استشراق مؤسسات المعلومات في عام 2050.. بقلم :أ.د. هدى عباس قنبر
#سفيربرس _ بغداد

في عام 2050، ستشهد مؤسسات المعلومات تحولًا جذريًا عن صورتها التقليدية في القرن الماضي. فلن تقتصر هذه المؤسسات على كونها مكتبات أو مراكز معلومات او بيانات تقليدية، بل ستصبح كيانات ذكية تفاعلية، رقمية بالكامل، ومتكاملةً بسلاسة مع جميع جوانب الحياة البشرية.
وسيُعاد تصميم الهيكل البنائي لهذه المؤسسات وفقًا لمفاهيم العمارة الذكية المستدامة. فلن تكون المباني مجرد هياكل إسمنتية تضم رفوفًا من الكتب، بل ستتحول إلى فضاءات معرفية تفاعلية. ستُزوَّد الجدران بشاشات ذكية تعرض البيانات لحظيًا حسب الحاجة، فيما ستُستخدم تقنيات التعرف على الوجه أو البصمة العصبية للتحكم في المداخل. كما ستُنتشر أجهزة الواقع الافتراضي والمعزز في كل ركن، مما يتيح للمستفيدين “العيش” داخل المعلومات بدلًا من مجرد قراءتها.
وسيتغير دور أخصائي المعلومات بشكل كبير، فلم يعد مُقتصرًا على تنظيم المصادر أو توجيه المستفيدين، بل سيصبح مستشارًا معرفيًا يمتلك مهارات متقدمة في علم البيانات والذكاء الاصطناعي، إضافةً إلى القدرة على تحليل الاحتياجات والتواصل الفعّال. وسيعمل بالتعاون مع الأنظمة الذكية لتقديم خدمات مخصصة لكل مستفيد، بل قد يشارك بعضهم في تدريب هذه الأنظمة لتحسين فهم سلوكيات البحث والاستخدام.
ستتعدد مصادر المعلومات وتتنوع بشكل غير مسبوق. فلن تعود الكتب والمجلات المصادر الرئيسية للمعرفة، بل ستُستبدل بالبيانات الحية والعروض الهولوغرافية والذكاء الاصطناعي التوليدي. كما ستشمل الخدمات المقدمة استشارات فورية قائمة على تحليل البيانات، إلى جانب محاكاة الواقع العلمي والتعليم التفاعلي عبر الواقع الافتراضي، مما يتيح للمستفيدين “خوض” تجارب داخل مختبرات علمية أو حتى داخل أعمال أدبية.
ولن تعتمد عملية تنظيم المصادر على الفهرسة التقليدية، بل ستتحول إلى خوارزميات تصنيف ديناميكية تعتمد على الذكاء الاصطناعي. ستُصنَّف المعلومات وفقًا للسياق وسلوك المستخدم وأهمية المحتوى، مع تعديل التصنيفات تلقائيًا بناءً على أنماط الاستخدام. كما ستتيح هذه الأنظمة للمستخدمين إنشاء “عوالم معرفية” شخصية تحفظ مسارات بحثهم وتُقدّم توصيات أكثر دقة في المستقبل.
وسيتسع مفهوم “المستفيد” ليشمل ليس فقط البشر، بل أيضًا الروبوتات والمساعدات الذكية التي تحتاج إلى الوصول للمعرفة لتحسين أدائها. أما على الصعيد البشري، فسيصبح الوصول إلى المعلومات حقًا أساسيًا من حقوق الإنسان، حيث ستوفر المؤسسات واجهات متعددة تناسب جميع الفئات، بما في ذلك ذوو الإعاقات ومستخدمون لغات الإشارة أو أولئك الذين يفضلون التفاعل الصوتي أو حتى العقلي عبر واجهات الدماغ الحاسوبية.
وستصبح مؤسسات المعلومات شريكًا أساسيًا في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، حيث يتجاوز دورها حفظ المعرفة إلى المساهمة الفعّالة في بناء مجتمعات واعية بيئيًا. ستُدمَج مبادئ “التعليم الأخضر” في جميع الخدمات، من خلال تعزيز الوعي بحماية الموارد وإدارة النفايات الرقمية واستخدام الطاقة المتجددة. كما ستتحول هذه المؤسسات إلى نماذج تطبيقية للاستدامة، باستخدام مواد بناء صديقة للبيئة وأنظمة ذكية لإدارة الموارد.
وختاما في عام 2050، لن تكون مؤسسات المعلومات حبيسة الماضي أو محدودة بالزمان والمكان، بل ستصبح كيانات معرفية ديناميكية تتنفس التكنولوجيا وتستجيب لاحتياجات الإنسان بذكاء غير مسبوق. سيختفي الحاجز بين الإنسان والمعلومة، وسيفتح المستقبل أبوابًا لا نهائية أمام ثورة معرفية تُعيد تعريف مفهوم التعلم والمعرفة إلى الأبد.
#سفيربرس _ بقلم :.أ. د. هدى عباس قنبر
كلية العلوم الإسلامية – جامعة بغداد – بغداد – العراق