خريطة طريق لنجاح المؤسسات الإعلامية في عصر التحديات الرقمية ـ بقلم :حسين الإبراهيم
#سفيربرس

في إصداره الثلاثين، يُقدِّم تقرير “اتجاهات الصحافة العالمية” الصادر عن الرابطة العالمية للصحف وناشري الأخبار (WAN-IFRA) تحليلاً شاملاً لتحولات صناعة الإعلام، استنادًا إلى آراء 240 مسؤولًا تنفيذيًّا من 85 دولة. ويرسم التقرير صورةً معقدة تجمع بين التفاؤل بحلول مبتكرة، وحذر من تحديات قد تعيد تشكيل المشهد الإعلامي.
- 1. المطبوعات: تراجع لا يعني الانقراض
سجَّلت عائدات المطبوعات انخفاضًا تاريخيًّا إلى أقل من 45% من إجمالي دخل الناشرين (مقارنة بـ57.5% في 2023)، لكنها تظل عمودًا رئيسيًّا في أسواق مثل اليابان والهند، حيث لا يزال الجمهور متمسكًا بالورق.
هذا التراجع يفرض على الناشرين تبني نموذج هجين (طباعة + رقمي)؛ فالمطبوعات يمكن تحويلها إلى منتج “فاخر” موجّه للشرائح التقليدية، بينما تُوجَّه الاستثمارات الرقمية نحو جيل الألفية. وهنا يكون التحدي الأكبر هو إدارة التكاليف المرتفعة للطباعة في ظل تحوُّل الجمهور، وهو ما يتطلب إعادة هندسة العمليات.
- 2. الإيرادات الرقمية: نمو يحتاج إلى ذكاء
ارتفعت الحصة الرقمية إلى 31% من إجمالي العائدات (+7% سنويًّا)، مدعومةً بالبودكاست والاشتراكات، لكنها لا تعوِّض خسائر المطبوعات.
هذا يعني أن النجاح الرقمي لن يتحقق بمجرد نقل المحتوى إلى الإنترنت، بل عبر استراتيجيات مُخصَّصة مثل:
- جدران الدفع الديناميكية: التي تتكيّف مع سلوك القارئ.
- تقسيم الجمهور: تقديم محتوى متفاوت الجودة والعمق حسب شرائح المستخدمين.
- مثال نجاح: صحيفة نيويورك تايمز التي حوّلت 70% من إيراداتها إلى مصادر رقمية عبر اشتراكات مُخصصة.
- 3. تنويع الإيرادات: بين الفعاليات والتجارة الإلكترونية
تأتي 23.8% من إيرادات الناشرين الآن من مصادر غير تقليدية كالفعاليات والتجارة الإلكترونية، حيث تُساهم الفعاليات وحدها بنسبة 40% لدى بعض المؤسسات.
في تحليل ذلك نلاحظ:
- على صعيد الفعاليات: تحوِّل العلامات الإعلامية إلى منصات مجتمعية (مؤتمرات، ورش عمل).
- على صعيد العضوية: يجمع نموذج The Guardian التطوعي مليون عضو، بإيرادات تتجاوز 300 مليون دولار سنويًّا.
هذه النماذج تعيد تعريف دور الناشر: من مُقدِّم أخبار إلى مُنشئ مجتمع.
- 4. الذكاء الاصطناعي: الفرص والتحديات متساوية
بالرغم من أن 13% فقط من المؤسسات تشعر بالجاهزية لدمج الذكاء الاصطناعي، فإن أدوات مثل التحليلات التنبؤية وروبوتات الدردشة تُحدث ثورة في غرف الأخبار.
وهذا يعني أن:
- في مجال التحديات: انقسام العالم بين أسواق متقدمة (تستثمر في الذكاء الاصطناعي) وأخرى نامية (تعاني نقص البنية التحتية).
- في مجال الحلول: شراكات مع شركات التكنولوجيا + برامج تدريبية مكثفة.
- الخطر الأخلاقي: يكمن في كيفية محافظة المؤسسات على المصداقية مع أتمتة المحتوى؟ وقد تكون الإجابة في “ميثاق أخلاقي” لاستخدام الذكاء الاصطناعي.
- 5. حرية الصحافة: معركة وجودية
شهد عام 2024 مقتل 100 صحفي، وارتفاعًا غير مسبوق في الهجمات السيبرانية والدعاوى القضائية الملفقة (SLAPPs).
في تحليل ذلك نرى:
- الأسواق النامية: الأكثر تضررًا بسبب غياب الحماية القانونية.
- الحلول: تعاون إقليمي ودولي (مثل المؤتمر الأوروبي لمكافحة SLAPPs)، واستثمار في الأمن الرقمي للصحفيين.
- دور المنصات: يهدد تحيُّز الخوارزميات تنوع الآراء؛ ما يتطلب ضغوطًا جماعية لإجبارها على الشفافية.
التأثيرات الطارئة على العمل الصحفي
- أتمتة العمليات التحريرية: ساعد الذكاء الاصطناعي في تسريع إنتاج الأخبار وتحسين جودتها، مما أتاح للصحفيين التركيز على التحقيقات المعمقة.
- كشف الأخبار الزائفة: أصبحت أدوات الذكاء الاصطناعي قادرة على تحليل المحتوى وكشف المعلومات المضللة، مما يعزز مصداقية الصحافة.
- التفاعل مع الجمهور: ساهمت تقنيات الذكاء الاصطناعي في تخصيص المحتوى بناءً على اهتمامات الجمهور، مما أدى إلى زيادة التفاعل والولاء.
الطريق إلى 2026: أربع أولويات استراتيجية
- الابتكار المستمر: تجربة تنسيقات جديدة (مثل الأخبار القصيرة عبر TikTok).
- بناء المجتمعات: تحويل القراء إلى “شركاء” عبر العضوية والفعاليات.
- الذكاء الاصطناعي الواعي: توظيف التقنية دون التضحية بالمبادئ التحريرية.
- تحالف عالمي: الدفاع عن حرية الصحافة كقضية مشتركة.
أخيراً… يؤكد التقرير أن البقاء في المشهد الإعلامي الجديد ليس مسألة بقاء للأقوى، بل للأكثر مرونة وقدرة على إعادة اختراع الذات.
السؤال الآن: هل ستتحول الرؤى إلى أفعال قبل فوات الأوان؟
#سفيربرس ـ ـ بقلم :حسين الإبراهيم