إعلان
إعلان

الم..قاومة بالبذور..بقلم : سناء شامي

#سفيربرس

إعلان

جلست بجانبه على الأرض تحت نخلة محمّلة بعناقيد التمور المغلفة بعناية بأكياس بلاستيكية صفراء لحماية التمور من زخات مطر مفاجئ قد تتلفها. بينما كان يصب ل (كويّسة تاي) تنهد و قال الحمد لله، قلت له عم عليوه، واحتك جميلة، أجابني “يا حسرة من عشر سنين لتالي، كانت واحة هايلة، توّا كل شيّ تبدل”. شرح لي العم عليوه كيف كانت الأرض معطاءة، و كيف كانوا يزرعون تحت ظلال النخيل الأشجار المثمرة، و تحت الأشجار المثمرة كانت تُزرع أنواع عديدة من الخضروات… لكن اليوم “يا بنيتي كل شيّ تبدل، حرقونا الأرض ببذورها و شتلات نباتاتهم المسمومة، الأرض ما عادتش كما قبل… الله يسامحهم، قبضوا الفلوس و حطّوها بجيوبهم، و وزعوا على الفلاحين مجاناً البذور هاذيا، و بعض ما حرقنا التربه بإيدنا فقنا إنها بذور و شتلات مهجنة، و بطلوا يعطونا ياها مجاناً، و لّينا نشتريها بالفلوس، و تّوا هيككيا، قاعدين نحاربوا ليل نهار لننقذ فلاحتنا و واحاتنا اللي ربي رزقنا بخيرها الكبير”. بينما العم عليوه يحدثني عن حسرته و حبه للفلاحة، تذكرت قصة نجاح المزارع التونسي حافظ كرباعة، الذي أثبت تفوّق البذور التونسية وقدرتها على الصمود في وجه البذور المستوردة التي غزت الأراضي المحلية. المزارع التونسي من منطقة بني حسان في محافظة المنستير الساحلية، واجه الكثير من العراقيل الحكومية أثناء محاولته توزيع البذور التي يملكها على المزارعين الذين اكتشفوا وهم البذور الهجينة التي يُروّج لها كونها حلاً سحريّاً للحصول على لمحاصيل وفيرة. الكل في العالم بات يعلم بأن البذور الهجينة، هي جريمة تهدد الأمن الغذائي للبشرية بأكملها.

قوانين بالية، تكبّل المزارعين وتجعلهم مجبرين على اقتناء بذور مكلفة تمنح تحسناً وقتياً في المحصول لكنّها تلحق بالتربة أضراراً جسيمةً وتهدّد خصوبتها. نحن نعلم جيداً كيف حرق الأمريكي الأراضي الفلاحية الشاسعة في سوريا و في العراق، و كيف فرض على هذه الأخيرة إستعمال الحبوب الهجينة بعد أن سرق منها بنك البذور و شراء الأسمدة من شركاته المجرمة، و كيف سرقوا قمح سوريا و حرقوا المحاصيل… و الحال ليس بالأفضل في الدول العربية و أيضاً الغربية و لكن بطرق و نسب مختلفة. لكن السؤال الذي يفرض نفسه في هذه المرحلة من المواجهات مع العدو الصهيوني، أليس الدفاع عن البذور و الأمن الغذائي هو إحدى جبهات المقاومة لإنقاذ الوجود العربي؟ لماذا لا تلقى صدى محاولات المزارعين العرب لدى المسؤولين الذين يمارسون عليهم ضغطاً متواصلاً للقضاء على محاولاتهم في إنقاذ البذور الطبيعية؟ لماذا يدّعون بأن البذور المحليّة غير مرخّصة وقد تنقل الأمراض؟ لصالح من هذه الخيانات الصامتة؟ و كيف للدولة أن تتجاهل جريمة بهذا الحجم؟ البذور المحلية أو الطبيعية هي تلك التي لم تطرأ عليها عمليات صناعية تغيّر من خصائصها الجينية، كما تتميز هذه البذور بتأقلمها التاريخي مع العناصر الطبيعية والمناخية للبيئة التي نشأت واستمرت فيها لأزمان طويلة، هذا التأقلم يجعلها أقل عرضةً للأمراض ومخاطر التقلبات الجوية، كما أنها تحافظ على خصوبتها و تورّثه للأجيال، إنظروا ماذا فعلوا بأخصب الأراضي الفلاحية في السودان، و التي كانت قادرة هي وحدها على تغذية العالم العربي كاملة. منذ سنوات و العدو يمارس بصمت حربا من نوع آخر، السلاح فيها هو البذور، لذلك يجب مراقبة و معاقبة كل من يتواطئ مع شركات العدو في هذا المجال، و يجب حماية و تجديد القوانين التي تشجع الفلاح على حماية بذوره و أرضه… إن شركات العدو المتعددة الأسماء و الإنتشار في العالم و في الوطن العربي تعمل على إفلاس الدول عبر ضرب رصيد بذورها المحلية، لبيعها كل عام البذور التي تحتاجها لغذائها، إنها إستراتيجية الثعلب تشرتشل: البنوك من أجل التحكم بالدول، و الغذاء من أجل التحكم بالشعوب. لذلك يجب الحذر من الخونة التي تتاجر بالأمن الغذائي لبلادها، فهم أخطر من تجّار السلاح. منذ سبعة آلاف عام و الهلال الخصيب منتج للحياة، و الحضارات و الإستقرار، و جميع هذا يكمن في بذرة.

#سفيربرس _ بقلم : سناء شامي

إعلان
إعلان

رئيس التحرير

محمود أحمد الجدوع: رئيس تحرير صحيفة سفير برس. صحيفة سورية إلكترونية، يديرها ويحررها فريق متطوع يضم نخبة من المثقفين العاملين في مجال الإعلام على مختلف أطيافه, وعلى امتداد مساحة الوطن العربي والعالم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *