إعلان
إعلان

• إضاءة نقدية تحليلية لنص ( بوح الاشتياق ) للشاعرة السورية (هويدا مصطفى)

#سفيربرس _ بقــــلم الناقد العراقي عدنان الريكاني

إعلان

—- بوح الاشتياق —

أشتاقك يا من أراك بعين القلب

وغير طيفك ما رأت أحداقي

يغرقني هواك ..

في غيهب الفضاء

أعتصر الهمس كغيمة ماطرة

أشتاق توأم الروح

وأفاوض عشقك على ذراع الجنون

ترتبك بحة صوتي ..

أتمسك بدوران الأرض

واسمك في قاع القلب

كأنه أول البدء ..

يغرد بحبر حنيني …

أشتاقك ..

والشاهد حياء بعضي ببعضي

فوق أهداب الحب

أمحو ذاكرة الحزن

لأبقيك وطناً يضمني حدود الغيم

أشتاقك ..

في حدائق الذاكرة

في قميص البوح وعطر اللهفة

تنطوي مسافات الغياب

بيني و بينك لآلِئ الضوء

في حضن المرايا ..

بيني و بينك يرتشف الشعر

قبلة أنفاسك بمعطف الهذيان

وأزرع قمح الفصول

على خصر الأفلاك ..

هناك أدون عشقك ..!!

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الإضاءة النقدية التحليلة بقلم الناقد عدنان الريكاني ..

 

الفكرة العامة للنص

التزمت الشاعرة المتألقة بحرف رَّبما العديد منا لا يعرف سريه في وجود و كينونة الأبجدية العربية، وقد بدأت برسم صورتها وصوتها معاً من خلال هذا الحرف العجيب والذي يعتبر أصل كل الحروف العربية التي نستخدمها و لهذا الحرف طاقة إيجابية هائلة وقوية جداً،وهو حرف (أ) في كلمة ( أشتاقكَ ) ففي الأبجدية العربية نتلفظها بـ (الألِف) وفي الأبجدية الفينيقية يلفظونها بـ (آلِف) وفي العبرية و الآرامية يلفظونها بـ (الأليف) و عند اللغة السامية هي ( آلاف أو ألاف أو إيلاف ) وعند اليونان يلفظونها بـ (ألفا) و في اللاتينية هي (ئا)، أما ماهية سِرّ وحِكمة قوتها فتأتي من أصلها والتي يعتبرها الصوفيون بأنها مصدر الحياة في الكون و سرّ من أسرار وجود الخلق وهذا الحرف العظيم أصل كل حرف وكلمة نكتبها منذ بدأ الخليقة إلى نهايته،فهو الحرف الذي ينحني قامته أو يلتوي عنقه أوتنكسر أضلاعه ليتحول إلى حروف أخرى المتشكلة أصلاً من الألف.

وكلمة (أشتاقك ) يظهر لنا مدى قوة وعظمة الظاهرة العاطفية الموجودة بين أضلاع الشخص في قيمة أول حرف منه فما بالك بالحروف الأخريات، الموجودة بنفس هذا الاضطراب الحسي الذي يزعزع الكيان ويحوله إلى وحش كاسر إذا بلغ ذورته، ليصل صداه إلى الأفلاك.•

 

_تأويل الصورة الشعرية :

فلسفة تأويل النص أو ما يسمى بلغته العلمية (الهرمينوطيقا) والتي تعني علم التأويل يبحت عن تفسير و تحليل ما هو غامض، وقد استخدمت الشاعرة هويدا في هذا النص كلا الحالتين في نص الاشتياق المباشرة في المواضع التي كانت بحاجة الى إيصال الفكرة للمتلقي دون تفكير وعناء، كما أستخدمت في بعض الحالات الرمزية و الغموض لتغطي على مشاعر الارتباك أو ربما لغرض في نفس يعقوب، وفي هذه الدائرة التحليلية نجد أن الشاعرة تركت النص مفتوحاً ليأخذ حيزاً أوسع و أشمل في دلالاتها الفكرية الأدبية وصورها الشعرية المتفردة وأحكمت باستخدام دائرة اللغة الموضوعية جنباً إلى جنب لدائرتها النفسية السايكولوجية التي في كثير من الأحيان يؤثر على الشاعر أو الشاعرة، وكونها دائرة حساسة و مستفزة منها تنطلق الخطوة الأولى لصناعة الشعر أو أي نص أدبي آخر، فمعرفة ما يجول بذهن وخاطر الكاتب والظروف والملابسات المحيطة به أثناء الكتابة في غاية الأهمية، لأن النص منبثق من شعور الكاتب الداخلي وهيجان فكره قبل أن تكون رسم حروف على الورق.

 

1_ الزمن الجامد ..

( أول البدء، بحة صوتي ، غياهب الفضاء ) كأن لسان حال الشاعرة يقول: الزمن الجامد في أشتياقي دخل حيز محطات ثلاثة في أول البدء والخلق و في محطة تغيير مسار جوهري للصوت بندائي للاشتياق و المحطة الأخيرة عندما وقعت في شِرِاك حبة فرماني رمية السهم المطلق من القوس إلى اللاعودة في غياهب الفضاء.

2_ الفراغ الوجودي ..

 

(أفاوض عشقك على ذراع الجنون)، فلسفة الفكرية المادية تحولت وفق قانون التمسك عند الشاعرة، لتتحول إلى صراع عاطفي داخلي غير ملموس لتكون أكثر رمزية وفي غاية الرقة بعاطفتها، فالتفاوض هنا و بجرأة غير معتادة انقلب إلى مفهوم التنازلات حتى لو كان على ذراع الجنون،وهذه نبرة قوية لمدى انجرافها إلى وديان التعلق في مدى تفاوضها العميق والدقيق.

3_ العجر الانساني ..

(يغرقني هواك في غيهب الفضاء)، في أغلب الأحيان والسائد في شرائع و قوانين البشر التعلق بالشيء إلى آخر نفس فوق الأرض، لكننا أمام صورة نادرة عن المألوف جاءت بصيغة اعجازية متفوقة عن بقيتها وغير مشمئزة منها، بل ربما تتودد الشاعرةبلاطفة غير مسبوقة وهي تغرق في غياهب الفضاء بهواه، وتبرهن عجزها عن الرَّد والصدّ.

4_ دور الطبيعة ..

( أتمسك بدوران الأرض ، أزرع القمح الفصول)،

لم يخلو النص من دور وتفاعل الطبيعة مع الفكر الأدبي و إلهام الشاعرة في بسط سيطرتها على النص من خلال جلب الطبيعة وإدخالها في مناورات هذا الصراع الحسي ولتتقرب إلى ذهن المتلقي و القارئ أكثر، من خلال لوحتين شعريتين رائعتين، فالتسمك والثبات بدوران الأرض لها مهمة خاصة وهي عدم الاستسلام بسهولة وإيصال رسالة مطلوبة بأنها باقية على العهد ومستمرة بدورتها للحياة معه، وبصورة أوضح بناء الحياة وديمومتها من خلال الزرع بفصولها الأربعة وهي إشارة و دلالة رمزية لمدى الحياة دون انقطاع.

**_ النقــــد الأدبي :

 

1_ قوة التصوير المجازي والحركة الدراماتيكية

 

(ما رأت أحداقي، أفاوض عشقك ، يغرقني هواك، أمحو ذاكرة الحزن ، أدون عشقك، أزرع القمح )، وهنا يتضح لنا جلياً مدى اتساع خيال الكاتبة ومدى براعتها و حنكتها وبراعتها في صياغة وصنع بل إطلاق ما لديها من مساحات الخيال والمتمردة على الواقع للأتيان بالشيء الغير مألوف لدى ذهن القارئ وعلى شكل طبق فاخر تسر الناظرين، وتسيل لعاب القارئ في قراءتها وتجمع أفكاره لتكسب وتسلب فكره وقلبه حتى نهاية النص، لاحظنا هذ الحركة متوالية مستمرة منذ أول النص إلى نهايتة وكأنها آلة متحركة غير قابلة للتوقف بصورها الشعرية المجازية.

2_ الحركة اللغوية

 

( أشتاقك، أعتصر، أفاوض، أتمسك، أمحو، أبقيك ،أزرع)، كما أسلفنا ذكره بأن قوة الكلمة تبدأ بحرف (الألِف)، فقد استخدمت الشاعرة بتألق و دراية كاملة غير مسبوقة، هذه الأفعال وكلها بقوة واحدة وبنفس المسار للخطاب الوجداني لكي تعطي النص ريتم وإيقاع مشترك لا يترك خلل في توازن السامع أو المتلقي وكأنها أوتار آلة موسيقية مدوزنة جاهزة للعزف دون سماع صوت نشاز.

3_التكرار اللفظي ..

 

( أشتاقك)، يعتبر الكثيرون من النقاد والمحللين بأن التكرار في النص الأدبي يقلل من قيمة النص أو هي ظاهرة سلبية، لكن حسب رأي المتواضع في النقد الأدبي يختلف التكرار من حالة إلى أخرى، مثلاً إذا أراد الشاعر أو الشاعرة تكرار الكلمة لغرض التوكيد سواء كان التوكيد معنوي أو توكيد لفظي، لثبوت حالة الاستقرار ورفع الشك فهذا من محاسن النص وليس العكس، أما إذا كان هناك تكرار للحروف الزائدة وجاءت لتكون حشواً فهذا من الطبيعي تكون نقطة سلبية لقيمة النص ولا داعي للتكرار فيه، أما في هذا النص فقد استخدمت الشاعرة كلمة (أشتاقك) المضافة إلى الضمير المخاطب الغائب (الكاف) لتحسين صورة الخطاب وتوكيدها لثبوت هذا الأشتياق وإعطاء النص قيمتها الحقيقية بالتوكيد اللفظي، ومرة استخدمت (أشتاق) دون إضافة الضمر المخاطب، بل استخدمت معه صيغة آخرى في اللغة وهو بيان نوع الفعل الحسي أشتاق توأم الروح، فصارت أربع حالات، أرادت الشاعرة أن تبين لنا بأنها محاطة بالاشتياق من أربع جهات فلا سبيل للخروج وللهروب منها.

_ عناصر البديع في البلاغة الأدبية .

هوعلم يبحث في طريق تحسين الكلام وتزين الألفاظ والمعاني ومن جملة عناصرها (الجِنَاسْ، والطِبَاقْ، والسَّجَعْ، و التَوْرِّيَة)

الجناس // هو تشابه كلمتين في لفظ واختلافهما في المعنى. كما نقول (لم ترَّ عَينٌ أجمل من عَينِ قريتنا)

الطباق// هو الجمع بين لفظين متضادين في كلام واحد، كما نقول (أحب الصدق ولا أحب الكذب)

السجع // هو توافق فاصلتين في فقرتين أو أكثر بالحرف الأخير، كما نقول (من أسرع في الجواب، أخطأ في الصواب)

التورية // كلام له معنيان الأول ظاهري و الثاني باطني، كما نقول ( قالت روح برك من أمامي، فقلت لها بربك أنتِ روحي)

 

وفي الخلاصة

يعتبر الاشتياق حالة من حالات الاضطراب النفسي الداخلي للإنسان وهي غريزة مستقرة في النفس مثل بركان خامد، يحتاج الى تأثر أو مؤثر خارجي لتحريكه و استفزازه من خلال البيئة التي نعيشها أو المحيطة بنا، فليس بالضرورة أن تكون في نفس الظروف ونفس الملابسات التي أثرت على نفسيتك، بل ربما تكون بعيدة عنك كل البعد، وهذا ما يتعلق بالتفاعل الروحي والتأثير الروحي غير الجسدي، والاشتياق هنا كرِّمَال متحركة بين مد وجزرلا تتوقف أمواجه تنقلنا لحظة بلحظة بخطاها الشيقة إلى مدار جمال الفكر الأدبي والإحساس العاطفي المعبر بعنفوان الروح المتدفقة من أعماق الشاعرة بلهفة وحنان وبصدق المشاعر، وهي الرسالة الحقيقية للمنظور الفكري دون تلاعب بالعواطف واتزان لما هو غير مرئي لتكون في النهاية رسالة خالدة متلألئة تتكئ على محاسنها الخجل البريء المختبئ بين أضلاعها لتسرق منها لحظة اشتياق ويبلع الخجل لسانه فينطلق إلى سماء الإفصاح والبيان دون قيد أو شرط مسبق.


#سفيربرس _ بقــــلم الناقد العراقي عدنان الريكاني

 

إعلان
إعلان

رئيس التحرير

محمود أحمد الجدوع: رئيس تحرير صحيفة سفير برس. صحيفة سورية إلكترونية، يديرها ويحررها فريق متطوع يضم نخبة من المثقفين العاملين في مجال الإعلام على مختلف أطيافه, وعلى امتداد مساحة الوطن العربي والعالم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *