على سقوط نظام البهلوي، عاد اسم عائلته إلى الساحة مع ظهور ابنه رضا بهلوي في المشهد السياسي.
رحلة الشاه محمد رضا بهلوي منذ اعتلائه العرش وحتى موته
بداية الحكم: اعتلاء العرش في 1941
محمد رضا بهلوي وُلد في 26 أكتوبر 1919. هو ابن رضا شاه بهلوي، الذي أسس الأسرة البهلوية وحكم إيران منذ 1925 بعد أن أنهى حكم الأسرة القاجارية. رضا شاه، الذي كان يسعى إلى تحديث إيران على النمط الغربي، حكم البلاد بقبضة من حديد.
في عام 1941، خلال الحرب العالمية الثانية، غزت القوات البريطانية والسوفيتية إيران لقطع الطريق على النفوذ الألماني في المنطقة. نتيجةً لذلك، أُجبر رضا شاه على التنازل عن العرش، وغادر إلى المنفى. في 16 سبتمبر 1941، تولى محمد رضا بهلوي الحكم وهو في الثانية والعشرين من عمره، وسط ظروف سياسية مضطربة.
1953: انقلاب مدعوم من الولايات المتحدة “عملية أجاكس”
في عام 1951، تولى محمد مصدق رئاسة الوزراء وأصبح شخصية شعبية بفضل سياسته الوطنية التي ركزت على تأميم النفط الإيراني الذي كانت تسيطر عليه الشركات البريطانية. أثار هذا القرار غضب بريطانيا وحلفائها، ما أدى إلى حدوث أزمة نفطية. في عام 1953، دُبّر انقلاب عسكري بالتعاون بين وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (CIA) والمخابرات البريطانية للإطاحة بمصدق وإعادة تعزيز سلطة الشاه. هذه العملية المعروفة باسم “عملية أجاكس”، والتي نجحت بالإطاحة بمحمد مصدق وإعادة السلطة إلى الشاه، الذي أصبح بعد هذا الانقلاب أكثر اعتمادًا على الغرب.
بعد الانقلاب، اعتمد الشاه بشكل كبير على الدعم الغربي، خصوصًا من الولايات المتحدة، وقام بتأسيس جهاز السافاك (منظمة المخابرات والأمن القومي الإيراني) في عام 1957، الذي كان مسؤولًا عن قمع المعارضة بطرق وحشية.
الثورة البيضاء: 1963 – محاولات الإصلاح الفاشلة
في محاولة لتحديث البلاد والسيطرة على المعارضة، أطلق الشاه في عام 1963 ما يُعرف بـ “الثورة البيضاء”، وهي سلسلة من الإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية التي شملت إعادة توزيع الأراضي، تمكين المرأة، وتحديث التعليم. على الرغم من أن هذه الإصلاحات كانت تهدف إلى تحديث إيران، إلا أنها لم تحقق نجاحًا كبيرًا. فالتفاوت الطبقي استمر، وزادت المعارضة السياسية، خاصة من رجال الدين المحافظين الذين رأوا في هذه الإصلاحات تهديدًا للإسلام.
واحدة من أبرز الشخصيات المعارضة كان آية الله روح الله الخميني، الذي انتقد الشاه بشدة ودعا إلى إطاحة النظام. في عام 1964، نُفي الخميني إلى العراق، لكنه استمر في التأثير على السياسة الإيرانية من الخارج، ليصبح فيما بعد قائد الثورة الإسلامية.
ازدهار مؤقت: الطفرة النفطية في السبعينيات
في السبعينيات، شهدت إيران طفرة اقتصادية بفضل ارتفاع أسعار النفط. تمكن الشاه من تحويل إيران إلى قوة إقليمية، وواصل تنفيذ مشروعات اقتصادية ضخمة. ومع ذلك، فإن هذه الطفرة كانت مصحوبة بزيادة التفاوت بين الأغنياء والفقراء. بينما استفادت النخبة القريبة من الشاه، بقيت الأغلبية العظمى من الشعب الإيراني تعاني من الفقر والبطالة.
بالإضافة إلى ذلك، كان الشاه معروفًا ببذخه الشديد. في عام 1971، احتفل بمرور 2500 عام على تأسيس الإمبراطورية الفارسية في احتفال أسطوري مكلف أقيم في مدينة برسيبوليس القديمة. هذا البذخ أثار غضب الشعب الذي كان يعاني من أوضاع اقتصادية متدهورة.
1978-1979: اندلاع الثورة الإسلامية
بحلول أواخر السبعينيات، كانت المعارضة ضد الشاه قد بلغت ذروتها. في يناير 1978، اندلعت مظاهرات واسعة النطاق ضد حكم الشاه، وبدأت الأمور تخرج عن السيطرة. الشاه حاول استخدام القوة لقمع المتظاهرين، لكن محاولاته فشلت، حيث انضمت مختلف فئات الشعب، بما في ذلك العلماء الدينيين، الطلاب، والعمال إلى الاحتجاجات.
في سبتمبر 1978، أعلن الشاه حالة الطوارئ وأمر الجيش بقمع المتظاهرين. وفي 8 سبتمبر 1978، المعروف بـ “الجمعة السوداء”، قتل الجيش المئات من المتظاهرين في طهران، لكن هذه المذبحة زادت من الغضب الشعبي ودفعت المزيد من الناس إلى الشوارع.
في 16 يناير 1979، غادر الشاه إيران، ولم يعد أبدًا. بحلول 1 فبراير 1979، عاد آية الله الخميني إلى إيران من منفاه في فرنسا، وأعلنت الثورة الإسلامية انتصارها في 11 فبراير 1979.
سنوات المنفى: من مصر إلى الولايات المتحدة
بعد مغادرته إيران، بدأ الشاه رحلة المنفى الطويلة. والذي تنقل بين عدة دول، بما في ذلك المغرب والمكسيك والولايات المتحدة. إلا أن حالته الصحية كانت تتدهور بسرعة، حيث كان يعاني من مرض السرطان.
في أكتوبر 1979، سمح له الرئيس الأمريكي جيمي كارتر بالدخول إلى الولايات المتحدة لتلقي العلاج الطبي، مما أثار غضب الثورة الإيرانية وأدى إلى أزمة رهائن السفارة الأمريكية في طهران. انتهى المطاف بالشاه في مصر، حيث استضافه الرئيس المصري أنور السادات. توفي الشاه في 27 يوليو 1980 في القاهرة، ودُفن في مسجد الرفاعي.
عودة الابن: رضا بهلوي ومحاولات استعادة الشرعية
بعد مرور 45 عامًا على سقوط النظام الملكي، بدأ رضا بهلوي، ابن محمد رضا بهلوي، بالظهور على الساحة السياسية. حيث ولد رضا بهلوي في عام 1960، وكان يبلغ من العمر 19 عامًا عندما غادر والده إيران. منذ ذلك الحين، عاش في المنفى في الولايات المتحدة وكرس نفسه للدعوة إلى إقامة نظام ديمقراطي علماني في إيران.
يدعو اليوم رضا بهلوي إلى إعادة بناء إيران على أسس ديمقراطية، ويؤكد أنه لا يسعى إلى إعادة النظام الملكي، بل إلى إقامة نظام يعبر عن إرادة الشعب الإيراني. رغم أن دعوته تلقى بعض الدعم من الجالية الإيرانية في الخارج، إلا أن احتمالية عودة النظام الملكي أو استعادة عائلة بهلوي لشرعيتها تبقى محل شك داخل إيران، حيث لا تزال ذاكرة النظام الملكي مليئة بالتوترات.
الخاتمة: إرث الشاه محمد رضا بهلوي
يعد إرث الشاه محمد رضا بهلوي معقدًا ومتناقضًا. رغم محاولاته لتحديث إيران وبناء دولة قوية، فإن حكمه القمعي واعتماده على القوى الخارجية أدى في النهاية إلى سقوط نظامه. لم يستطع حماية نفسه من المعارضة الداخلية أو فهم مطالب شعبه. ورغم عودة ابنه إلى الساحة السياسية بعد عقود من سقوط النظام، يبقى مستقبل رضا بهلوي السياسي غير واضح في ظل استمرار النظام الإسلامي في إيران.
عُد الشاه الإيراني محمد رضا بهلوي واحدًا من أكثر الشخصيات المثيرة للجدل في تاريخ إيران الحديث. حكم إيران بقبضة من حديد لأكثر من ثلاثة عقود، حيث ترأس نظامًا ملكيًا مدعومًا من القوى الغربية، خاصة الولايات المتحدة وبريطانيا. لكن إرثه الديكتاتوري، وفشل نظامه في حماية نفسه، والصراعات الداخلية التي تعرض لها نظامه، أدت في نهاية المطاف إلى الثورة الإسلامية عام 1979 التي أنهت حكمه.
فترة الحكم الديكتاتوري: دعم الغرب وقمع الشعب
منذ توليه الحكم، اعتمد محمد رضا على دعم الدول الغربية للبقاء في السلطة. أبرز دعم تلقاه كان من الولايات المتحدة، التي كانت ترى في الشاه حليفًا مهمًا في المنطقة لمواجهة الشيوعية. دعم القوى الغربية، خاصة بعد الانقلاب المدبر من قبل وكالة الاستخبارات الأمريكية في 1953 الذي أطاح برئيس الوزراء محمد مصدق، والذي زاد من قبضة الشاه على السلطة، لكنه أيضًا عزز من صورة نظامه كدمية في أيدي القوى الأجنبية.
اعتمد الشاه على القوة العسكرية وأجهزة الاستخبارات، وعلى رأسها “السافاك” (منظمة المخابرات والأمن القومي الإيرانية)، لقمع أي معارضة داخلية. أي شخص يعارض النظام كان يواجه الاعتقال أو التعذيب أو النفي، مما جعل نظام الشاه واحدًا من أكثر الأنظمة قمعًا في المنطقة.
فشل في الحماية الداخلية والخارجية
رغم كل هذا الدعم الخارجي والقبضة الحديدية، لم يستطع الشاه حماية نفسه أو نظامه من التهديدات الداخلية. اعتمد الشاه كثيرًا على النخب الحاكمة والجيش، واهمل الشعب الإيراني الذي كان يعاني من الفقر والتهميش، بينما كانت نخبة صغيرة تستحوذ على الثروة والسلطة. هذا التفاوت الاجتماعي زاد من حدة المعارضة الداخلية، خاصة من الجماعات الدينية التي كانت تقودها شخصيات مثل آية الله الخميني.
في أواخر السبعينيات، اندلعت احتجاجات ضخمة في جميع أنحاء إيران، كانت تستهدف النظام الملكي واستبداده. على الرغم من كل محاولات الشاه لقمع الاحتجاجات، إلا أنه فشل في إخماد الثورة المتنامية، ما أدى في النهاية إلى هروبه من إيران في يناير 1979.
سقوط الشاه ووفاته
بعد فراره من إيران، توجه الشاه إلى عدة دول طلبًا للجوء، ولكنه لم يجد ترحيبًا في معظمها. وفي النهاية، استقر في مصر حيث توفي في 27 يوليو 1980. قُبر الشاه في مسجد الرفاعي بالقاهرة، ليصبح نهاية مؤلمة لرجل كان يومًا يُنظر إليه على أنه حاكم قوي مدعوم من الغرب، لكنه لم يستطع حماية نفسه ولا نظامه.
عودة الابن: رضا بهلوي
بعد 45 عامًا من سقوط النظام الملكي، عاد اسم الأسرة البهلوية إلى الواجهة مع ظهور رضا بهلوي، ابن محمد رضا بهلوي، على الساحة السياسية والإعلامية. يروج رضا الابن لأفكار تدعو إلى تغيير النظام في إيران واستبداله بحكومة علمانية ديمقراطية. على الرغم من أن رضا بهلوي لم يكن جزءًا من النظام الملكي السابق بشكل مباشر، فإنه يستخدم إرث عائلته وتاريخها في محاولة لكسب تأييد الشعب الإيراني المنهك من السياسات القمعية للحكومة الإيرانية الحالية.
ومع ذلك، فإن الكثيرين يرون في عودة رضا بهلوي نوعًا من استعادة الماضي الديكتاتوري الذي لم يجلب سوى الفساد والقمع للشعب الإيراني. المعارضة الشعبية الكبيرة لفكرة العودة إلى النظام الملكي تجعل مستقبل رضا بهلوي السياسي غير واضح، ولكن ظهوره يعيد فتح النقاش حول دور عائلة بهلوي في تاريخ إيران والتداعيات التي خلفتها فترة حكمهم الطويلة.
إرث الشاه
بالنظر إلى حكم الشاه محمد رضا بهلوي، يمكن القول إنه حكم ديكتاتوري مدعوم من الغرب لم يستطع حماية نفسه من غضب شعبه. على الرغم من كل قسوته في القمع الداخلي ودعمه من القوى العظمى، إلا أن نظامه انهار بسرعة عندما واجه احتجاجات شعبية حقيقية. هذا الفشل في حماية النظام من الداخل، إلى جانب تدهور العلاقة مع الشعب، يُعتبر أحد الأسباب الرئيسية التي أدت إلى الثورة الإسلامية التي غيّرت وجه إيران إلى الأبد.
إرث الشاه محمد رضا بهلوي لا يزال حاضراً في النقاشات حول تاريخ إيران المعاصر، حيث يعكس حكمه مزيجاً من التحديث القسري والديكتاتورية التي لم تستطع الحفاظ على استقرار البلاد. النظام الذي أقامه كان يعتمد على قمع المعارضين، ولكنه افتقر إلى الدعم الشعبي الحقيقي الذي يمكن أن يحميه من التغيرات السياسية والاجتماعية التي كانت تعصف بإيران في السبعينيات.
التحديث السطحي: مشروعات الشاه الكبرى
على الرغم من ديكتاتوريته، كان الشاه يحمل رؤية لتحديث إيران. خلال فترة حكمه، تم تنفيذ العديد من المشروعات الضخمة مثل الثورة البيضاء، التي هدفت إلى إصلاحات اقتصادية واجتماعية شملت توزيع الأراضي على الفلاحين، تمكين المرأة، وتحديث الاقتصاد. إلا أن هذه الإصلاحات كانت سريعة وسطحيّة إلى حد كبير ولم تكن قائمة على دعم شعبي حقيقي. كما أنها أدت إلى تفاقم التوترات بين النظام والنخبة الدينية التقليدية، التي رأت في هذه الإصلاحات تهديدًا لمكانتها.
ورغم أن الاقتصاد الإيراني شهد فترة ازدهار نسبي بفضل إيرادات النفط المتزايدة، فإن الفساد المتفشي والتركيز على المشاريع الكبرى التي لم تكن تفيد المواطن العادي بشكل ملموس، جعل الكثير من الإيرانيين يشعرون بالغضب والاستياء. الفجوة بين النخبة الغنية وبقية الشعب أصبحت أكبر مع الوقت، مما ساهم في تعزيز معارضة النظام.
المعارضة المتصاعدة
كانت المعارضة ضد نظام الشاه تأتي من عدة جهات، بما في ذلك القوى اليسارية والليبرالية والدينية. لكن المعارضة الأكثر قوة جاءت من التيار الإسلامي بقيادة آية الله روح الله الخميني. الخميني انتقد الشاه ليس فقط لقمعه ولكن أيضًا لسياساته الغربية العلمانية التي رأى فيها تهديدًا للقيم الإسلامية والمجتمع التقليدي في إيران.
في الستينيات والسبعينيات، بدأت الاحتجاجات تنتشر بشكل متزايد ضد النظام. في البداية، حاول الشاه قمع هذه الاحتجاجات بقوة، لكن مع تصاعد الغضب الشعبي، أصبحت السيطرة على الأمور مستحيلة. في 1978، تحول الاستياء الشعبي إلى ثورة مفتوحة، حيث نزل الملايين إلى الشوارع مطالبين بالإطاحة بالنظام الملكي.
السقوط النهائي
عندما أصبح واضحًا أن الثورة لا يمكن إخمادها، حاول الشاه القيام ببعض التنازلات، بما في ذلك إقالة بعض المسؤولين الفاسدين ومحاولة التواصل مع المعارضة. لكنه كان قد فات الأوان. الشاه نفسه كان مريضًا بالسرطان، ومع تزايد الضغوط الداخلية والخارجية، غادر إيران في يناير 1979، على أمل أن يعود بعد فترة من الهدوء. لكن الثورة الإسلامية التي قادها الخميني اجتاحت البلاد بسرعة، وأسست الجمهورية الإسلامية التي كانت نقيضًا تامًا لحكم الشاه.
محمد رضا بهلوي تنقل بعد ذلك بين عدة دول قبل أن يُسمح له بالاستقرار في مصر حيث توفي عام 1980. لم يتمكن أبدًا من العودة إلى إيران، ورغم المحاولات المستمرة من أنصاره لإعادة نظامه، إلا أن الجمهورية الإسلامية ترسخت في السلطة.
عودة الابن: رضا بهلوي ومحاولات استعادة الشرعية
بعد مرور 45 عامًا على سقوط النظام الملكي، بدأ رضا بهلوي، ابن الشاه الراحل، في إعادة الظهور في المشهد السياسي الإيراني. رضا، الذي عاش معظم حياته في المنفى بالغرب، يعمل حاليًا على تعزيز مكانته كرمز للمعارضة ضد النظام الإيراني الحالي.
يقدم رضا بهلوي نفسه كزعيم معتدل يدعو إلى إقامة نظام ديمقراطي علماني في إيران، بديلًا للجمهورية الإسلامية. رغم أن دعوته تلاقي بعض الاستجابة بين شرائح معينة من الإيرانيين، وخاصة بين الجالية الإيرانية في الخارج، إلا أن العودة إلى النظام الملكي أو حتى فكرة استعادة شرعية عائلة بهلوي لا تزال تثير الكثير من الجدل داخل إيران.
الجبن والديكتاتورية: نظرة نقدية لنظام البهلوي
رغم ادعاءات الشاه محمد رضا بأنه يمثل القوة والحزم، يصفه العديد من النقاد بأنه كان جبانًا سياسيًا إلى حد كبير. ففي اللحظات الحاسمة، كان يعتمد بشكل كامل على الدعم الخارجي وخاصة الدعم الأمريكي. وعندما واجه انتفاضة حقيقية من شعبه، لم يكن لديه القدرة على التعامل مع الأزمة بشكل فعال، مما أدى إلى هروبه السريع.
كذلك، يُنظر إلى عائلة بهلوي ككل بأنها كانت ضعيفة في مواجهة التحديات الداخلية، وأن حكمهم كان مبنيًا على قمع الشعوب دون استثمار حقيقي في تلبية احتياجاتهم أو الاستماع لمطالبهم. لذا، فإنه رغم كل الدعم العسكري والسياسي الذي تلقاه الشاه، إلا أنه كان في النهاية غير قادر على حماية نظامه أو نفسه من السقوط.
الخاتمة: إرث معقد
محمد رضا بهلوي وشخصية حكمه يعكسان دروسًا قاسية عن الاستبداد والاعتماد على الدعم الخارجي في الحفاظ على السلطة. رغم كل محاولاته لبناء إيران حديثة، إلا أن غياب الشرعية الشعبية والاعتماد على القمع جعل حكمه هشًا وعرضة للسقوط. وبعد مرور أكثر من أربعة عقود، يبقى السؤال حول ما إذا كانت إيران قد تجاوزت إرث الشاه فعلاً أم لا، خاصة في ظل استمرار رضا بهلوي في السعي لاستعادة مكانة عائلته في السياسة الإيرانية.
بطبيعة الحال، فإن مستقبل رضا بهلوي يبقى غير واضح، في ظل تعقيدات السياسة الإيرانية الحالية، ولكن ظهوره يعيد تسليط الضوء على فترة حكم الشاه وما تركه من تأثيرات عميقة على المجتمع الإيراني.
#سقيربرس _ بقلم :ميرال حسن