الهرم الاستراتيجي: خارطة الطريق لتحقيق الأهداف المؤسسات الإعلامية نموذجاً
#سفيربرس ـ حسين الإبراهيم

في مقال نشرته الكاتبة الجزائرية حنان شعبان في المجلة الجزائرية للأبحاث والدراسات بعنوان: “التخطيط الإستراتيجي للمؤسسات الإعلامية” تشير إلى مقولة: إن الفشل في التخطيط، هو التخطيط للفشل.
بوصلة تحديد الاتجاه
تقول شعبان: لا يغرب عن بال أحد أن أهمية التخطيط للمهام والمشروعات كافة، فالتخطيط مهم جدا للإنسان، وهو عكس العشوائية والعفوية والارتجال وعدم النظام، استخدم الإنسان منذ نشأته أسلوب التخطيط للتغلب على مشكلة الموارد المحدودة أمام الحاجات المتعددة. ولعل أول تجربة للتخطيط تناقلها التاريخ تلك التي قام بها سيدنا يوسف عليه السلام في تفسير حلم فرعون مصر، وتوزيعه للمحصول بين سنين العجاف وسنين الرواج. فالتخطيط هو بوصلة تحديد الاتجاه المرغوب والمرسوم، لإنجاح الأعمال والإنجازات، وهو الدليل نحو المستقبل، وصولا إلى الأهداف المطلوبة.
الإنـسـان كائن مخطط
يبذل الإنسان في نشاطه اليومي جهدا يختلف عن مجهود بقية الكائنات الحية حيث يتميز جهده بالوعي الذي يرمي إلى تحقيق هدف متصور سلفا. أي أن الإنسان كائن مفـكـر يـعـمـل وهـذا مـا جـعـل المفكر اليوناني ارسطو طاليس يقول بأن الإنـسـان كائن مخطط بمعنى أنه يدرك مقدما الغاية من الجهد الذي يبذله ويتبع الوسائل الملائمة لتحقيق هذه الغاية. والتخطيط بمفهومه العام هو عبـارة عـن تحديد لمجموعة من الأهداف المتناسقة التي يـراد تحقيقها وفق أولويات معينة وخلال فـتـرة زمـنـيـة محددة مع اختيار لمجموعة الوسائـل والإجـراءات اللازمة لتحويل هذه الأهداف إلى واقع.
الضمير المهني
ويقول عبد المجيد شكري في كتابه “التخطيط الإعلامي”: لا ينحصر التخطيط الإعلامي. فقط في التخطيط البرامجي. بل يشمل توفير الإمكانيات البشرية والمادية من أجهزة ومعدات وتدريب العاملين. وقبل كل شيء تخطيط إداري سليم يشمل الهيكل الإداري والوظيفي والفني والحرفي للعاملين، ووضع الشخص المناسب في المكان المناسب، ويدخل في هذا الإطار اختبار الكفاءات لشغل المناصب الإدارية والفنية . مع وضع خطط مناسبة لتدريب العاملين، من قمة الهرم الإداري والفني إلى القاعدة. بحيث يكون أول ما يتم ترسيخه في عقل وضمير هذه الكفاءات هو أن يكون لدى كل منهم رؤية واضحة لما يجب أن تكون عليه استراتيجية وسياسة العمل الإعلامي، وإيمان مماثل بأهمية تحقيق الأهداف المرجوة من الخطة المطلوب تنفيذها – الخطة التنفيذية – مما يجعلهم أكثر التزاما بتنفيذها بشكل سليم. ولعل من المهم أيضا أن يلتزم كل هؤلاء بما يمكن أن نطلق عليه (الضير المهني) و(آداب المهنة).
والخطط التنفيذية هنا تشمل بالضرورة: خططا طويلة المدى (استراتيجية) وخططا متوسطة المدى، وخططا قصيرة المدى، والمهم هنا هر تحديد الفترات الزمنية التي يفترض أن يتم فيها تنفيذ الخطة.
الهرم الاستراتيجي في التخطيط
هو نموذج تنظيمي يحدد كيفية تحويل القيم والطموحات الكبرى إلى أفعال ملموسة. يبدأ بقمة الهرم، حيث توجد القيم التي تعكس المبادئ الأساسية للمؤسسة، يليها الرؤية التي تحدد الأهداف طويلة الأمد. بعد ذلك تأتي المهمة التي تصف الغرض من العمل اليومي. في منتصف الهرم، توجد الأهداف الاستراتيجية التي تخطط للخطوات الرئيسية لتحقيق الرؤية. وأخيرًا، قاعدة الهرم تحتوي على الإجراءات ومؤشرات الأداء التي تتناول الأنشطة اليومية وسبل قياس النجاح. هذا التسلسل يضمن وحدة الاتجاه وفعالية التنفيذ لتحقيق أقصى تأثير.
تجارب وخبرات:
- صحيفة نيويورك تايمز (The New York Times):
- القيم والرؤية: ركزت الصحيفة على تقديم محتوى عالي الجودة يعكس المصداقية والابتكار.
- الأهداف الاستراتيجية: تبنت نموذج الاشتراكات الرقمية كأولوية، مما ساهم في تحويل 70% من إيراداتها إلى مصادر رقمية.
- الإجراءات: أطلقت برامج تدريبية للصحفيين على استخدام الأدوات الرقمية، وابتكرت جدران دفع ديناميكية تتكيف مع سلوك القارئ.
- مؤسسة الغارديان (The Guardian):
- القيم: تعزيز الصحافة المستقلة والمجتمع.
- الأهداف الاستراتيجية: اعتمدت نموذج العضوية التطوعي، مما ساعدها على جمع مليون عضو وتحقيق إيرادات تتجاوز 300 مليون دولار سنويًا.
- الإجراءات: نظمت فعاليات مجتمعية وورش عمل لتعزيز التفاعل مع الجمهور.
- وكالة الأنباء رويترز (Reuters):
- الرؤية: أن تكون المصدر الأول للأخبار الدقيقة والموثوقة عالميًا.
- الأهداف الاستراتيجية: دمج الذكاء الاصطناعي لتحليل البيانات وتقديم الأخبار بشكل أسرع وأكثر دقة.
- الإجراءات: أطلقت منصات رقمية تفاعلية تعتمد على التحليلات التنبؤية لتقديم محتوى مخصص.
- تجربة محلية: مؤسسة إعلامية في الجزائر:
- التخطيط الاستراتيجي: ركزت على إعادة هيكلة العمليات الداخلية لتحسين الكفاءة.
- الإجراءات: أطلقت برامج تدريبية للموظفين، وحدثت البنية التحتية التقنية لتواكب التحولات الرقمية.
هذه التجارب تُظهر أهمية التخطيط الاستراتيجي في تحقيق النجاح الإعلامي، سواء من خلال التحول الرقمي، أو تنويع مصادر الإيرادات، أو تعزيز التفاعل مع الجمهور.
تطبيق التسلسل الهرمي على المؤسسات الإعلامية السورية
أولاً ـ القيم (Values)
- الشفافية والمصداقية: تعزيز الثقة بين الجمهور والمؤسسات الإعلامية من خلال تقديم معلومات دقيقة وموثوقة.
- الهوية الوطنية: الحفاظ على القيم الثقافية والاجتماعية السورية وتعزيز الوحدة الوطنية.
- الابتكار الإعلامي: تبني تقنيات وأساليب حديثة لتطوير الأداء الإعلامي.
ثانياً ـ الرؤية (Vision)
- أن تصبح وزارة الإعلام السورية ومؤسساتها نموذجًا للإعلام الوطني الذي يجمع بين المهنية العالية والابتكار، مع القدرة على التأثير الإيجابي في الرأي العام محليًا ودوليًا.
ثالثاً ـ المهمة (Mission)
- تقديم محتوى إعلامي يعكس الواقع السوري بموضوعية، مع التركيز على القضايا الوطنية والاجتماعية.
- دعم الحوار المجتمعي وتعزيز التفاهم بين مختلف فئات المجتمع.
- تطوير البنية التحتية الإعلامية لتواكب التحولات الرقمية.
رابعاً ـ الأهداف الاستراتيجية (Strategic Objectives)
- إعادة هيكلة المؤسسات الإعلامية:
- تحسين التنسيق بين المؤسسات الإعلامية (وكالة الأنباء سانا، مؤسسة الوحدة للطباعة والنشر، والهيئة العامة للتلفزيون العربي السوري، معهد الإعداد الإعلامي…)
- تقليل التداخل في المهام وتحديد أدوار واضحة لكل مؤسسة.
- تعزيز الكفاءة المهنية:
- تدريب الكوادر الإعلامية على أحدث التقنيات وأساليب العمل.
- تطوير برامج تدريبية مستمرة بالتعاون مع مؤسسات دولية.
- التحول الرقمي:
- تحديث البنية التحتية التقنية لتسهيل التحول إلى الإعلام الرقمي.
- إطلاق منصات رقمية تفاعلية للوصول إلى جمهور أوسع.
- تحسين جودة المحتوى:
- التركيز على إنتاج محتوى يعكس التنوع الثقافي والاجتماعي في سوريا.
- تعزيز المحتوى الإيجابي الذي يدعم التنمية الاجتماعية والاقتصادية.
- زيادة الإيرادات:
- استكشاف مصادر تمويل جديدة مثل الشراكات مع القطاع الخاص والإعلانات الرقمية.
خامساً ـ الإجراءات ومؤشرات الأداء (Actions & KPIs)
- إعادة الهيكلة:
- تشكيل لجنة متخصصة لتقييم الوضع الحالي ووضع خطة لإعادة الهيكلة خلال 6 أشهر.
- مؤشر الأداء: تقليل التداخل في المهام بنسبة 30% خلال عام.
- التدريب والتطوير:
- تنظيم 10 ورش عمل تدريبية سنويًا.
- مؤشر الأداء: زيادة رضا الموظفين عن التدريب بنسبة 50%.
- التحول الرقمي:
- إطلاق منصة رقمية موحدة خلال عام.
- مؤشر الأداء: زيادة التفاعل الرقمي بنسبة 40%.
- تحسين المحتوى:
- إنتاج 20 برنامجًا جديدًا يعكس التنوع الثقافي خلال عام.
- مؤشر الأداء: زيادة نسبة المشاهدة بنسبة 25%.
- زيادة الإيرادات:
- توقيع 5 شراكات جديدة مع القطاع الخاص.
- مؤشر الأداء: زيادة الإيرادات بنسبة 15%.
التحديات والحلول
- التحدي: ضعف التنسيق بين المؤسسات.
- الحل: إنشاء وحدة مركزية للتنسيق والإشراف.
- التحدي: نقص الكوادر المؤهلة.
- الحل: إطلاق برامج تدريبية مكثفة.
- التحدي: ضعف البنية التحتية التقنية.
- الحل: تخصيص ميزانية لتحديث المعدات والمنصات.
هذا التسلسل يمكن أن يكون خارطة طريق لتحسين أداء وزارة الإعلام السورية ومؤسساتها، مع التركيز على معالجة الاضطرابات الحالية وتحقيق أهداف طويلة الأمد.
#سفيربرس ـ حسين الإبراهيم