التفاعلات الإستراتيجية السورية في ظل التحولات الإقليمية والدولية.. بقلم :د. سماهر الخطيب
#سفيربرس _ بيروت

تسعى سلطة الأمر الواقع الحالية في دمشق إلى بسط سيطرتها على كامل الجغرافية السورية وإعادة سورية الى الحضور العربي والإقليمي والدولي دون أن تقوم بحل جذري مرضي لكل الأطراف السورية في الداخل أو معالجة الأزمات الداخلية في الوقت الذي يتصاعد فيه الخطاب العنصري والتجييش الطائفي في الشارع السوري والتي بدأت بمجازر وجرائم ضد الإنسانية في الساحل السوري ولم تنته بما يحدث في جرمانا وصحنايا والسويداء فعلى الصعيد الخارجي شهد المقر الرئيسي للأمم المتحدة في نيويورك حدثًا بارزًا تمثل في رفع العلم السوري الجديد من قبل وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، وذلك تزامنًا مع مشاركته في جلسة إحاطة أمام مجلس الأمن الدولي.
ولا شك أن هذا المشهد جاء في إطار المساعي الحثيثة التي تبذلها الحكومة السورية الحالية لتعزيز حضورها على الساحتين الإقليمية والدولية، بعد سنوات عصيبة من النزاع المسلح والانقسامات الداخلية.
وفي تصريحاتٍ متكررة، أكد الرئيس السوري المؤقت، أحمد الشرع أو “أبو محمد الجولاني”، على انفتاح بلاده للحوار مع كافة الفاعلين الإقليميين والدوليين، ساعيًا إلى إرساء دعائم الاستقرار وتعزيز التعاون المشترك.
كما أشار إلى التطور الملحوظ في العلاقات الثنائية مع دول الجوار، لاسيما تركيا، التي تشكل شريكًا استراتيجيًا في ظل الروابط التاريخية والجغرافية التي تجمع البلدين.
ولم يغفل الشرع “الجولاني” الإشادة بالدور الروسي الداعم، والذي تجلّى في أكثر من موقف سياسي وعسكري، مما عزز من مكانة سوريا كعنصر فاعل في المعادلة الإقليمية.
وفي حوارٍ خاص مع صحيفة “نيويورك تايمز”، كشف “الشرع” عن مفاوضات جارية مع كل من أنقرة وموسكو لتعزيز التعاون العسكري والأمني، مشيرًا إلى أن “الوجود العسكري التركي والروسي على الأراضي السورية يخضع حاليًا لمراجعات شاملة، تمهيدًا لصياغة اتفاقات جديدة تحفظ السيادة الوطنية وتضمن عدم اختراق القوانين المحلية”. وأضاف قائلًا: “إن روسيا تمثل شريكًا أساسيًا في مجال التسلح، كما أن لديها مصالح اقتصادية متجذرة في سوريا، لاسيما في قطاعات الطاقة والغذاء، مما يستدعي مراعاة هذه الاعتبارات في أي اتفاق مستقبلي”.
وأوضح الرئيس السوري المؤقت أن بناء القدرات الدفاعية للجيش السوري يتطلب وقتًا طويلًا، نظرًا للدمار الهائل الذي لحق بالبنية التحتية العسكرية خلال سنوات الحرب، مؤكدًا أن بلاده لن تتوانى عن شراء الأسلحة من أي جهة توفر ضمانات احترام السيادة والاستقلال. كما نوه إلى أن العديد من الدول الأوروبية والإقليمية قد أبدت اهتمامًا واضحًا بتحقيق الاستقرار في سوريا، شريطة الالتزام بالضوابط القانونية التي تحظر استخدام الأراضي السورية كمنصة للتهديدات الإقليمية.
السياسة الروسية: بين الحفاظ على النفوذ وتجنب الصدامات
من جانبها، تواصل روسيا حث خطاها في إعادة تعريف دورها داخل الأراضي السورية، ساعيةً إلى تحقيق توازن دقيق بين الحفاظ على مصالحها الإستراتيجية، وتجنب الدخول في صراعات مفتوحة مع القوى المنافسة.
وقد شهدت الفترة الأخيرة سلسلة من اللقاءات المكثفة بين مسؤولي الأمن والمخابرات في البلدين، كان آخرها اجتماع سري في العاصمة الأذرية باكو، مما يؤشر على عمق التنسيق بين الجانبين. كما أعرب المسؤولون الروس عن استعدادهم لدعم سوريا في مختلف المجالات، انطلاقًا من رؤية الرئيس فلاديمير بوتين الذي يعتبر الملف السوري أولوية قصوى في السياسة الخارجية لبلاده.
كما عقد مندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا اجتماعا مع وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني. وأفادت وكالة “سانا” السورية للأنباء بأن اللقاء عقد في مدينة نيويورك، يوم الثلاثاء، دون أن تكشف عن مزيد من التفاصيل.
التحديات الاقتصادية والعقوبات الغربية
يواجه الاقتصاد السوري تحديات جسيمة تعيق عملية إعادة الإعمار، أبرزها العقوبات الاقتصادية المشددة التي تفرضها الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون. وقد دعا “الشرع” في أكثر من مناسبة إلى رفع هذه العقوبات بشكل كامل، معتبرًا إياها إرثًا من عهد النظام السابق، ومؤكدًا أن استمرارها يحول دون تحقيق أي تقدم ملموس على صعيد التنمية.
وأشار الخبراء إلى أن الدعم الروسي يمثل شريان حياة للاقتصاد السوري المتدهور، سواء عبر المساعدات العاجلة من الوقود والقمح، أو من خلال الاستثمارات طويلة الأجل في قطاع الطاقة. كما أن التعاون العسكري مع موسكو يعد عاملًا حاسمًا في إعادة هيكلة الجيش السوري وردع أي تهديدات خارجية، لاسيما من الجانب الإسرائيلي.
الوجود الأجنبي: بين المبررات والواقع
فيما يتعلق بالتواجد العسكري الأجنبي، لا تزال القوات الأمريكية متمركزة في شرق سوريا وشمالها، مدعيةً حماية المنشآت النفطية ومحاربة التنظيمات الإرهابية. بينما يحتفظ الجانب الروسي بوجود محدود لكنه مؤثر في المناطق الساحلية، مما يعكس تنافسًا خفيًا بين القوى الكبرى على النفوذ في هذه البقعة الإستراتيجية.
أما على الصعيد الداخلي فيبدو أن تصاعد التجييش الطائفي وخطاب الكراهية نتيجة تراكمات تاريخية تعود جذورها إلى الانتداب الفرنسي وتقسيم البلاد آنذاك إلى كانتونات طائفية كمنطقة السويداء للدروز والساحل أو قرى الساحل للعلويين والشمال للأكراد وحلب ودمشق للسنة.. ومع مجيء نظام الأسد بقي الأمر على ماهو وكذلك السياسات الممنهجة التي استُخدمت من قبل النظام السابق واستكملتها سلطة الأمر الواقع الحالية في استغلال الهويات الفرعية على حساب الهوية الوطنية الجامعة إضافة إلى الدعم الخارجي والتدخلات الإقليمية والدولية حيث لعبت دوراً محورياً في إذكاء الطائفية أو الهوية الفرعية على حساب الهوية الوطنية كما ساهمت في تكبير الفجوة بين السوريين أنفسهم سواء خلال سنوات حكم النظام السابق أو السلطة الحالية، أضف إلى ذلك سياسة القمع والعنف الممنهج والتطهير العرقي واستغلال الخطاب الإعلامي الطائفي وتصخيم الشائعات ضد مكونات المجتمع السوري، كالتي حدثت في الساحل السوري خلال وجود السلطة الحالية أو الحصار والتجويع الذي استخدمه النظام السابق وهجرة ملايين السوريين مما عزز الشعور بالاضطهاد الطائفي حتى تحول الصراع إلى حرب هويات تطورت إلى حمل الأعلام الطائفية وليس علم سورية .. ويتطلب الخلاص من هذه الظاهرة معالجة جذرية تشمل اصلاح سياسي حقيقي وانهاء التدخلات الخارجية، وتطبيق العدالة الانتقالية عبر تعويض الضحايا وإعادة بناء النسيج الاجتماعي على أسس المواطنة المتساوية.
ولاشك أن التجييش الطائفي وخطاب التخوين هما آلية تدمير ذاتي للمجتمع السوري وليسا مجرد أدوات صراع تؤثر على السلم الأهلي وبالتالي هما من أخطر التحديات التي تواجه البلاد لأنها تؤثر على تفكيك النسيج الاجتماعي وتعزيز الانقسامات من خلال استغلال الهويات الفرعية وتحويل الصراع السياسي إلى صراع وجودي لتلك الهويات وقيام بعضها بتبني خطابات انتقامية طائفية والتي تؤدي بدورها إلى تصاعد العنف الممنهج وتهديد الأمن من خلال تسليح الهويات الفرعية والاقتتال على الهوية وبالتالي تقويض وتهديد السلم الأهلي وتعطيل العملية السياسية بسبب انعدام الثقة بين مكونات المجتمع ما يؤدي إلى تعطيل الحوار الوطني ناهيك عن التدخلات الخارجية التي حولت البلاد إلى ساحة صراع بالوكالة واستغلال الطائفية كأداة لتبرير الاحتلال أو التدخل الخارجي أو التغيير الديموغرافي وهذا يؤدي إلى تهديد وحدة البلاد ومخاطر تقسيمها إلى كانتونات طائفية أو عرقية وإضعاف الشرعية السياسية إذا لم تبنَ على أساس المواطنة المتساوية بدلاً من المحاصصة الطائفية واستدامة العنف والدخول في موجات انتقامية جديدة ..
وبالتأكيد فإن مسؤولية عدم الانزلاق نحو الصدامات أو الحرب الأهلية تقع على عاتق الجميع في ظل استمرار الانقسامات وتعدد الجهات الفاعلة على الأرض وتعدد الجماعات والمليشيات المسلحة .
فمسؤولية الحكومة تبدأ بإنهاء السياسات الطائفية والغاء القوانين التي تعززها وإصدار قوانين تجرم الطائفية وإصلاح الأجهزة الأمنية وحل جميع الميليشيات والجماعات المسلحة ودمجها في جيش وطني ومنع المسلحين الأجانب من التواجد في الأرض السورية ومنع إشراكهم في الجيش أو قوى الأمن الداخلي والخارجي ومحاسبة المتورطين في الانتهاكات الحقوقية والجرائم ضد الإنسانية كالهجمات الطائفية في الساحل السوري ووقف سياسة التغيير الديموغرافي وإعادة الأملاك المصادرة لأصحابها والسماح بعودة النازحين إلى مناطقهم الأصلية والأهم تفعيل الحل السياسي بتنفيذ بنود القرار ٢٢٥٤ عبر انتقال حقيقي يضمن مشاركه كل المكونات بدل من المحاصصة الطائفية والحوار الوطني الشامل وتطبيق مفاعيل العدالة الانتقالية وتشكيل لجنة دستورية من جميع المكونات والمختصين والخبراء لعقد اجتماعي جديد يلحظ دولة المواطنة المتساوية وطرح الدستور على الاستفتاء الشعبي والإسراع بتشكيل جيش وطني وإعادة الموظفين إلى وظائفهم الذين تم فصلهم تعسفيا تحت ذرائع فلول النظام السابق والحفاظ على مؤسسات الدولة من الانهيار السياسي والاقتصادي..
أما المسؤولية الملقاة على المجتمع فتتطلب تعزيز السلم الأهلي من خلال المبادرات المحلية الهادفة لوقف خطاب الكراهية ودعم منصات الحوار بين مكونات المجتمع السوري ومواجهة التطرف من خلال رفض توظيف الهوية الطائفية في السياسة سواء القائلة بذريعة حماية الأقليات أو تحرير الأغلبية وتفضيل المصلحة السورية والهوية السورية الجامعة على باقي الهويات والمصالح وكذلك تفكيك ونبذ الخطاب الإعلامي المحرض والضغط الشعبي من أجل نزع السلاح عبر مطالبة الفصائل المسلحة بتسليم أسلحتها كشرط لأي تسوية سياسية فنزع السلاح ضرورة قصوى مع ربطه بمسار سياسي واضح وبناء الثقة بين مكونات المجتمع السوري وبدون ذلك ستظل سورية ساحة مفتوحة للصراعات بالوكالة..
وبالتالي هناك خطوات عاجلة مطلوبة اليوم تبدأ بنزع سلاح الميليشيات خارج الدولة تحت إشراف أممي وإجراء إصلاح اقتصادي عاجل خاصة وأن ٨٥٪ تحت خط الفقر ومصالحة وطنية شاملة وفق بنود القرار ٢٢٥٤ بإشراف أممي أو اعتماد نموذج جنوب افريقيا في العدالة الانتقالية مع ضمان عدم افلات المجرمين من العقاب وهذا يتطلب أرادة سياسية وضغط دولي ومشاركة مجتمعة
ويتطلب الخلاص من ظاهرة الخطاب الطائفي بمعالجة جذرية تشمل اصلاح سياسي حقيقي وانهاء التدخلات الخارجية، وتطبيق العدالة الانتقالية عبر تعويض الضحايا وإعادة بناء النسيج الاجتماعي على أسس المواطنة المتساوية…
وبالتأكيد العلاج يكون بإعادة بناء الثقة عبر تطبيق العدالة الانتقالية والمشاريع التصالحية الوطنية الشاملة ومحاسبة مرتكبي جرائم الحرب والانتهاكات الطائفية من كل الأطراف وتعزيز الخطاب المدني القائم على أسس المواطنة بدل من الخطاب الطائفي..
وبالتالي هناك خطوات عاجلة مطلوبة اليوم تبدأ بنزع سلاح الميليشيات خارج الدولة تحت إشراف أممي وإجراء إصلاح اقتصادي عاجل خاصة وأن ٨٥٪ تحت خط الفقر ومصالحة وطنية شاملة وفق بنود القرار ٢٢٥٤ بإشراف أممي أو اعتماد نموذج جنوب افريقيا في العدالة الانتقالية مع ضمان عدم افلات المجرمين من العقاب وهذا يتطلب أرادة سياسية وضغط دولي ومشاركة مجتمعةختامًا، يمكن القول إن سوريا تقف على مفترق طرق حاسم، حيث تسعى جاهدةً لتحقيق الاستقرار الداخلي واستعادة دورها الإقليمي، وسط بيئة دولية تتسم بالتعقيد والتنافس. ولا شك أن نجاح هذه المسيرة مرهون بقدرة القيادة السورية على المناورة بين المصالح المتضاربة، مع الحفاظ على الثوابت الوطنية التي تجعل من سوريا دولةً مستقلةً ذات سيادة.
ختامًا، يمكن القول إن سوريا تقف على مفترق طرق حاسم، حيث تسعى جاهدةً لتحقيق الاستقرار الداخلي واستعادة دورها الإقليمي، وسط بيئة دولية تتسم بالتعقيد والتنافس. ولا شك أن نجاح هذه المسيرة مرهون بقدرة القيادة السورية على المناورة بين المصالح المتضاربة، مع الحفاظ على الثوابت الوطنية التي تجعل من سوريا دولةً مستقلةً ذات سيادة.
#سفيربرس _ بيروت _ بقلم : د. سماهر الخطيب