سوريا ما بين التحديات الداخلية المؤثرة على مستقبلها والخطر الأمريكي الإسرائيلي _ بقلم : د. سماهر الخطيب
#سفيربرس _ بيروت

وسط محاولات الإدارة الجديدة في سوريا إرساء دعائم الأمن والإستقرار في البلاد بعد سقوط نظام الأسد البائد أواخر العام الماضي، لا تزال البلاد تعيش حالة ضبابية مترافقة مع تحديات داخلية وخارجية تمثل عبئاً على كاهل هذه الإدارة وعلى السوريين على حد سواء. ناهيك عن تخوف السوريين من تقسيم محتمل للبلاد نظراً للصراعات بين الدول المرتبطة بالملف السوري.
فمن أحداث الساحل السوري الدموية والمؤسفة التي راح ضحيتها الآلاف من المدنيين، الى توقيع الرئيس المؤقت للبلاد أحمد الشرع أو “الجولاني” للإتفاق مع قائد قوات سوريا الديمقراطية (قسد) مظلوم عبدي، بدمج كافة المؤسسات المدنية والعسكرية التابعة للإدارة الذاتية الكردية في إطار الدولة السورية، الى جانب الجدل الواسع بما يخص مسودة الإعلان الدستوري التي وقعها الشرع منذ أيام، تبقى سوريا ضحية الخروقات الإسرائيلية الدورية لسيادتها، وأمام مشروع أمريكي طويل الأمد فيها.
وفي هذا الصدد، كانت قد أفادت شبكة “إن بي سي نيوز” مطلع الشهر الفائت أن وزارة الدفاع الأمريكية “البنتاغون” بدأت وضع خطط لانسحاب القوات الأمريكية من سوريا، وفق ما كشفه مسؤولان فيها. ويأتي ذلك بعد أن أبدى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والمسؤولون المقربون منه رغبتهم في سحب القوات، مما دفع البنتاغون للبحث في إمكانية تنفيذ الانسحاب خلال فترة تتراوح ما بين 30 إلى 90 يوماً.
وسبق وأن أكد ترامب في تصريحات سابقة أن الولايات المتحدة “لا تسعى للتورط في الصراع السوري”، معتبرًا أن الأزمة هناك لا تتطلب تدخلًا أمريكيًا. أتى ذلك بعد زيارة قام بها مايك والتز مستشار الرئيس الأمريكي للأمن القومي الى مقر القيادة المركزية الأمريكية في ولاية فلوريدا، التقى فيها مع كبار القادة العسكريين الأمريكيين واطلع على آخر التطورات في منطقة الشرق الأوسط.
وعلى ما يبدو فإن الولايات المتحدة بعهد الإدارة الجديدة للرئيس ترامب وإن نفذت رغبتها في سحب قواتها من سوريا فإنها ستقوم بسحب جزء فقط، والإبقاء على جزء آخر يتولى مهام متعددة أهمها إدارة وحماية حقول النفط بالتنسيق مع الإدارة الذاتية الكردية.
وتجدر الإشارة هنا الى أن الأمريكيين، على الرغم من إعلانهم الرحيل عن سوريا، إلا أنهم ليسوا على عجلة من أمرهم لمغادرة مناطق النفط، تماماً كما حدث في العراق. حيث أن الأمريكيين أعادوا نشر قواتهم وسحبوا أجزاء وأعادوا أجزاء أخرى منها خلال كل هذه السنين الطويلة من مكوثهم، دون أن يغادروا العراق بشكل كلي، لأنهم مستفيدون من بقائهم في هذا البلد الغني جداً بالنفط.
أضف إلى ذلك بأن الإنتاج السوري من النفط يشكل أهمية لا غنى عنها بالنسبة للأمريكيين بالرغم من أنه لا يشكل في ذروته أكثر من 0.05% من الإنتاج العالمي، بطاقة لا تتعدى 400 ألف برميل يومياً، وهو إنتاج منخفض بالمقارنة مع العراق الذي ينتج يوميا قرابة 4.3 ملايين برميل..
ولكن لا ننسى بأن أمن الطاقة في المنطقة والسيطرة على منابعها وإمداداتها في المنطقة والعالم أحد أهم الأهداف الاستراتيجية الأميركية التي تضاف إلى حماية الشركات الأميركية والحفاظ على مصالحها وضمان أمن إسرائيل.
ورغم أن حقول النفط السورية لا توازي بإنتاجها مثيلاتها في المنطقة ولكنها تحظى باهتمام أميركي يضاف إلى اهتمامها بالسيطرة على حقول الغاز الطبيعي المكتشفة في السواحل السورية وفق المسوحات الجيولوجية الأميركية والتي قدرتها ب 3,455 مليار متر مكعب شرق المتوسط إضافة إلى ما يقارب 107 مليار برميل من النفط وفي سورية احتياطات مؤكدة تصل إلى 2.5 مليار برميل من النفط و10.1 تريليون قدم من الغاز وفق تقديرات عام 2013. وهذا ما يمنحها اهتمام أميركي باعتبار أن مكمن النفوذ والقوة بات يقدر بحجم وإمكانية التحكم بالمخزون الطاقوي ..
وتجدر الإشارة هنا إلى أنه تم إنشاء مركز الطاقة الأميركي الإسرائيلي عام 2014 وجاء فيه أن التعاون بين الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل في مجال الطاقة وتنمية الموارد الطبيعية الإسرائيلية يصب في مصلحة الاستراتيجية الأميركية..
وفي العودة إلى سورية فيبدو واضحا أن أهمية الحقول النفطية تعود إلى سببين رئيسيين، أولهما أن الولايات المتحدة الأمريكية تستخدم عائدات جزء من النفط السوري المنهوب من أماكن السيطرة المشتركة للتحالف الدولي بقيادة واشنطن وقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، لشراء معدات وأسلحة نوعية لمقاتلي قسد، تشتمل على طائرات مسيرة وأنظمة إتصال بالأقمار الصناعية وغيرها من الأسلحة والذخائر.
وهذا الدعم يأتي لمواجهة التهديدات التركية المستمرة بالقضاء على قسد التي تشكل وحدات حماية الشعب الكردية العمود الفقري لها، والتي تعتبرها أنقرة تهديداً لأمنها القومي وتقوم بالإعتداء على مناطق توزعها بشكل دوري داخل الأراضي السورية. حيث تصر واشنطن على دعم الأكراد كشركاء أساسيين في الحرب على الإرهاب، وبالتالي تستخدمهم كورقة ضغط ضد أنقرة التي تسعى الى الهيمنة الإقليمية.
يُشار الى أن تركيا أطلقت في عام 2018 عملية “غصن الزيتون” ضد وحدات حماية الشعب في مدينة عفرين شمال غربي سوريا، حيث أدت العملية إلى سيطرة الجيش التركي والقوات المتحالفة معه على المدينة. وفي أكتوبر/تشرين الأول 2019، نفذت تركيا عملية “نبع السلام” في شمال شرق سوريا، مستهدفة عناصر وحدات حماية الشعب، وتمكنت القوات التركية من السيطرة على مدينتي تل أبيض ورأس العين الحدوديتين خلال أيام قليلة.
والسبب الثاني، يعود الى أن الولايات المتحدة الأمريكية تقوم بنقل الجزء المتبقي من النفط السوري المنهوب الى إسرائيل. وهذا النفط يأتي في إطار زيادة المساعدات الأمريكية السخية لإسرائيل، والتي كانت تشتمل على الأسلحة والمعونات المالية، والتي بلغت قيمتها الإجمالية نحو 22 مليار دولار، منذ 7 أكتوبر 2023.
حيث تناقلت وسائل إعلام محلية صور أقمار صناعية كشفت عن قوافل من الصهاريج المحملة بالنفط في محافظة الحسكة المتجهة الى مطار التحالف في مدينة الشدادي لتعبئته في طائرات نقل عسكرية أمريكية، ومن ثم توجه تلك الطائرات بشكل شبه أسبوعي الى إسرائيل بحسب موقع فلايت رادار لتعقب الطيران. وهذه الصور تختلف عن الصور السابقة التي انتشرت خلال السنوات السابقة للقوافل المتجهة من حقول النفط الى الحدود العراقية بحماية من الحوامات الأمريكية ومرافقة قوات قسد.
ومن الجدير بالذكر، أن الإدارة الذاتية الكردية في شمال شرق سوريا وقعت في عام 2020، اتفاقًا مع الشركة الأمريكية “دلتا كريسنت” لاستغلال حقول النفط في رميلان لمدة 25 عامًا قابلة للتجديد، وشمل الاتفاق تطوير 1300 بئر نفطي وحقول غاز في المنطقة. فيما أدان النظام السوري الاتفاق ووصفه بـ”السرقة”، بينما لم تعلق قسد المدعومة أمريكيا على الأمر.
كما أن سوريا تضرر اقتصادها وأصبحت تستورد النفط ومشتقّاته لسداد حاجاتها الأساسية بعد سيطرة القوات الأمريكية على الحقول. وقد صرّح ترامب سابقًا بأن القوات الأمريكية ستبقى “حيث يوجد النفط”. فيما قامت الشركات العسكرية الأمريكية الخاصة بزيادة عديد أفرادها، إذ تجاوز عدد مرتزقة الشركات العسكرية الخاصة في سوريا 3500 شخص، ما بين العامين 2015 و 2019.
واتهم النظام السابق في سوريا الولايات المتحدة بسرقة ما قيمته نحو 20 مليار دولار من النفط والغاز على مدار أكثر من 11 عاماً. وكشفت وزارة الخارجية السورية عن قيمة الخسائر المباشرة لاعتداءات القوات الأمريكية على أراضيها، موضحة أنها تبلغ 25.9 مليار دولار، منها 19.8 مليار دولار حجم خسائر النفط والغاز المسروق.
في المحصلة يبدو أن المشروع الأمريكي الإسرائيلي في سوريا يشكل خطراً على وحدتها وسلامة أراضيها، وعودة ترامب الى البيت الأبيض لن تكون في صالح السوريين، خصوصاً في ضوء العلاقة العضوية بين الإدارة السورية الجديدة والحكومة التركية..
ما يعني أن التعويل على الخارج يمنحهم فرصة الاستيلاء على الأراضي السورية وتقاسم المصالح على حساب المصلحة السورية ..
#سفيربرس _ بيروت _ بقلم : د. محمد سماهر الخطيب