الإنسان السوري وطريقة للشفاء من الصدمة المتوارثة: من منظور الدكتورة Mariëlle Buque
#سفيربرس _ أمستردام _ سلوى زاهر

تشكّلت شخصية الإنسان السوري عبر قرون من التاريخ العريق، لكن العقود الأخيرة تركت آثارًا عميقة في بنية الوعي الجمعي، وخاصة بفعل الحرب، والتهجير، والقمع، والفقد، والتجارب المتكررة من العنف والحرمان. حين ننظر إلى هذه التجربة من خلال عدسة الدكتورة Mariëlle Buque، التي تركز في عملها على الشفاء من الصدمة العابرة للأجيال (Intergenerational Trauma)، نكتشف أن الإنسان السوري ليس فقط ضحية للصدمات الفردية، بل حامل لصدماتٍ موروثة من الأهل والمجتمع بفعل المعتقدات الخاطئة التي ورثها مت أجداده القدماء.
فالصدمة المتوارثة في السياق السوري
هي التأثير النفسي العميق الذي ينتقل من جيل إلى آخر، حتى لو لم يمر الجيل الحالي بنفس الأحداث. في الحالة السورية، نجد أن الأبناء يرثون مشاعر الخوف، أو الصمت، أو اليأس من آبائهم الذين عاشوا القمع السياسي أو فقدوا أحبّاءهم في السجون أو الحروب على مر العصور. هذه المشاعر تظهر لاحقًا في شكل اضطرابات نفسية، صعوبة في بناء علاقات، أو حتى انعدام الثقة بالنفس أو بالآخرين.
وفقًا لـBuque، لا يمكن تجاهل الألم الجماعي أو التعامل معه بالفردية فقط، بل يجب فهم جذوره البنيوية والتاريخية، لأن كثيرًا من الألم ليس ناتجًا عن “ضعف” الشخص او قصور في الإستيعاب بل عن بيئة غير آمنة تكررت عبر الأجيال.
سمات الإنسان السوري: القوة والإنكار معًا
السوري يتمتع بمرونة نفسية مذهلة، ويستطيع النجاة والتكيف رغم الظروف القاسية. لكن من جهة أخرى، كثير من السوريين يُظهرون ميلاً إلى الإنكار العاطفي، أو “التَصَلُّب الداخلي”، كآلية للدفاع النفسي. هذه السمة، وإن كانت وسيلة للبقاء، فإنها تؤجل المعالجة، وتزيد من احتمالية توريث الصدمة للأبناء.
كيف يمكن للإنسان السوري أن يعالج الصدمة المتوارثة؟
بحسب Mariëlle Buque، فإن عملية الشفاء تبدأ بـ:
1. الوعي بأننا نحمل ألمًا ليس بالضرورة من صنعنا:
أول خطوة للشفاء هي الاعتراف بأن بعض المشاعر أو ردود الأفعال التي نعيشها اليوم، قد تكون جذورها أعمق مما نتصور، وقد لا تكون مرتبطة بتجاربنا المباشرة فقط، بل بما حمله أهلنا وأجدادنا.
2. العودة إلى الجسد (Somatic Healing):
Buque تؤمن بأن الصدمة لا تُخزّن فقط في العقل، بل في الجسد أيضًا. لهذا، تمارين التنفس، التأمل، والربط الواعي بالجسد أدوات ضرورية للتعامل مع الألم المكبوت.
3. كسر دوائر الصمت:
يجب أن يُفسَح المجال في العائلة والمجتمع للحديث عن الألم بدل دفنه. الحوار بين الأجيال ضروري لكسر سلسلة التكرار.
4. العلاج النفسي الجمعي والفردي:
سواء عبر مجموعات دعم، أو عبر العلاج النفسي المهني، يحتاج الإنسان السوري إلى بيئة آمنة تسمح له بالتفريغ وإعادة بناء الذات، وهذا يتطلب توفير موارد نفسية تراعي السياق الثقافي واللغوي.
5. إعادة بناء الإحساس بالانتماء:
فشل النظام في حماية أفراده ترك الكثير من السوريين يشعرون بالغربة داخل مجتمعهم. جزء من الشفاء يتطلب بناء مجتمعات صغيرة آمنة، تعزز الشعور بالانتماء والكرامة.
⸻
شخصية الإنسان السوري اليوم تعكس وجعًا عميقًا لكنه غير ميت. من خلال فهم الصدمة المتوارثة كما تشرحها Mariëlle Buque، يمكن للإنسان السوري أن يبدأ رحلة شفاء جماعية تعيد له كرامته النفسية والإنسانية. الألم ليس قدرًا نهائيًا، بل رسالة تحتاج لمن يصغي إليها.
#سفيربرس _ أمستردام _ سلوى زاهر