
إعلان
لقد أصبح نفط العرب للعرب… ليست فقط جملة قالها صدام حسين، بل كانت حقيقة واقعة، تأميم النفط كان له صدى في كافة أنحاء العالم العربي، وأصبح الحلم حقيقة بتحقيق الاستقلال الاقتصادي وتحرير الشعوب العربية بإنهاء إعتمادها على المجتمعات الرأسمالية الغربية. أعلن صدام حسين أن أي انتصار تحققه أي دولة عربية، يُشكل خطوة على طريق الإنجاز. قررت الدول المنتجة للنفط المجتمعة في الكويت زيادة سعر النفط بنسبة 75%، وخفض الصادرات بنسبة 5% و هذا كان بمثابة حظر على أصدقاء إسرائيل. و في عام 1975 أكملت العراق تأميم كل نفطها، الذي أدى إلى نمو إقتصادها و بناء جيشها و إزدهار جامعاتها. لم تكن بريطانيا و آمريكا لتقبل بهذا التحدي من دولة عربية… فبدأت كل أجهزتها بتنفيذ مخطط جيوسياسي يوفر الظروف المناسبة للتدخل العسكري المباشر في المستقبل لتدمير العراق. فجاء سقوط جدار برلين في عام 1989 وإنهيار الاتحاد السوفييتي في عام 1990، و في عام 1991 كانت آمريكا قد أصبحت جاهزة لغزو العراق عسكرياً. في 17 كانون الثاني/ جانفي من ذات العام، بدأت عملية عاصفة الصحراء: مئات الصواريخ المجنحة أمطرت موتاً، و سقطت أكثر من 95 ألف طن من القنابل على كامل أراضي بلاد الرافدين، أي ما يعادل 6 قنابل من نوع هيروشيما، و في الهجوم البري في 24 شباط/فبراير. يفقد أكثر من 100 ألف جندي عراقي حياتهم، ويدمر سيل القنابل والصواريخ 92% من محطات الطاقة، و80% من المصافي، وجميع مراكز الإتصالات و الإذاعة والتلفزيون و كل مصانع البتروكيماويات تقريباً، والجسور والطرق السريعة وخطوط السكك الحديدية والمصانع والمقابر وحتى محطات تنقية المياه… كل ذلك حدث بصمت عربي من ناحية الشعوب العربية و بمشاركة من الحكومات العربية، و بموافقة من الجامعة العربية، فكيف يمكن لعقل أن يفهم الشيزوفرينيا العربية، و كيف لوجدان يقظ أن يصدق هتافات العرب المرددة فلسطين عربية، فلسطين حرة أبية! ألم تكن العراق أبية و عربية؟ أتساءل ما هو دور الجامعة العربية البارحة، و ما دورها اليوم؟ بتُّ أشك بأن هدفها الفعلي هو تعطيل الوحدة العربية!
هل الإهتمام بفكرة النضال من أجل تحقيق هذه الوحدة آخذ في التراجع؟ و هذا السؤال أتوجه به إلى الرئيس السوري أحمد الشرع الذي قاد حملة على الظلم و الديكتاتورية حسبما صرح: سيادة الرئيس هل يمكن أن يكون هناك كرامة و حرية بشكل منفصل عن بقية دول الجوار و بقية الدول العربية؟ سيادتك بعلم جيداً بأن الحكومات العربية التي تحكم أقطارها منذ فترة طويلة لم تنجز حتى الحد الأدنى من التنسيق من أجل الإتحاد فيما بينها، حتى سوريا و العراق، برغم إنتساب النظامين لمرجعية فكرية واحدة، لم يستطيعا حكّامهما بتحقيق وحدة مصغّرة، و للآسف، إنتهت محاولتهما بمجزرة دموية. فهذه الأنظمة التي رفعت شعارات الإشتراكية و الوحدة و الحرية و المساواة، إلا إنها طبّقت عكس ما روجت له: فقد عمّقت التجزئة و الفقر، و بدلاً من الحرية أشاعت الرعب و لاحقت النزهاء و الوطنيين… سيادة الرئيس، في يمّ هذا المحيط الجيوسياسي الهائج و بقاء الدول العربية متفرّقة و مفترقة، هل ستستطيع أن تجتاز الأمواج و تصل بسوريا إلى بر الأمان؟ بدلاً من التحالفات هنا و هناك، أليس من الأفضل إنعاش فكرة الوحدة العربية، و أن يكون مشعل هذا المشروع بيد سوريا؟ من قلب موازين نظام حكم دام لأكثر من خمسين عام، أليس بإستطاعته العمل على مشروع الوحدة العربية و إزالة الحدود و العوائق بين شعوب المنطقة بأسرها؟
لقد أشارت نتائج الدراسة الميدانية التي نشرها مركز دراسات الوحدة العربية إلى أن تمسك شعوب المنطقة بالهوية العربية المشتركة وصل إلى 82% كما أبدى أكثر من 60% رغبتهم بإندماج مشترك و أيّد 66% إقامة إتحاد فيدرالي ذات سياسة خارجية و عسكرية واحدة. قد يكون الإتحاد العربي معقدّاً و شاقاً، إلا إنه ليس مستحيلاً، و يمكن إعادة تأسيس و تعريف الوحدة العربية عبر تجاوز الخطاب الوحدوي الكلاسيكي، و الذي يركز في خطابه على الأمة الموحدة عبر التاريخ، و على وحدة المنظومة التاريخية و الدينية و اللغوية… بينما يمكن الإهتمام بالجانب البراغماتي، أي على مضمون وحدة الجانب الإقتصادي و الإجتماعي، مع إحترام التنوع الثقافي و العقائدي و إعادة النظر في النظام الإسلامي بطريقة علمية و تحرير هذا النظام من شوائب مفاهيم التأسلم، و التطرف و العلمانية الخاطئة و كل التفسيرات الدخلية على جوهره الهادف إلى توظيف حكم الدولة حسب القوانين الطبيعية و الإنسانية التي أقرها الخالق في قرآنه كدستور للحكم بالعدل، و الإبتعاد عن جميع كتب التفسيرات البالية. التركيز على المنافع التي يجنيها المواطن العربي، و الإنتقال من عالم المثالية إلى الواقعية السياسية، و بالتدرج الإتفاق مع الدول المهتمة بمشروع الوحدة العربية بإلغاء التأشيرات، إنشاء سكك حديدية، توحيد المناهج التعليمية، وحدة جمركية، سوق مشتركة و وزارة شورى مشتركة للسياسة الخارجية و إتفاقيات دفاع مشترك، و ما إلى هنالك من آليات ضرورية لتأسيس و دعم مشروع التوحيد، مع الأخذ بعين الإعتبار أولاً تحرير فلسطين من براثن الصهيونية، إذ لا يمكن لتوحيد أن يقوم دون دحض منبع الفرقة و التفتيت.
إن الفكر العربي المنهزم جعل من الغرب يبدو و كأنه الحل الأوحد، لماذا يا سيادة الرئيس لا تقلب الموازين و تجعل من دمشق منطلقاً لمشروع توحيد يعيد لسوريا و الدول العربية إستقلالية كرامتها عن غرب قزّمها؟ في الدستور الجديد أصبحت رئيس يتمتع بالعديد من الصلاحيات الهامة، من موقعكم هذا، هل هناك إمكانية أن تعمل سيادتك على القضاء على الصراع بين الملل و الأعراق و الطوائف، و التحرر من السجالات العقيمة و التيارات المتناحرة؟ هل سيادتكم قادر على إقناع الحكّام العرب بأن الدولة الوطنية هي صناعة إستعمارية، و يمكن عدم إعتبارها عثرة أمام التوحيد العربي؟ هل يمكن لسيادتكم إقناع حكّام المنطقة بأن الوحدة القومية لا تعيق الوحدة الوطنية، و لا تعيق تفردهم بالسلطة؟ هل يمكنكم إقناعهم، و أنتم المؤمن بكتاب الله، بأن الحكم لله، و بدون إتّباع قوانين كتابه الكريم لا معنى للحكم و الحياة؟
يجب على هذه الأمة أن تتحرر من الثنائيات التي ضغطت العقل العربي بين حدّي مقصلة:
عروبة/إسلام، دين/علمانية، أصالة/معاصرة… ثنائيات مستوردة المعاني، لا تنطبق على الواقع التاريخي و السياسي و الثقافي و الإجتماعي و القيمي و التراثي.
هل من الممكن يا سيادة الرئيس، و أنت الذي يعمل الآن على خلق سوريا جديدة، أن تحاول أن تستنبط من تاريخ المنطقة، كتلة تضم مختلف التيارات المؤثرة في الأمة، تعمل على مشروع التوحيد العربي و على تحرير هذه الأمة من التبعية للغرب، و تصنع تحالفات معه برأس مرفوع؟ و هناك سؤال آخر يفرض نفسه، إذا كانت إسرائيل قد نجحت في تحقيق معظم أهدافها في المنطقة، فما الذي تبقّى لم تحققه بعد؟
و إلى أي مدى يمكن أن تستمر في تنفيذ مخططاتها المعلن عنها و المخفي، في ظل المتغيرات الإقليمية الحالية؟
الإجابة حتماً تكمن في قدرة الدول العربية، سواء على المستوى الرسمي أو الشعبي، على تقبّل إستراتيجيات إسرائيل و العمل على مواجهتها بسياسات جديدة تخرج عن ردود الفعل الإنفعالية، لأن إسرائيل لن تتراجع عن تنفيذ مخططاتها في المنطقة، إلا أمام قوة تفرض عليها إعادة حساباتها، و هذا ما يتطلب بناء إستراتيجية عربية قادرة على مواجهة مشاريعها التوسعية، قبل أن تُفرض حدود جديدة على المنطقة كما خُطط لها منذ عقود. لقد سقطت دمشق بأيدي الآشوريين و البابليين و الفرس و الإغريق و الرومان و إسكندر المقدوني، و في فترة زمنية، إستولى الأمير التركي نور الدين الزنكي عليها و جعل منها مملكة و قاعدة لحملاته العسكرية ضد الصليبيين… رحلوا جميعاً و بقيت دمشق… دمشق تاريخ غير منقطع منذ أكثر من عشرة آلاف عام، و صارت عاصمة سوريا في عام 635 فهل من الممكن يا سيادة الرئيس الذي يقود سلطات الدولة أن تُبقي دمشق عاصمة سوريا، ليس فقط سوريا بحدوثها الحالية، و إنما سوريا بحدودها الطبيعية و التاريخية و تنوعها الإنساني و الثقافي؟ هل يمكن لسيادتكم بعد إسقاط نظام شرس دام زمن طويل، أن تعيدوا لدمشق دورها القيادي و كبرياؤها التاريخي؟
إنها ليست أسئلتي، إنها أيئلة أجيال ولدت و في فهمها ثدي الهزيمة، أجيال تائهة، تبحث عن قائد يجمعها و ينقذ وجودها من الإندثار. وفقكم الخالق بما فيه خير البلاد و خير هذه الأمة المكلومة، فلا يمكن فصل البعض عن الكل.
#سفيربرس _ بقلم : د. سناء شامي
إعلان