كتبت د. سماهر الخطيب : بعد سقوط نظام الأسد في سوريا… الدول الأوروبية تجهز لترحيل اللاجئين السوريين قسريًا
#سفيربرس _ بيروت

انتصرت إرادة الشعب السوري أخيراً، بإزاحة بشار الأسد ونظامه عن الحكم في الثامن من ديسمبر من العام المنصرم.. هذا الشعب الذي بدأ بحراكه نحو تغيير النظام والمطالب الإصلاحية منذ أكثر من ثلاثة عشر عاماً فكانت الثورة السورية التي بدأت بمطالب سلمية في الأيام الأولى من اندلاعها لتتدحرج الأمور نحو مظاهر مسلحة وحرب أهلية وظهور الإرهاب على الأرض السورية وتشكيل التحالف الدولي لمحاربته، وانقسام المجتمع الدولي بين داعم لبشار الأسد ونظام حكمه وبين داعم للمعارضة وإرادتها في التغيير وكان الحراك الدولي على أشده في المحافل الدولية والدبلوماسية ما بين جينيف وسوتشي وأستانة وما بين مجلس الأمن والأمم المتحدة واستصدار القرارات الدولية لحل الأزمة السورية وكان آخرها القرار الأممي رقم 2254 لوضع حد لتلك الأزمة التي أرهقت الشعب السوري وما يحتويه القرار من بنود تتعلق بالحل السياسي وتشكيل دستور جديد للبلاد وآلية عودة اللاجئين السوريين..
أضف إلى ذاك الحراك الأممي عقوبات اقتصادية أحادية وأممية فرضت على الدولة السورية وعانى من تبعاتها الشعب السوري.. فطيلة أربعة عشر عاماً من الصراع سقط العديد من الضحايا من الطرفين (النظام والمعارضة) وهجر الملايين من بيوتهم وقراهم ومدنهم، ووصل عدد المهاجرين المقيمين في أوروبا الى ما يقارب الخمس ملايين سوري.
لكن بعد الثامن من ديسمبر 2024، هذا التاريخ الذي شهد توافق دولي وإقليمي للحل في سورية ترجم بالتسلم والتسليم للسلطة في البلاد دون إراقة المزيد من الدماء وهروب بشار الأسد، وتسلم “الهيئة” السلطة لتصبح إدارة الأمر الواقع بعد أن قامت بتجميد الدستور والسلطة التشريعية واستصدار القرارات التي تحفظ السلم الأهلي لتبدأ الوفود العربية والغربية بالتوافد الى سورية باعترافات صريحة وضمنية بالإدارة الجديدة ولتخرج بعض الدول الأوروبية على رأسها النمسا وألمانيا بتصريحات رسمية مفادها أن السلطات ستعمل على ترحيل اللاجئين الى سوريا.
حيث أشارت النمسا بعد أيام قليلة من سقوط النظام السوري، إلى أنها تنوي ترحيل اللاجئين السوريين بعد إطاحة فصائل المعارضة بالرئيس بشار الأسد. لكن المفوض الأوروبي للشؤون الداخلية والهجرة واللجوء ماغنوس برونر، وهو نمساوي، أوضح بعد محادثات مع وزراء الداخلية في بروكسل أن خطوة كهذه ستكون سابقة لأوانها.
وقال برونر في مؤتمر صحافي “في الوقت الراهن، أود أن أقول إن العودة القسرية غير ممكنة”، مشيرا إلى أن العودة الطوعية قد تكون أكثر جاذبية للسوريين الذين يحتفلون بنهاية حكم الأسد.
وبذات السياق، قالت وزيرة الداخلية الألمانية نانسي فيزر إن بعض السوريين الذين نزحوا إلى ألمانيا، وعددهم يقترب من المليون، قد يتعين عليهم العودة إلى وطنهم في ظل ظروف معينة. وقالت فيزر في تصريحات أدلت بها لمجموعة “فونكه” الإعلامية الألمانية، “وفق ما ينص عليه قانوننا، سيقوم المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين بمراجعة وإلغاء منح الحماية، إذ لم يعد الأشخاص بحاجة إلى هذه الحماية في ألمانيا بسبب استقرار الوضع في سوريا”.
وأوضحت أن هذا الأمر سينطبق على اللاجئين السوريين الذين ليس لديهم حق البقاء لأسباب أخرى مثل العمل أو التعليم، والذين لم يعودوا طوعا إلى سوريا، وأكدت كذلك أن وزارتي الخارجية والداخلية تعملان معا للحصول على صورة أوضح عن الوضع في سوريا بعد الإطاحة بنظام بشار الأسد الذي استمر طويلا في السلطة.
وقالت فيزر إن ألمانيا تركز بشكل خاص على قضايا الأمن، وإن الحكومة الألمانية تنسق من كثب مع الشركاء الأوروبيين والدوليين بهذا الشأن. لكنها لم تتطرق الى المخاطر التي سيتعرض لها المرحلين الى سوريا فور عودتهم الى البلاد.
ولكن لا تزال الصراعات العسكرية مستمرة في سوريا بين قوات الجيش السوري الوطني وقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، وكذلك تستمر التوغلات الإسرائيلية داخل الأراضي السورية بذريعة الدفاع عن أي مخاطر وعن أمنها القومي بعد وصول هيئة تحرير الشام إلى الحكم.
وبطبيعة الحال، وبعد سنوات طويلة من الصراعات المسلحة في البلاد، العودة للاستقرار والهدوء تحتاج إلى وقت ليس بالقصير، وقدّر قائد الإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع، أن تستمر هذه الفترة الى ما يقارب الأربع سنوات.. ناهيك عن تصريحات وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال السورية أسعد حسن الشيباني المتكررة، التي أكد فيها أن رفع العقوبات هو مفتاح الاستقرار في بلاده، الأمر الذي على ما يبدو لا يلقى اعتبارًا لدى الأوروبيين، فيبدو أن الغرب دخل الى سوريا لتحقيق أهدافه الخاصة، ولم يكن مهتمًا بمصالح الشعب السوري كما يدّعي، فكل المعطيات والدلائل تشير إلى ذلك، وأهمها التلويح بطرد اللاجئين الذي تم استخدامهم طوال السنوات الماضية لأهداف سياسية وليست إنسانية.
كما ان استمرار التواجد الأمريكي في القواعد العسكرية في المناطق الخاضعة لسيطرة الأكراد دليل واضح على النوايا الحقيقية لدخول التحالف الدولي إلى سوريا في بداية الثورة، وكان الإرهاب وسياسات نظام الأسد الداخلية وقتها سببًا للتغطية على الأهداف الحقيقية، فواشنطن تسيطر اليوم على معظم حقول النفط السورية وتدعم مع حلفائها الأوربيين قوات سوريا الديمقراطية “الانفصالية”، على الرغم من بعض هذه الدول تصدر بيانات وتصريحات تؤكد فيها أنها تدعم وحدة الأراضي السورية”.
وربطت الدول الأوروبية ملف العقوبات المفروضة على سوريا بشروط جديدة تضمن مصالحها الجيوسياسية والإستراتيجية في المنطقة والعالم، وتمارس الابتزاز السياسي تجاه الإدارة السورية الجديدة، على الرغم من أن العقوبات كانت مفروضة على نظام الأسد، ويجب أن تزول مع زواله، وهذا يضع الإدارة السورية الجديدة في موقف صعب في الفترة الانتقالية وفي وقت تبحث فيه على الاستقرار الأمني والسياسي والاقتصادي.
غير أن الرفع المؤقت أو الجزئي للعقوبات المفروضة على سوريا، ليس كافيًا، وليس هنالك أسباب قانونية له، مع توقف الأسباب التي أدت لفرض العقوبات المتمثلة بسياسات وممارسات نظام الأسد، وهذه ليست إلا مناورة سياسية – إنسانية، هدفها تمهيد الطريق مؤقتًا لترحيل قسري بشكل أو بآخر للاجئين السوريين من الدول الأوروبية.
#سفيربرس _ بيروت _ بقلم : د. سماهر الخطيب