تصعيد خطير وتحشيد للقوى تسببه سياسة الولايات المتحدة في سوريا..بقلم : د. سماهر الخطيب
#سفيربرس _ بيروت

بالتوازي مع مواصلة الإدارة الجديدة في سوريا ضبط الأمن وإعادة بناء المؤسسات والجيش وحل الفصائل المسلحة، فإنها تحاول أيضاً بسط سيطرتها على كل أجزاء البلاد، بعد سقوط نظام الأسد منذ أسابيع قليلة. إلا أن محاولاتها تصطدم بالواقع المأساوي الذي فرض وجود قوى أجنبية متنازعة على الأرض.
فالمواجهات المسلحة لا زالت متواصلة بين الفصائل السورية المسلحة المدعومة من تركيا من جهة، ووحدات حماية الشعب الكردية القوة الرائدة ضمن قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في شمال وشرق سوريا، من جهة أخرى. حيث تعتبر تركيا هذه الوحدات المدعومة أمريكياً امتداداً لحزب العمال الكردستاني وخطراً على أمنها القومي وتصنفها على أنها جماعة إرهابية.
وكانت قد أعلنت وزارة الدفاع التركية، أنها قد تلجأ إلى تطبيق خطط إعادة الانتشار في سوريا مبينة “أن مهمة قواتها المسلحة هناك مستمرة”. فيما صرح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أنه يتعين على المسلحين الأكراد في سوريا إلقاء أسلحتهم و”إلا فإنهم سيدفنون في الأراضي السورية”.
فيما أسفرت الاشتباكات العنيفة بين الفصائل المدعومة من تركيا وقسد في محيط سد تشرين شرق حلب عن مقتل 12 من عناصر الفصائل. ودفعت قوات الجيش التركي بمعدات ومركبات عسكرية وذخائر إلى حدود عين العرب (كوباني). في حين شهد محور سد تشرين وجسر قره قوزاق قصفاً مدفعياً مكثفاً من المدفعية التركية، بينما دفعت دمشق بأرتال من القوات باتجاه شمال وشرق سوريا.
وبحسب المراقبين، فإن تصريحات وزير الدفاع في الإدارة السورية الجديدة مرهف أبو قصرة، ورئيس “الإدارة الذاتية” لشمال شرق سوريا مظلوم عبدي في الأيام الماضية توحي بتوتر أمريكي تركي. حيث أكد وزير الدفاع أن الإدارة المؤقتة في دمشق منفتحة على المحادثات مع القوات التي يقودها الأكراد بشأن تفكيكها، لكنه لم يستبعد استخدام القوة، حال فشل المفاوضات.
فيما قال عبدي مؤخراً في تصريحات له، أن المطلب الأساسي للقوات هو الإدارة اللامركزية، وهو ما يمثل تحدياً للإدارة السورية الجديدة. كما هاجم عبدي تركيا قائلاً بأنها “تريد احتلال مدينة عين العرب كوباني لتوحيد مناطق سيطرتها في شمال شرق سوريا، كما أن تركيا تريد السيطرة على كل سوريا”، مؤكداً على استمرار “المعارك في سد تشرين”.
من جهتها، أرسلت الولايات المتحدة الأمريكية طائرة شحن تحمل أسلحة ومعدات عسكرية متطورة إلى قاعدة “خراب الجير” شمال شرقي سوريا. كما أرسل التحالف الدولي ضد داعش 27 شاحنة محملة بمعدات عسكرية وأسلحة إلى قاعدة “قسرك” بريف الحسكة الغربي. فيما تأتي هذه التعزيزات في إطار دعم قوات قسد، التي تعتبرها واشنطن شريكًا أساسياً في الحرب ضد “داعش”.
والى جانب هذا التحشيد من قبل الطرفين، كشفت جلسة استماع أجرتها سابقاً لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي، لماركو روبيو وزير الخارجية الأمريكي، الخلاف الأمريكي التركي حول سوريا. حيث تطرقت الى الموقف “السلبي” الذي تلعبه السلطات التركية في سوريا. ووصف روبيو، الرئيس التركي أردوغان، بأنه “عائق” أمام تحسن الأوضاع في سوريا.
وحذر روبيو في الجلسة من عواقب التخلي عن شركاء واشنطن الكرد الذين قال إنهم تمكنوا من القضاء على داعش في إشارة إلى قسد، مؤكداً أن أحد أسباب قدرة أمريكا على تفكيك داعش هي أن الكرد يحرسون مراكز الاحتجاز التي تضم آلاف من المرتزقة، منوهاً إلى أنهم يتعرضون إلى تهديدات بسبب ذلك.
كما سبق وأن تداولت حسابات وصفحات تواصل اجتماعي محلية صور لوثائق أمريكية سرية صادرة عن وزارة الخارجية في نهاية العام 2023، تُظهر تعليمات الى وكلائها الإعلاميين في المنطقة للعمل بما يخدم السياسة الأمريكية، من أبرزها ترويج فكرة استقلال الكرد عن سوريا والعمل على نقل تجربة كردستان العراق اليها.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن الأكراد كانوا ولازالوا يحلمون بدولة كردية، وهم لن يدّخروا فرصة للنهوض بها، خصوصاً اليوم في ظل الدعم الأمريكي المقدم لهم سياسياً وعسكرياً. لكنهم يواجهون معارضة شديدة من تركيا التي تمارس الضغوط على دمشق لنزع سلاحهم.
بينما تمارس واشنطن نفوذها بعدم السماح لتركيا بالدفاع عن أمنها القومي، فواشنطن تملك أوراق قوة مهمة في سوريا مما يسمح لها إن رغبت بإزاحة أنقرة من المشهد السوري بالكامل. ولكن تضارب المصالح التركية والأمريكية في سوريا يمثل تهديداً للأمن وإستقرار البلاد. والتصعيد العسكري لن يجلب سوى مزيداً من سفك الدماء والأسى والدمار للسوريين.
ويبدو أن الحل يكمن في الإنفتاح على الحوار الداخلي واللجوء الى قوى عالمية أخرى لتدارك الموقف وتحقيق التوازن كروسيا والصين مثلاً، اللتان تملكان علاقات جيدة مع الدول الإقليمية وعلى رأسها تركيا وتستطيعان التحاور مع الولايات المتحدة وثنيها عن مخططاتها لتقسيم سوريا.
#سفيربرس _ بيروت _ بقلم : د. سماهر الخطيب