التواجد الروسي في سوريا يشكل ضمانة للأقليات الدينية والعرقية فيها. بقلم : سماهر الخطيب
#سفيربرس _ بيروت

تبذل الإدارة السورية الجديدة جهودا لترتيب البيت الداخلي وإعادة بناء مؤسسات الدولة، في مسعاها لرسم ملامح مرحلة انتقالية شاملة تضمن عملية إعادة الإعمار المنشود. وتأتي هذه الخطوات كخارطة طريق يُعوّل عليها في تحديد هوية الدولة المستقبلية، سواء في التعاطي الداخلي أو في علاقاتها الإقليمية والدولية.
ورغم التمهيد الإجرائي الذي أعلنته الحكومة، فإن الطريق لا يزال طويلا وشائكاً، إذ تواجه تحديات عدة في تحقيق الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي المنشود. حيث تبرز قضية الأقليات في سوريا كأحد الملفات الحساسة التي تتطلب معالجة متوازنة، كون التنوع الديني والعرقي في البلاد جزء أصيل من نسيج المجتمع.
وبعد الأحداث الدموية المؤسفة التي حدثت في الساحل السوري منذ حوالي الشهر والتي سقط فيها الكثير من الأبرياء، غالبيتهم من الأقليات الدينية، تبرز حاجة ملحة لسياسات تضمن حقوق هذه المكونات وتعزز اندماجها الوطني. فقد تعايش السوريون تاريخياً من العلويين في الساحل إلى المسيحيين في حلب ودمشق، ومن الدروز في السويداء إلى الأكراد في الحسكة، لكن سنوات الحرب عمّقت الانقسامات وأثارت مخاوف مشروعة حول الهوية والمشاركة، خصوصا بعد سقوط النظام البائد.
ووفق الخبراء، فإن نجاح أي خطة لإعادة الإعمار يرتبط بقدرة الدولة على تحويل هذا التنوع من مصدر للتوتر إلى رافد للقوة الوطنية. فتحقيق العدالة الاجتماعية، وإصلاح الأوضاع الاقتصادية، وضمان التمثيل العادل في مؤسسات الحكم، كلها عناصر حيوية لبناء ثقة المواطنين، بمن فيهم أبناء الأقليات، بمستقبل البلاد.
كما يمكن للضغط والرقابة الدولية أن يلعبا دوراً في حماية حقوق هذه المجموعات، عبر اتفاقيات تعزز الحريات الدينية والثقافية، وتضمن تمثيلا عادلا في مؤسسات الدولة. بينما التعاون مع منظمات حقوق الإنسان سيساهم في كشف الانتهاكات ووضع حد لها. وهو ما بدأت به الإدارة السورية الجديدة بالفعل.
فقد ذكرت مصادر إعلامية عن قرب توقيع اتفاق بين دمشق والقوات الروسية في قاعدة حميميم العسكرية الروسية، يسمح للأخيرة بتسيير دوريات في القرى الساحلية الواقعة بين مدينتي اللاذقية وطرطوس، وأيضا في المناطق ذات الكثافة “العلوية” في محافظتي حمص وحماة الواقعتين وسط سوريا، ودون تصريح رسمي من الجانب الروسي أو من سلطة دمشق.
وحسب المصادر، إن قرار تسيير الدوريات الروسية جاء بالتفاهم مع سلطة دمشق، وذلك على خلفية المجازر التي شهدها الساحل السوري في السابع والثامن من آذار الفائت. يأتي ذلك وسط أنباء عن خروج دورية تابعة للجيش الروسي لأول مرة منذ سقوط نظام الأسد، من أماكن تمركزها في قاعدة حميميم، وتجول عناصرها بين السكان المحليين في اللاذقية، قرب جامعة تشرين.
بالتزامن مع ذلك، أصدرت “لجنة تنسيق الساحل السوري”، وتضم المقيمين في قاعدة حميميم، بيانا تضمّن مطالبة بتشكيل لجنة وطنية للمصالحة برعاية الأمم المتحدة، تضم شخصيات مدنية ودينية واجتماعية من مختلف المناطق والمكونات السورية، شرط أن تكون مقبولة من قبل لجنة التنسيق في الساحل السوري.
وتتولى هذه اللجنة مهمة التواصل مع لجنة تحقيق دولية للإشراف على تحقيق شفاف ومستقل في المجازر التي ارتُكبت بحق المدنيين، خصوصا الأطفال والنساء، والكشف عن المتورطين فيها، وأيضا كشف مصير المختطفين، والعمل على إعادتهم إلى ذويهم، وضمان وقف الاعتقالات التعسفية، وإطلاق سراح الأبرياء، وتعويض المتضررين ماديا ومعنويا.
وبنظر الخبراء، فإن التعاون السوري مع روسيا يبرز كعامل حاسم في تعزيز الاستقرار، ودعم عملية إعادة الإعمار. فهي عملت على خفض حدة التوتر في مختلف المناطق أثناء الأعمال القتالية في السنوات الماضية في سوريا، بالتعاون مع تركيا، عبر تسيير دوريات مشتركة لحفظ الأمن. كما عملت على حل الأزمة المتفاقمة سلمياً في تعاونها مع الأطراف الدولية المنخرطة في الملف السوري.
وروسيا كعضو دائم في مجلس الأمن، يمكنها لعب دور محوري في دعم الحلول السياسية التي تحقق المصالحة الوطنية وتضمن حقوق جميع المكونات السورية، بما في ذلك الأقليات. كما يمكنها تحقيق توازن بين القوى الموجودة على الأرض وعلى رأسها الولايات المتحدة وإسرائيل التي تحاول قضم أجزاء من الأرض السورية بلا رادع.
ومن الناحية الأخرى، تمتلك روسيا القدرات والخبرات التي يمكن أن تسهم بشكل كبير في إعادة إعمار سوريا، سواء في مجال إعادة تأهيل البنى التحتية المدمرة أو في تنمية القطاعات الاقتصادية الحيوية مثل الطاقة والنقل والصناعة. كما أن الاستثمارات الروسية الموجودة تاريخيا في قطاعات النفط والغاز والزراعة في سوريا يمكن أن تتفعل من جديد لتشكل دفعاً قوياً للاقتصاد السوري المنهك.
وكانت الفترة الأخيرة قد شهدت زيادة في التواصل بين روسيا وسوريا، وقد عبّر المسؤولون الروس مرارا عن استعداد الدولة الروسية لتعميق التعاون مع سوريا في جميع المجالات المطروحة على الطاولة الثنائية. ناهيك عن توالي وصول السفن الروسية المحملة بالنفط والليرة السورية الى سوريا، إضافة الى وصول شحنات من المساعدات الإنسانية للشعب السوري.
واليوم، وخلال محادثاته مع أمير قطر، تميم بن حمد آل ثاني، في موسكو، أعاد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تأكيده بأن تبقى سوريا دولة موحدة وذات سيادة، قائلا: “نود أن نفعل كل ما في وسعنا لضمان أن تظل سوريا، أولاً، دولة ذات سيادة ومستقلة وموحدة أراضيها”. ودعا الرئيس بوتين أمير قطر لبحث الأحداث في سوريا، بالإضافة إلى قضية تقديم المساعدات الإنسانية لسوريا.
يُشار الى أن سوريا بلد غني بتنوعه الديني والعرقي، حيث تعيش فيه عدة أقليات إلى جانب الأغلبية العربية السنية، مما يشكل نسيجًا اجتماعيًا معقدًا ومتنوعًا. من بين هذه الأقليات العلويون الذين يشكلون واحدة من أكبر المجموعات ويتركزون في الساحل السوري. كما توجد أقليات مسيحية متنوعة مثل الروم الأرثوذكس والسريان والأرمن والكاثوليك، الذين يتوزعون في مناطق مثل حلب ودمشق والحسكة.
ويبرز أيضًا الدروز كأقلية متماسكة تعيش في جبل العرب بمحافظة السويداء، بينما يتمركز الإسماعيليون في مناطق مثل السلمية، ولهم تراث روحي وثقافي مميز. أما الأكراد، كأكبر أقلية عرقية، فيعيشون بشكل رئيسي في الشمال الشرقي من البلاد. بالإضافة إلى ذلك، توجد أقليات أصغر مثل التركمان والشركس يتوزعون في عدة من المناطق
#سفيربرس _ بيروت _ بقلم : سماهر الخطيب