على غفلة منّا يتسلّل نور”البطل” _ بقلم : سعاد زاهر
#سفيربرس

وقائع مسلسل “البطل” تشبه رواية أخاذة تحفر فينا عميقاً، وتكشف زيف حياتنا وادعاءاتها الباطلة، لكن الأهم التقاطع المخيف مع واقع عشناه قريباً، ولا تزال بقاياه تجتاحنا كزلزال لن نشفى منه، قبل وقت طويل.
تجربة مشتركة
نعيشها معهم في الكثير من جوانب تلك القرية المنسية، المهمشة على أقاصي حدود الحياة، معايشتنا من خلال شخصيات أبدعها الكاتب الرحل ممدوح عدوان في مسرحية “زيارة الملكة” سبق وحاول مخرج العمل الليث حجو، مع عدوان، تحويلها إلى عمل درامي قبل عشرين عاماً، لكن رحيل الكاتب أوقف العمل.
ليأتي رامي كوسا بالاشتراك مع مخرج العمل، ويقدم لنا حكاية تأخذ مساراتها منا جميعها، نشاهد عبر محاورها الدرامية عبثية حياة لا ننجو منها، حتى لو قذفنا بأنفسنا في مراكب الموت، مشحونين كغنم جاهز للرعي.
في تلك القرية التي تداهم قاطنيها أحلام الخروج منها، جرداء كأن الحشائش غادرتها، والأشجار تعلن تمردها، غير آبهة باخضرار مؤجل إلى حين إعلان النصر على كل ما يجعل الصور باهتة، مقصية كلياً عن حياة تشبه البشر.
كأن سكانها محشورون ضمن تلك العلب التي لا تصلح للحياة، حتى لو حاول أحدهم التمرد والانصياع نحو حياة لا تشبه حلمه، فمصيره الموت، وما بين حافة الموت، والحياة تتراقص شخصيات “البطل” الأستاذ يوسف “بسام كوسا” مدير المدرسة وبطل القرية، فرج”محمود نصر” بطل من عصر الوباء، بطويلة زائفة تحرق كل من حولها.
مريم “نور علي” ابنة يوسف، وشقيقها مجد” وسام رضا” يعيشان ليالي القصف مع جيل يمثله شبان يبدون فاقدي الأمل، مجرد تحركات نحو اللاشيء، موقنين بعدم النجاة، لا يجتمعون أو يغيرون مصيرهم كأن سوراً من لهب ونار يحيط بتلك القرية، حتى حين قرروا الخروج منها، حاصرتهم نيران القذائف، فعادوا صاغرين.
مروان “خالد شباط” طيلة الوقت يحاول مع خطيبته الهرب من مصير تلك القرية، ولكن حيرة مريم بين والدها ومروان يحيل حياتها إلى وقائع لا تنسى، تنتهي بموت مجاني لمروان، واستمرار مريم تائهة خارج ممرات الحياة ودهاليزها القاتمة.
المهندسة رانيا “هيما إسماعيل” بدور زوجة مدير المدرسة يوسف، تتحول حياتها عندما يحاول زوجها إنقاذ أحد طلاب المدرسة إثر حريق، فيصاب بالشلل، ويصبح عاجزاً، على كرسي متحرك، هذه اللحظة الدرامية الاستثنائية، تأخذنا عبرها هيما، لنعايش وقائع حياة زوجة تتعرض إلى الابتزاز في العمل، وتحاول الثبات من أجل عائلتها في وجه كل المصاعب.
أهوال الحرب لا تستثني أحداً سلافة “نانسي خوري” متروكة مع طفلها الرضيع، راما “رسل الحسين” زوجة فرج والتي قيضت روحها للتعاسة، وحتى أولئك الشبان الذين مروا بسرعة جميعهم متروكين تحت الوجع والخذلان.
تتزايد الأيام الحالكة مع التحولات التي تعيشها شخصية فرج ابن سمرا “جيانا عيد” تمتهن تغسيل الموتى، وقاتلة والده، والتي أنجبته في السجن، ينقلب من شخص غير مرئي إلى المسيطر على كل تفاصيل القرية، بل والمحرك الرئيسي لكل أعمال الشر، بما فيها حرق أراضي القرية وشرائها بثمن بخس، وتهريبهم عبر البحر، واحتكار بيع الوقود.
في لحظات عديدة نتعاطف مع فرج أو محمود نصر، نكرهه وندير وجوهنا من قسوته ولكن تقلباته بين الشر إلى الخير، ومن القسوة إلى الضعف، كما فعل في مشهد موته لنعيش مع مشهدية ثنائية مميزة بطلها كوسا ونصر، يعطيك انطباعاً عن مدى تقمص فرج وكوسا للشخصيتين وعمق أدائهما.
قبل نهاية فرج المحتومة، وفي حوارية بينه ومريم ابنة البطل الحقيقي، نفهم أنه يحاول التشبه بوالدها، الأستاذ يوسف المبهر في طيبته وعقلانيته والخير الذي يصدره لقريته، وليس مستغرباً أن يغيب كل هذا الخير ليسجن إلى حين إطلاق تحرير البلاد إنقاذه وعودته ليحمل ابن مريم، يوسف ومع أنه وليد خلطة عجيبة يهزأ منها، إلا أنه سيعاصر عهداً جديداً، بالتأكيد لا يشبه أي شيء العهد المرعب الذي عايشه جده، وجعله حبيس كرسيه، رغم بطولته النادرة.
#سفيربرس _ بقلم : سعاد زاهر
على غفلة منّا يتسلّل نور”البطل”