إعلان
إعلان

الادارة الامنية للحدود اللبنانية: الواقع والتحديات في ظل الازمات الاقليمية.. بقلم هنا عرابي.. بقلم :هنا عرابي

#سفيربرس

إعلان

يعرّف ” فريديرك راتزل” الحدود الجغرافية للدّول بأنها المظهر الخارجي لسلطة الدولة وأبرز عناصر السيادة الوطنية . إذ تمثّل خط الدفاع الأول في وجه التهديدات الأمنية والعسكرية والإقتصادية والحلقة الأساسية في ضبط العلاقات مع المحيط الإقليمي والدّولي .

وفي السياق اللبناني ، تكتسب قضية الإدارة الأمنية للحدود أهمية إستثنائية نظرا” لتعدّد التحديات الداخلية والخارجية التي تواجه الدولة بدءا” من هشاشة الوضع السياسي مرورا” بتردّي الأوضاع الإقتصادية وصولا” إلى التهديدات القائمة من الأزمات الإقليمية المحيطة .
لبنان ، بموقعه الجيوسياسي يشكّل نقطة إلتقاء بين مناطق الصراع في المشرق العربي من الحدود السورية المعقّدة شمالا” وشرقا” إلى الحدود الجنوبية المحتلة من قبل إسرائيل وصولا” إلى ساحله البحري المفتوح على المتوسط لجهة الغرب .هذه المعطيات تفرض تحديات أمنية غير تقليدية لا سيما في ظلّ هشاشة الدولة ومحدودية قدراتها الأمنيّة.
يهدف هذا المقال إلى تحليل واقع الإدارة الأمنية للحدود اللبنانية ،ويركّز على التحديات التي تفاقمت بفعل الأزمات الإقليمية الكبرى بشكل خاص مع تقديم رؤى حول سبل تعزيز قدرات الدولة في حماية حدودها خصوصا” في مرحلتين حساستين من التاريخ الإقليمي :
– عدوان أيلول ٢٠٢٤ من قبل الإحتلال الإسرائيلي .
– قيام نظام سياسي جديد في سوريا كتحوّل مفصلي أعاد تشكيل المشهد الأمني الحدودي بعد سنوات من الفوضى.

الخصوصية الجغرافية والسياسية للحدود اللبنانية

يمتلك لبنان حدودًا برية يبلغ طولها الإجمالي حوالي 484 كيلومترًا، منها حوالي 375 كيلومترًا مع سوريا، و79 كيلومترًا مع فلسطين المحتلة. وتُعد هذه الحدود من الأكثر تعقيدًا في المنطقة لأسباب عدة، أهمها:

1. الحدود اللبنانية-السورية: هذه الحدود هي الأطول والأكثر هشاشة، لطالما شهدت لعقود عمليات تهريب بشرية ومادية، فضلًا عن تسلل جماعات مسلحة وعبور نازحين سوريين بشكل غير شرعي. الطابع الجغرافي الجبلي لهذه المنطقة، إضافة إلى العلاقات الاجتماعية والاقتصادية الممتدة عبر الحدود، عقّد من مهمة ضبطها.

2. الحدود الجنوبية مع فلسطين المحتلة: تُعتبر من أكثر الحدود حساسية بسبب الصراع العربي-الإسرائيلي، ووجود الخط الأزرق الذي رسّمته الأمم المتحدة، فضلًا عن التوترات الدورية الناتجة عن الخروقات الإسرائيلية المستمرة، ونشاط حزب الله في الجنوب.

3. الحدود البحرية : تعدّ الحدود البحرية اللبنانية، خاصة مع فلسطين المحتلة، مصدرًا للنزاع، خصوصًا في ظل اكتشاف الغاز والنفط في شرق المتوسط، ما أدى إلى توترات حدودية بحرية بين لبنان وإسرائيل، تتداخل مع الأمن الاقتصادي والاستراتيجي.

واقع الإدارة الأمنية للحدود اللبنانية
تتوزع المسؤولية عن إدارة الحدود اللبنانية بين عدة جهات رسمية، أبرزها:

• الجيش اللبناني: يلعب الدور الأساسي في حماية الحدود ومكافحة الإرهاب .
• الأمن العام اللبناني: يتولى مسؤولية تنظيم دخول وخروج الأفراد عبر المعابر الرسمية.
• الجمارك اللبنانية: تضطلع بدور رقابي اقتصادي لمنع تهريب البضائع.
• قوى الأمن الداخلي: تشارك في الرقابة الأمنية داخل المناطق الحدودية.

ورغم هذا التوزيع المؤسسي، تعاني الإدارة الأمنية من ضعف التنسيق بين الجهات، إلى جانب نقص في الموارد البشرية والتقنية.

نقاط القوة الحالية:
انتشار الجيش اللبناني على الحدود الشمالية والشرقية، خاصة بعد عملية “فجر الجرود” في المرحلة الأولى عام 2017 التي أنهت وجود التنظيمات الإرهابية على الحدود الشرقية إلى جانب الدعم الدّولي للجيش كونه يمثّل القوة الوطنية الموحدة والمؤسسة الأكثر تنظيما” في الدولة التي أثبت قدرتها على التكيف مع مختلف التحولات السياسية وجنبت البلاد الدخول المباشر في نزاعات كبرى داخلية وخارجية استطاع من خلالها الحفاظ على استقرار نسبي .

نقاط الضعف:
تعددّ المعابر غير الشرعية مع سوريا التي تقدّر بأكثر من 120 معبرًا بفعل طبيعة الحدود المعقدة جغرافيا” الأمر الذي أدّى الى تضييق عملية السيطرة وفاقم الضعط الناتج عن وجود النازحين السورييون اثر الحرب السورية ٢٠١١ حيث استخدمت بعض المخيمات كنقاط عبور او تهريب او نقاط تمركز لجماعات ارهابية والآن بتداعيات اعادة تشكيل المشهد الأمني الحدودي بعد سنوات من الفوضى في ظل غياب اتفاقيات حدود واضحة و أجهزة رقابة أمنية متطورة مثل الطائرات بدون طيار أو أنظمة الرادار في معظم النقاط الحدودية ،أضف إلى ذلك هشاشة الوضع الاقتصادي التي أثّرت سلبا” على الجهوزية اللوجستية والأمنية للمؤسسة العسكرية وأضعفتها فضلا” عن انتشار الفساد الإداري المتأصّل في بعض النقاط الحدودية .

تحولات ما بعد عدوان تموز( 2006 وحتى ٢٠٢٠)
مثّل عدوان 2006 نقطة تحول أمني، فزادت التوترات مع الاحتلال، وفرض القرار 1701 الذي قضى بانتشار الجيش اللبناني جنوب الليطاني، بالتنسيق مع اليونيفيل.
رغم ذلك، بقيت الحدود الجنوبية معرضة للخروقات الجوية والبرية، بينما استُخدمت الحدود الشرقية لتعزيز الدعم اللوجستي والعسكري الذي عززه توتّر الاوضاع في سوريا ، مما خلق حالة من التداخل بين الأمن الرسمي والأمن المقاوم .
في هذه الفترة، وُضعت اللبنات الأولى لإنشاء أبراج مراقبة، وتعزيز الانتشار الحدودي، ولكن ظل غياب الدعم السياسي الكامل والارادة الوطنية عائقًا.

الأزمة السورية وسقوط سيطرة النظام على الحدود (2011-2021)
تدفّق على أثرها أكثر من مليوني نازح سوري، معظمهم عبر المعابر غير الشرعية، ما شكل ضغطًا كبيرًا على الأمن والاقتصاد والبنية التحتية.
كما برزت مناطق مثل عرسال والقاع كرأس حربة لتسلل الجماعات الإرهابية. استُخدمت هذه المناطق كمنصات للهجوم على مراكز الجيش اللبناني.
في العام 2017، أطلق الجيش اللبناني عملية عسكرية ناجحة ضد داعش في جرود رأس بعلبك والقاع، أدت إلى تحرير كامل الأراضي الحدودية من الإرهاب، وأعادت تعزيز سلطة الدولة على جزء كبير من الحدود.

التحولات بعد قيام نظام الشرع في سوريا (2022-2024)
أدى قيام نظام سياسي جديد إلى عودة نوع من الاستقرار النسبي في المناطق الحدودية السورية مثل القصير، جوسيه، والزبداني، أصبحت تحت سيطرة مركزية، ما سهل التنسيق الأمني ولكن زاد من تعقيدات سياسية مع بعض القوى اللبنانية.
بدأت عملية عودة محدودة للاّجئين، لكن عددًا كبيرًا من النازحين غير النظاميين بقوا في لبنان، ما يبقي على حالة التوتر الأمني وتقلص حجم عمليات التهريب المتبادلة التي لطالما شكلت تحديًا لأجهزة الأمن لعقود من الزمن.

عدوان أيلول 2024 – تداعياته على الحدود اللبنانية
في أيلول 2024، شنّت إسرائيل عدوانًا واسع النطاق على لبنان، تركّز على مناطق نفوذ حزب الله لاسيما في الجنوب والبقاع، بذريعة تدمير بنى تحتية للحزب التي كان لها تأثيرات أمنية واقليمية.
استهدفت الغارات مقرات أمنية ومعابر شرعية، ما أحدث فراغًا أمنيًا كبيرا” .
أثر ذلك أعاد الجيش اللبناني نشر قواته في الجنوب، بدعم من المجتمع الدولي والبيئة المقاومة، وتم تعزيز المراقبة على الحدود الجنوبية والشمالية والشرقية ، وأعادت اليونيفيل تقييم مهمتها بالتعاون مع الجيش لتطبيق القرار ١٧٠١.

من هنا ، إنّ التحديات الأمنية في ظل الأزمات الإقليمية المتواصلة تعد من القضايا الحيوية التي أثّرت بشكل مباشر على استقرار لبنان وأمنه القومي. ويمكن تناول هذه التحديات من خلال النقاط التالية:

1. النازحون السوريون: لا تزال الحدود اللبنانية تستقبل لاجئين ، ما يخلق ضغطًا اقتصاديًا وأمنيًا، خصوصًا في ظل غياب سياسة واضحة للدولة اللبنانية حيال هذا الملف.

2. التهريب الحدودي إلى سوريا: من تهريب المحروقات والسلع الأساسية …وبعد فرض العقوبات على النظام السوري، ما جعل بعض الأطراف اللبنانية تستغل ذلك لتحقيق مكاسب اقتصادية غير شرعية.

3. الانقسام السياسي الداخلي: أضعف من قدرة الحكومة على اتخاذ قرارات جذرية، حيث ارتبط ملف الحدود بمصالح سياسية معقدة.

4. التهديدات الإسرائيلية: تواصل إسرائيل سياستها العدوانية تجاه لبنان، بما في ذلك ضرب منشآت لحزب الله واهداف مدنية .

5. التهديد الإيراني والإقليمي: الحدود اللبنانية استخدمت كممر استراتيجي ضمن شبكة نفوذ محلية و اقليمية واسعة ، ما جعلها عرضة للتجاذبات الدولية بحكم ارتباط بعض الأطراف اللبنانية بمحاور إقليمية.

هذا ما يجعل من تعزيز الإدارة الأمنية للحدود أولوية وطنية لحماية السيادة وضمان الاستقرار الداخلي. وفي هذا السياق، تأتي هذه الاستراتيجية المقترحة كإطار متكامل يهدف إلى تطوير منظومة أمن الحدود عبر تمكين المؤسسات الأمنية، وتوظيف التكنولوجيا الحديثة، وتعزيز التعاون المحلي والدولي، بما يواكب التهديدات المستجدة ويؤسس لإدارة حدودية فعالة ومستدامة.

1. هيكلة قيادة موحدة للحدود

• إنشاء قيادة عمليات موحدة تشمل الجيش، الأمن العام، الجمارك وقوى الأمن.

• تفعيل دور الأجهزة الرقابية والقضائية في مساءلة الضباط والمسؤولين عن أي تجاوزات.

2. تعزيز التكنولوجيا في الرقابة

• نشر أبراج مراقبة ذكية وكاميرات حرارية.

• استخدام تقنيات التعرف على الوجه وبصمات العين في نقاط الدخول.

3. تعزيز القدرات البشرية

• تنظيم دورات تدريبية مكثفة بالتعاون مع الأمم المتحدة وحلف الناتو.

• تحسين أوضاع الجنود والعاملين على الحدود لتقليل معدلات الفساد.

4. ضبط المعابر غير الشرعية

• وضع خرائط دقيقة وتحديد أولويات للإغلاق الفوري.

• تسليح مراكز المراقبة الحدودية بخطط تدخل سريع.

5. مقاربة تنموية شاملة

• الاستثمار في التعليم والبنية التحتية في المناطق الحدودية.

• تشجيع المشاريع الصغيرة والمتوسطة في البلدات الحدودية.

• إشراك البلديات والمجتمع المدني في الرقابة والتوعية.

الخاتمة

إنّ الإدارة الأمنية للحدود اللبنانية تُعد ملفًا استراتيجيًا من الدرجة الأولى، يتداخل فيه الأمني بالسياسي بالاقتصادي. مرّت الحدود اللبنانية بمراحل حرجة إذ مثّلت مسرحا” مستمرا” لصراعات إقليمية كانت مرآة لعجز الدولة المزمن في فرض سيادتها الكاملة ، من عدوان تموز 2006، ومن ثم بعد تفكك النظام السوري في مناطق واسعة، حيث تحولت إلى ممرات للجيوش المقاومة او غير النظامية .
أما اليوم أثبت عدوان أيلول 2024 وتحولات سوريا السياسية، انّ الإدارة الأمنية واقعا” لا يمكن فصله عن السياق السياسي العام، وأن التحدّيات تتطلب حلولًا أمنية وتنموية متوازنة في ظل الضغوطات السياسية والاقتصادية الاقليمية والدولية . المطلوب هو رؤية شاملة تدمج الأمن بالتنمية، وتعتمد على استقلالية القرار الأمني اللبناني، والشراكة مع المجتمع الدولي ضمن أولويات سيادية واضحة!.

#سفيربرس _ بيروت _ بقلم : هنا عرابي

 

إعلان
إعلان

رئيس التحرير

محمود أحمد الجدوع: رئيس تحرير صحيفة سفير برس. صحيفة سورية إلكترونية، يديرها ويحررها فريق متطوع يضم نخبة من المثقفين العاملين في مجال الإعلام على مختلف أطيافه, وعلى امتداد مساحة الوطن العربي والعالم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *