الشيخ أردوغان، إمام الشرق الأوسط : بقلم : د.سناء شامي
#سفيربرس _ ايطاليا

في قوله تعالى: إن الحكم إلا لله يقص الحق وهو خير الفاصلين {الأنعام: 57}، وقوله تعالى: إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون {يوسف: 40}، وقوله تعالى: وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله {الشورى: 10}، وقوله تعالى: ويقولون آمنا بالله وبالرسول وأطعنا ثم يتولى فريق منهم من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين * وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون * وإن يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين * أفي قلوبهم مرض أم ارتابوا أم يخافون أن يحيف الله عليهم ورسوله بل أولئك هم الظالمون * إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون * ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون {النور: 47ـ 52}، وقوله سبحانه: ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا {النساء:60}، وقوله عز وجل: فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما.
جميع هذه الآيات تدل على أن الحكم لله… و لكن في الواقع لا بد من معالجة آليات و طرق تنظيم علاقة الدين بالدولة، و هل السياسة دين؟ و الدين سياسة؟ كيف يمكن تنظيم العلاقة بين ثلاثية الدين والدولة والسياسة بحيث تحقق التوافق بين مكونات المجتمع، وتحقق الاستقرار اللازم للتنمية والتقدم؟ ما هو دور الاسلام في الحياة السياسية؟ و ما هو دور الاسلام في الدولة، بما في ذلك نظامها السياسي؟ وما حدود الدور الذي يمكن أن تقوم به الأحزاب ذات المرجعية الاسلامية في اطار النظام السياسي للدولة؟… هذه الأسئلة جميعها أراد آردوغان الرد عليها، و لكن بطريقته الخاصة التي تخدم حزبه داخلياً، و تخدم طموحاته الخارجية: فعلى التوسعية على المستوى الجيوسياس، فأن حضور تركيا في الأزمات الإقليمية يزيد من التوتر، و لا سيما أن التنافس بينها و بين روسيا غير متكافئ عسكرياً رغم إعتماد تركيا على المليشيات المسلحة: ففي ليبيا، رغم نجاح الإتراك للتصدي لحفتر في طرابلس، إلا أنهم توقفوا عند أبواب سرت بسبب القيود التي فرضتها عليهم روسيا، و أردوغان يعلم جيداً بأن على تركيا التعايش مع روسيا، با إنه يعمل على توفير الظروف الملائمة له و ل بوتين من أجل تقسيم ليبيا بينهما، و لا سيما بعد خسارته في سوريا، فقد إضطر إلى تقديم تنازلات لموسكو من أجل ضمان سيطرته على إدلب في شمال غرب سوريا ، أي على الحدود التركية السورية. طموحات تركيا الجيوسياسية و الجيوطاقة جلية أيضاً في شرق البحر الأبيض المتوسط، و تدخل آردوغان، يعني تدخل الناتو بطريقة غير مباشرة و هذا خلق حالة من الجمود و أطال مدة الصراع و خصوصاً فيما يتعلق بترسيم حدود تركيا البحرية، و بالتالي، فأن أردوغان رأى من الضروري أن يُوّرد نزاعات إسلامية سنيّة في المنطقة، ليلعب بذات الوقت بدور المدافع عن إسلام و مسلمين المنطقة و بالذات السنّة، و اجداً في ورقة الطائفية جوكر رابح يخدم مصالحه و مصالح شركائه في المنطقة. تساءلت في بداية المقال كيف يمكن تنظيم العلاقة بين ثلاثية الدين والدولة والسياسة؟ جواب أردوغان عن هذا السؤال، على أرض الواقع له غايات برغماتية و إنتهازية المفعول: ففي عام 2002 حوّل حزب العدالة و التنمية، أي حزب آردوغان، كنيسة آيا صوفيا إلى مسجد، و قد كانت هذه الكنيسة متحفاً منذ عام 1934…و قد تم الإعلان عن هذه الخطوة من خلال خطاب قومي صلب، كما حول العديد من الكنائس السريانية و و الأرثوذكسية المهجورة إلى مساجد، علاوة على ذلك فأن مديرية الشؤون الدينية التركية قد تبوأت أخيراً مكانة عالية في صفوف الدولة التركية، لدرجة أن بعض الدولة الأوربية بدأت تشك في نوايا آردوغان التوسعية بإسم الدين، فعلى سبيل المثال، تم التحقيق مع الفرع الألماني لإدارة الشؤون الدينية التركية و الذي يفتتح المساجد في ألمانيا و يُعين أئمتها منذ أواخر سبعينيات القرن العشرين، بتهمة جمع المعلومات عن المنشقين الأتراك و التعاون مع المخابرات التركية، النمسا أغلقت بعض المساجد التركية لإرتباطها بالتطرف، و في عام 2921 إتهم الرئيس الفرنسي ماكرون تركيا بالتدخل في الإنتخابات الفرنسية من خلال نفوذ الهيئات الدينية التركية في فرنسا. في الحقيقة إردوغان لم يتحالف مع الله ليقوم بدور قيادي إسلامي فيه خير المسلمين، بل إستعمل و يستعمل الإسلام، من ناحية ليتغلب على المشاكل البنيوية الداخلية و لا سيما في الأرياف و المناطق النائية، مثل إزدياد الإنتحار، و زيادة التفاوت بين الفقراء و الأغنياء، و زيادة جرائم قتل النساء و تفاقم الفساد و الرشوة، بالإضافة إلى أن العديد من الوزارات و المؤسساسات البيروقراطية تقع تحت سيطرة الجماعات الإسلامية التركية… أمّا من ناحية أخرى فأن الخطاب الإسلامي في السياسة الخارجية التركية يضمن لها إمتداد تأثيرها على المناطق التي يتواجد فيها مسلمين أينما وُجدوا، بالإضافة يخدم تماشي آردوغان مع رغبة الولايات المتحدة الأمريكية بخلق نموذج ثالث من الإسلام في المنطقة، إلى جانب النموذجين الإيراني و السعودي، يسيطر على “الثورات” في البلدان الواقعة على الضفة الجنوبية للبحر الأبيض المتوسط، و لذلك بين عام 2010 – 2011 سارع آردوغان لمصافحة الرئيس المصري السابق مرسي. لقد أجاد أردوغان لعبة إمام الأمة الإسلامية، و زاد من شعبيته في العالم و لا سيما إنه إستطاع ربط توجهات سياسته التي إعتمدت ورقة الإسلام بنجاح إقتصادي داخل تركيا… إردوغان يعمل على جعل تركيا قوة جديدة على مفترق الطرق بين الشرق و الغرب، و لكن مع أغلبيته السنية يريد أن يبدو زعيم إسلامي معتدل كي يحظى برضى شعبه و أيضاً برضى الغرب، الذي يرى أردوغان قادراً على ملئ الفراغ الناجم عن أزمة الزعماء المعتدلين في المنطقة… أردوغان ليزيد من شعبيته في المنطقة فقد عرف كيف يُقحم قضية فلسطين في خطابه الديني و ينصب نفسه مدافعاً عنها، علماً لمن لا يعرف، فقد قدّم آردوغان سوريا على طبق من ذهب لإسرائيل ، كما أن:
• تركيا هي الدولة الإسلامية الوحيدة العضو في حلف شمال الأطلسي.
• توجد 26 قاعدة عسكرية للولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي في تركيا.
• كانت تركيا أول دولة إسلامية اعترفت بقیام دویلة إسرائيل في عام 1948 واقامت علاقات مع هذا الكيان.
• خلال حكم أردوغان ، تم توقيع 60 اتفاقية بين تركيا وإسرائيل.
• هناك قاعدتان عسكريتان إسرائيليتان في تركيا، واحدة في قونية والأخرى في إزمير.
• بموجب اتفاق حلف شمال الأطلسي، يسمح لإسرائيل باستخدام قاعدتي إنجرليك وديار بكر العسكريتين.
• أكبر حجم للتبادل التجاري لإسرائيل مع دول أخرى هو مع تركيا، والذي وصل إلى 9 مليارات دولار في عام 2022.
• يزور تركيا حوالي 500,000 سائح إسرائيلي كل عام
• تسمح تركيا للسياح الإسرائيليين بالدخول بدون تأشيرة، بينما يحتاج الفلسطينيون إلى تأشيرة للدخول.
• يقع ثاني أكبر مصنع أسلحة إسرائيلي في العالم في تركيا.
• الرئيس التركي رجب طيب أردوغان هو الزعيم المسلم الوحيد الذي حصل على ميدالية “الشجاعة اليهودية” من اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة.
• أردوغان الرئيس المسلم الوحيد الذي زار قبر تيودور هرتزل، مؤسس الحركة الصهيونية.
• أردوغان الرئيس المسلم الوحيد الذي زار إسرائيل خمس مرات.
• تركيا هي الدولة الإسلامية الوحيدة التي شرعت زواج المثليين.
• تركيا هي الدولة الإسلامية الوحيدة التي لديها شواطئ للعراة.
• يوجد حوالي 20,000 بيت دعارة قانوني (مناطق حمراء) في تركيا. وتدر هذه الصناعة علی ترکیا سنویا اربعة ملیارات دولار.
• يوجد 265 مصنعا للنبيذ والمشروبات الکحولیة في تركيا.
• بعد إغلاق اليمن لمضيق باب المندب والحصار البحري لإسرائيل، كانت تركيا أول دولة ترسل جميع الإمدادات والموارد اللازمة إلى إسرائيل عبر البحر الأبيض المتوسط.
• إن الشيخ أردوغان يجيد ترأس المنبر، و يعرف كيف يؤدي فروض مصالحه السياسية بطربوش السلطان و تهليلات الإسلام. لقد إستعادت تركيا الأردوغانية خطابها التوسعي و ربطته بالتصميم الإسلامي الشرق أوسطي للعالم العربي السُنّي، مقتربةً من روسيا و آمريكا و إسرائيل، و مبتعدةً بالتدريج عن الغرب الذي يبدو اليوم متخبّطاً في ظل التغيرات الجيوسياسية.
#سفيربرس _ إيطاليا _ بقلم : د. سناء شامي